برامج التصدّق العلني.. ذر يعتها التراحم.. وحقيقتها “الإهانة”

إياد السعيد /

ما إن يهل شهر رمضان، حتى ينهمر سيل البرامج المنوعة على معظم الشاشات، التي يصنف أغلبها مهنياً ضمن برامج الحشو لغرض سد الفراغ فقط لسهولة إنتاجها. إذ تواجه موجات من السخرية والانتقاد المجتمعية، لعل أقساها إهمال المشاهد لها، وبالأخص الشريحة المتنورة فنياً.
لذلك تلجأ الفضائيات إلى الاستعانة بالفيسبوك واليوتيوب للترويج لها، لأنها لم تصل إلى الجمهور من خلال الشاشة، وهذا اعتراف بالفشل في اللاوعي.
أما عن نسب المشاهدة، التي يتباهى بها مدراء الفضائيات، فهي لا تعني شيئاً، لأنها تخضع الى بحث جارٍ ومستمر يمر على كل القنوات يومياً، فهي بمجرد متابعة البرنامج لدقيقة واحدة تسجل مشاهدة، وهذا ليس مقياساً، لأن المشاهد يبحث ويتنقل بين الفضاء الواسع ليختار .
أما المعيار الحقيقي فهو رأي المشاهد.. فهل أجرت فضائية ما استبياناً أو استطلاعاً مكتوباً، وليس مصوراً، لعدد محدد من جمهورها؟
أصحاب الشأن يعلمون أن الشاشة محرقة للمال، لذا فإن إنتاج مثل هذه البرامج، المهملة أصلاً، لا يجذب المعلن، لأنها بلا رسالة أو متعة، وهي خسارة مؤكدة، ونتائجها سلبية أصلاً على القناة، فهي تقلل من رصانتها تدريجيا وتبعد المشاهدين عنها.
المسابقة الجوالة
الموضوع واسع ومتشعب إن رغبنا في تشريحه، لكننا سنتحدث هنا لنصل إلى صنف برامج المسابقات الجوالة وتوزيع الهدايا التي سجلنا عليها بعض الملاحظات، فبالرغم من أن كل هذه البرامج تندرج تحت مسمىً واحد، لكنها تختلف في المعالجة الدراماتيكية للأداء الفعلي داخل الستوديو أو خارجه، في بيئة شعبية او فقيرة. وهذا ما سنسلط عليه ضوء كشّافنا، ونأمل أن يستفيد منها ذوو الشأن من المهنيين.
المتصدق والفقير
يحاول المقدم في برامج، توزع فيها الهدايا بين الفقراء، أن يظهر بدور المتصدّق على الفقير بالسؤال عن معيشته وحاجته، ليمن عليه باسم قناته، وإن أراد أن يفعّل أو يلطف الجو يطرح عليه سؤالاً ساذجاً جداً يلمّح من خلاله أن الغرض هو مساعدة الفقير، ومن الجانب الآخر يعطي انطباعاً أن المشارك متدني الثقافة، أو عديمها، أو معاق فكرياً أو جسدياً، وهذا انتقاص من إنسانيته.
إن الأداء المثالي يجب أن يكون بالحفاظ على كرامة الإنسان، مهما كان مستواه، بسؤال يستطيع الإجابة عليه، من حياته اليومية، أو فقرة منه يقدمها، وليس شرطاً من علم أو أدب، لكي يشعر باستحقاقه في نيل الجائزة عن إجابته، وأنها ليست صدقة أو ترحماً من القناة بدون مقابل.
أداء مفتعل
البكاء والأداء المفتعلان، المبالغ فيهما، هما نوع من الرياء، فحتى لو كانا صادقين يجب أن يعالج المشهد مونتاجياً، للتقليل من حدته بشكل يخفف من وطأة المشهد، باستخدام موسيقى، أو مؤثر صوري بالتسريع، أما ما نشاهده فهو استخدام موسيقى حزينة لاستجداء العواطف والدموع من المشاهدين، وهذا يقلل من نسبة المصداقية والموثوقية عند الخبير والمختص، نعم، تفعل هذه البرامج فعلها عند المشاهد البسيط، لكنها بالأخير تخدم القناة فقط وتسوّق لها، قافزة على كرامة الفقير .
استغلال الحاجة
من جانب المشارك الفقير، فإنه بالتأكيد لن يرفض الهدية أو الجائزة (الصدقة في فحواها)، فهو مضطر لتقبلها على حساب كرامته، ما يُعَدّ استغلالاً لحاجته، فلن نتوقع منه أن يرفضها، ولا حتى الطلب بتغطية وجهه بموزاييك، أو تعتيم، أو ما شابه، لأنه يجهل هذه التقانات، فلو بادر أحد البرامج بتنفيذ ذلك الإجراء الفني كان قد كسب احترام الجمهور بشكل كبير .. هذا بالحقيقة هو معيار الشرف المهني والضمير الإنساني الذي إن فقده الإعلام فسوف يفقد مهنيته.
في نسخته الخامسة، تطرح إحدى الفضائيات برنامجاً خيرياً لأحد الشباب الملثمين، كلنا تفاعلنا معه، ومازلنا، وهو يوزع مساعدات بين محتاجين وفقراء في بلدان مختلفة، قد يظن المشاهد أنه مكتمل الجوانب إنسانياً، لكن هناك قصوراً فاضحاً بالمقابل.
اسئلة
السؤال الذي يطرح نفسه: هناك برامج تغطي وجه المقدم فقط، فلماذا لم تغطِّ وجه المحتاج؟ لنرجع قليلاً الى الفقرة، ونطبقها لنقيس إنسانية البرنامج ومدى قربه من المثالية، برأيك عزيزي القارئ إذا منحته درجة من 100 ماذا ستعطيه؟ على أن لا تقارنه بما يعرض في الفضائيات العراقية.
إن أردنا أن نستمر في هذه البرامج لإيصال رسالة الرحمة والتراحم فيمكن أن نحوّر في السيناريو قليلاً، فمثلاً يطلب المقدم من الفائز بالجائزة أن يتقاسمها مع محتاج آخر قريب أو بعيد يعلم بحاجته لها، وتنتقل الكاميرا إلى الثاني لتصوير ردة فعله وشكره للمبادر بتقاسم المبلغ، وبذلك سنحصل على أداء مميز وجميل وإنساني بدون دموع ولا حزن، ونكون قد زرعنا بذرة خير علني غير معرض للنقد .
جانب إيجابي
ثمة جانب إيجابي في مثل هذه البرامج، هو التشجيع على تقديم المساعدة للفقير والمحتاج، لكن بتجاوز الأخطاء المقصودة، أو بدون دراية، فظاهر هذه البرامج التقرب الى الله بالتراحم، وباطنها لغايات تختلف باختلاف الجهات الممولة.