أبو كاطع.. على ضفاف السخرية الحزينة

محمد الكروي/

كان غيماً… على صحن فاكهة قرمزية… يذوب فيها…. قطرة..قطرة.. من عذاب البلاد.. لم يكن قانعاً بالرضا… لم يكن واضعاً.. فوق صدغيه.. واقية كعيون الجواد… كان غيماً ولما يزل.. ماطراً فوق جذع البلح… قطرة.. قطرة… من مسيل الفرح. بهذه الكلمات رسم الشاعر هاشم شفيق بورتريه لشمران الياسري الشهير بأبي كاطع، الشخصية الاستثنائية وصاحب أكبر سخرية حزينة.

رحلة استذكار

أبو كاطع كنا معه في رحلة استذكار من قبل محبيه وأصدقائه أقيمت في نادي العلوية لمناسبة صدور الطبعة الثانية من كتاب الدكتور عبد الحسين شعبان “أبو كاطع على ضفاف السخرية الحزينة”. قدم للجلسة الزميل الإعلامي عماد جاسم وتحدث فيها الناقد د. شجاع العاني والناقد فاضل ثامر ونجل الراحل أبو كاطع د. إحسان الياسري.

وكذلك الدكتور عبدالحسين شعبان الذي ختم الاحتفال بتوقيع كتابه وتبرع بريعه الى النازحين والمهجرين في العراق.
الطبعة الأولى صدرت عام 1998 في لندن من قبل نادي الكتاب العربي. يقول شعبان بخصوص الطبعة الثانية: إذا كانت الأسباب في السابق هي التعريف بـ “أبو كاطع” وأدبه وفنه وأسلوبه، فهذه الأسباب ماتزال موجودة، والكتاب الجديد سيكون موجهاً الى العراق وأهله، وأضيف إليه ما تعانيه بلادنا من مأساة وعنف وانفلات وطائفية وفساد، الأمر الذي يجعلنا بحاجة ماسّة الى قراءة أبو كاطع ليمدنا بما نستطيع لنشر قيم التنوير والحق والعدل، لذلك حرصت على طبعه ثانية وأضفت إليها فصلين هما “فن الضحك والسخرية عند أبو كاطع” و”السخرية والأسئلة الملغومة.”

آراء جديدة

وقد تضمنت الجلسة آراء تقال لأول مرة عن “أبو كاطع” وأدبه، كما ذكر الدكتور شجاع العاني، الذي ضمّن رسالته للدكتوراه فصلاً عن رواية “أبو كاطع” الرباعية وكادت أن تعترض لجنة المراقبة عليها في زمن النظام السابق، لولا أنها مرت مرور الكرام عليها. وكانت شجاعة كبيرة من العاني بتحدي السلطة وتناول أدب أحد المعارضين لها. وقارن بينها وبين رواية غائب طعمة فرمان “خمسة أصوات” وبين الاختلاف بينهما. أما الناقد فاضل ثامر، رئيس اتحاد الأدباء في العراق سابقاً” فقد أسهب في حديثه عن “أبو كاطع” بسبب معرفته وعمله معه في مجلة الثقافة الجديدة. يقول فاضل ثامر: كان أبو كاطع حداثوياً في نظرته للتاريخ بروايته الرباعية، التي استخدم فيها اللهجة العامية لشخصيات حقيقية. وكنت أحد المطلعين على روايته الرباعية قبل النشر وكتبت له بعض الملاحظات بشأنها وقد أخذ بها عند نشرها. لقد كان أبو كاطع، بسخريته وجرأته، يزرع الخوف في قلوب الحكام الطغاة، كما يقول ألبرتو إيكو. كما تحدث الدكتور إحسان الياسري، نجل أبي كاطع ، الذي ألّف كتابين عن والده، عن بعض المواقف الساخرة لأبيه. فقال: احتل أبو كاطع مكانة كبيرة، ليس في الأدب والصحافة العراقية فحسب، بل على الصعيد الشعبي أيضاً، وانشغلت به أوساط واسعة من شتى التيارات السياسية والفكرية من المعارضين والمؤيدين. ومن مواقفه الطريفة أنه اعتقل ذات مرة فأخذه الشرطي الى السجن وفي الطريق قال له الشرطي أرى فيك إنساناً محترماً “فمن أي عمام أنت؟” فردّ عليه أبو كاطع قائلاً أنه ياسري، وسأله عن تهمته فقال له أنا شيوعي، فتعجب الشرطي ورد قائلاً: “أعوذ بالله هم سيد وهم شيوعي” ملعون.

وأضاف الياسري: وعندما قامت الجبهة الوطنية بين البعثيين والشيوعيين عام 1973 كان من القلّة التي أعلنت معارضتها للجبهة وبصوت مسموع وعلني. وأبو كاطع لم يدخل المدارس ليتعلم القراءة والكتابة بل تعلمها ذاتياً من خلال قراءاته الذاتية!

أما المفكر عبدالحسين شعبان فقال في كلمته: عرفت “أبو كاطع” عام 1969 في مجلة الثقافة الجديدة حين كان مدير تحريرها وقدمني إليه الشهيد محمد الخضري. ومن يومها تعمقت صلتي به وازدادت لقاءاتنا بمرور الأيام.

وأضاف: أبو كاطع، برغم أن هناك من سبقه في مجال الكتابة الساخرة والناقدة كنوري ثابت وعبد الجبار وهبي أبو سعيد، إلا أنه برع في ذلك كثيراً. والطريف أن “أبو كاطع” كان يكتب مقالاته الأولى من الريف ويرسلها الى الصحف في بغداد ولايعلم أنها تنشر إلا بعد حين. وقد باع روايته الرباعية الى القراء قبل طبعها بعد أن رفضت الجهات الحكومية طبعها، فكان يكتب لأصدقائه “أدفع ربع دينار وانتظر الرواية تأتيك بعد الطبع”!

وختم شعبان بالقول: أتذكر أنني كنت على موعد معه في براغ بعد أن يعود من زيارة ابنه جبران في بودابست بهنغاريا، لكن المنيّة عاجلته ومات في حادث سيارة في 17 -8-1981قبل أن يتحقق اللقاء.

وختمت الجلسة الرائعة التي استذكرنا فيها “أبو كاطع” من خلال حكايات الآخرين لتضيف إلينا معلومات جديدة عن هذا الساخر الجميل.