حين يكون الوقت هو العملة الرسمية للموت

محمد موسى /

لا شيخوخة ولا أمراض وكل مالديك هو (25) عاماً تقدمها لك الحكومة، فما إن تصل لهذه السن حتى يبدأ العد العكسي لمدة بقائك على قيد الحياة فتموت عند السادسة والعشرين ما لم تشتر الساعات والدقائق من الآن فصاعداً، وإن كنت محظوظاً تستطيع أن تبقى على قيد الحياة لملايين السنين ولن يتغير مظهرك الشاب،فلسفة
فأنت تقف على عتبة الشباب الدائم عند الخامسة والعشرين من عمرك، هذا هو نظام الهندسة الوراثية والتحكم بالجينات، يمنحك الأبدية ولا يمنحك يوماً من الكسل، عليك أن تراقب ذراعك طوال الوقت ففيها يظهر ما تكسبه وما تنفقه من عمرك، إنها ساعة مولود بها تضيء بلون أخضر ما دمت تعمل.. سعر كوب القهوة (3) دقائق ومع ارتفاع الأسعار اصبح بـ (4) دقائق، ولكي تنفق عليك العمل بشكل مستمر دون توقف، أنت آلة منتجة وحين تتوقف الآلة سترمى في مقبرة الطمر اللا آدمي.
الحكاية
(إن تايم) او (في الوقت المحدد) فيلم خيال علمي كتبه وأخرجه (أندرو نيكول) وأنتج بميزانية متواضعة (40) مليون دولار وصدر العام 2011. ورغم أن الفيلم من فئة أفلام الخيال العلمي، إلا أنه يلامس بشكل كبير هوس الإنسان بالخلود، وفي نفس الوقت يضع ثمن الخلود أن تعمل بلا توقف ودون أن تلتفت الى حياتك الشخصية، فعلاقتك بالواقع هي علاقة دقائق يضيفها لك صاحب المصنع بعد انتهاء العمل، وإن طردك من العمل فرصيدك المتبقي من الساعات هو كل ما لديك لتبقى على قيد الحياة. الحكومة تسيطر على مصارف الوقت، وحين تقترض عليك أن تعيدها بفائدة معينة، رجال الأعمال والمتنفذون أعمارهم تمتد الى قرون ويتحكمون بعدد الساعات المطروحة في الأسواق.
البطل (جاستن تمبرليك في دور ويل سالاس) كان عليه أن يلتقي بوالدته (أوليفيا وايلد في دور ريتشل سالاس) عند محطة باصات معينة بعد انتهاء الدوام المسائي لكليهما، ولكن ما إن تركب الأم الباص حتى يخبرها جهاز استقطاع الوقت أنها لا تملك الدقائق الكافية لركوب الحافلة، تخبر السائق أن ابنها سيسدد المبلغ ما إن يصل، إلا أنه يرفض فهذه هي القوانين، تحاول أن تستدين بضع دقائق من الركاب، إلا أنهم تعلوهم نظرات الرفض، فينصحها السائق بالركض لملاقاة ابنها وإلا ستموت هنا. في المحطة المتفق عليها للقاء الام بالابن ينتظرها جاستن وهو يحمل باقة زهور لمناسبة دخولها عامها الخمسين وهو يملك الكثير من الوقت ليعطيها لها كهدية، تصل الأم راكضة منهكة وما إن يقفز جاستن لمنح الأم الوقت تكون ساعتها البايولوجية تعد آخر ثوانيها وتموت. من هنا يبدأ الفيلم، لكن باعتقادنا الى هنا تنتهي القصة الحقيقية للوقت، فكل ما تبقى هو اكتشاف عوالم الأغنياء حين يبدأ البطل بالانتقام من حاملي الوقت الكبار كالمصارف.
لكن، وقبل الانتقال الى المخرج، علينا أن تسلط الضوء على حقيقة أن الإنسان، وبرغم حبه للخلود، فإنه في لحظة ما، سيكره هذا البقاء الطويل، فعلى لسان الرجل الذي أعطى لجاستن 116 ساعة وانتحر بنفاد الوقت أنه كره هذه الحياة، لأنه شاهد وفعل وعمل كل شيء ولا يغريه البقاء بعد الآن.
حركة
109 دقائق هي مدة الفيلم، كان على المخرج أن يحاكي سرعة نفاد الوقت، وبذلك لجأ الى أسلوب الحركة والقطع السريع، لم يترك للمشاعر الإنسانية ان تؤثر على مستوى حركة الكاميرا، فالوقت هو الغاية وكل حركة تصدر من الفرد هي ضياع للعمر. هذا على الأقل ما يفكر به عامة الناس، أقصد الفقراء الذين يموتون على الأرصفة.
اللقطات العامة في غالبية مراحل الفيلم ضرورية لفهم سير المجتمع، وحين ندخل في لقطة قريبة (عادة ما تكون الساعة في الذراع) فستكون بالضرورة لمعرفة كم تبقى لدينا من خزين الدقائق او الساعات. لم ينجح الفيلم في خلق بيئة تمثل التطور التكنولوجي لعصر التعامل بالزمن. وأعتقد أن هذا الخلل يعود لضعف ميزانية الإنتاج التي لن تتحمل تكاليف خلق بيئة متطورة عن عصرنا الحالي. على مستوى الأداء التمثيلي فإن جاستن تمبرليك أعطانا بشكل محترف القدرة على تجاوز المشاعر الرومانسية، بل إن الفيلم، وبرغم علاقة الحب التي نشأت بين جاستن وبين (أماندا سيفريد في دور سيلفيا) البنت المدللة ابنة المليونير(فنسنت كارثلايز في دور فيليب وايس)، هنا طبعاً المليونير هو من يملك أكبر عدد من السنين ويتاجر بها.
وبرغم هذه العلاقة التي أدت الى أن تتخلى أماندا عن والدها، بل وتتبنى فكرة جاستن بسرقة بنك والدها وتوزيع الساعات والأيام على عامة الناس، ما أدى الى ركود اقتصادي وتوقف حركة العمل لأن الجميع بات يمتلك وفرة من الوقت ليستمتع به، إلا أن المنحى الرومانسي ظل ضعيفاً، وهذا شيء جيد لفكرة فلسفية قائمة على الصراع مع الزمن.
من عيوب الإخراج الرئيسة والقاتلة، التي أدت الى أن ينال الفيلم تقييماً متوسطاً هو الترهل في السرد، وهو بالطبع الجانب التجاري من العمل، فبعد الدقيقة 20 من الفيلم ستتوالى أحداث كان بالإمكان اختزالها، أو خلق خط درامي آخر موازٍ للقصة الأساسية بدلاً من الاعتماد على خط درامي واحد. ورغم وجود (كيليان مورفي في دور حامي الوقت ريموند ليون) ضابط الشرطة المكلف بملاحقة من يسرقون الوقت والسيطرة على تدفق الوقت للسوق، مورفي الذي أتقن دوره بشكل أجبر النقاد والمخرجين على الالتفات الى هذه الموهبة، وبالفعل كسب (كيليان مورفي) الكثير من الأدوار الرئيسة والبطولات في أفلام ومسلسلات مهمة.
انعكاس
ماذا لو أن هذه الفكرة أصبحت حقيقة قابلة للتطبيق، وأن كلاً منا يمتلك ساعة بايولوجية رقمية مرسومة على ذراعه، هل كنا سنهدر الوقت في اللعب؟ هل كنا سننام كما يحلو لنا؟ هل سنكون أكثر إنتاجية وأقل استهلاكاً! وبقليل من التفكير سنجد أن هذه الساعة موجودة بالفعل، وهي دائمة العمل، لكننا اعتدنا على تناسيها لحين ظهور تجاعيد الوجه او مرورنا بصورة التقطها لنا أحدهم فيكون من في الصورة غير من هو في الواقع .. فتقول “إنها الايام.”