رزكار البرزنجي: أسعى للحفاظ على الذاكرة الفنية

رجاء حميد رشيد /

اقترن اسم مقهى الشابندر باسم شارع المتنبي، فهما صنوان متلازمان. ولابد لزائر المتنبي من الدخول لمقهى الشابندر واحتساء الشاي البغدادي والاستماع إلى الأغاني العراقية الخالدة مع تدوين كلماته في سجل صاحب المقهى الحاج محمد الخشالي والتقاط صورة تذكارية بعدسة مصور المقهى رزكار البرزنجي .

رزكار البرزنجي.. مصور أشهر مقاهي بغداد (مقهى الشابندر) التراثي القديم في شارع الثقافة والفن (المتنبي) و أحد أشهر المصورين في مجال توثيق المكتبة الفنية من خلال التصوير الفوتوغرافي والموسيقي لامتلاكه أكبر آرشيف غنائي وأكبر مكتبة صوتية تحتوي على ما يقارب الـ (15000)عمل تراثي من صور وصوتيات (تيب، كاسيت، اسطوانة، سي دي، صور) ونوادر الغناء العراقي القديم، لفنانين يعدون النواة الأولى في تأسيس الفن العراقي الأصيل البعض منها يعود إلى عشرينات وأربعينات وخمسينات القرن الماضي، وفي كل الأطوار: الريفي والمقام وغيرها ولأجيال متعاقبة (ناظم الغزالي، حضيري ابو عزيز، عبد الصاحب شراد، حسين نعمة، فاضل عواد، ياس خضر وغيرهم) .
الحفاظ على التراث
يقول البرزنجي: في عام 2007 وبعد الانفجار الذي استهدف شارع المتنبي الذي يعد أشهر المعالم الحضارية والثقافية في بغداد وبهدف محو كل المعالم الحضارية والفنية والتراثية فيه تم تفجير سيارة مفخخة راح ضحيتها الكثير من رواده ومنهم (5) شهداء من أولاد وأحفاد صاحب المقهى الذي اعتاد على استذكارهم بإقامة حفل تأبينني سنوي يحضره الكثير من الشخصيات والسفراء والهيئات الدبلوماسية، وبعد أن استعاد الشارع نشاطاته وبحلّته الجديدة قمنا بتأسيس قاعة (الشناشيل ) في المركز الثقافي البغدادي كوني صاحب أكبر مكتبة تراثية في بغداد، إضافة إلى تأسيس مكتبة صوتية داخل مبنى القشلة التراثي التابع لوزارة الثقافة والسياحة والآثار تباع فيها اسبوعياً كل يوم جمعة أشرطة غنائية وصوتية لفناني الزمن الجميل (ألاغاني والمقامات لعمالقة الفن العراقي)، وجاء تأسيس هاتين المكتبتين من اجل الاحتفاظ بالتراث العراقي وعدم ضياعه (لكي لا يموت) والحفاظ على تراثنا الذي يشكل جزءاً من هويتنا العراقية، وطموحي أن يخلدني التاريخ كي أحافظ على تراث المطربين القدامى .
مصور خاص
يضيف رزكار: منذ ما يقارب الأربع سنوات وخلال إحدى زياراتي لمقهى الشابندر الذي اعتدت على زيارته دائماً طلب مني الحاج محمد الخشالي صاحب المقهى أن أكون مصور المقهى الخاص وجاء طلبه هذا من خلال عملي بشكل متواصل فيه بتصوير وتكبير صور مرتادي المقهى، فوافقت فرحاً بطلب الخشالي وبصورة مجانية دون مقابل من الطرفين، فهدفنا واحد هو الحفاظ على هوية الشارع الثقافي، وحرصت أن أتواجد فيه أيام الجمع والعطل الرسمية حيث يكتظ الشارع برواده وزائريه من والعرب والأجانب والعراقيين والشخصيات المهمة من رئيس الجمهورية والوزراء والسفراء والوفود والفنانين والمثقفين، وبدوري أوثق زياراتهم بالتقاط الصور التي تعد وثائق صورية تاريخية الذي لابد للزائر أن يلتقط صورة فيه، حيث يوثقها الحاج الخشالي في سجل الزيارات، حيث يسجل الزائرون فيه انطباعاتهم وإعجابهم ببضع كلمات مذيلة بأسمائهم وتواقيعهم مرفقة مع الصور التي التقطها لهم، فلدى الحاج الخشالي كتاب كبير جداً يضم أكثر من( 200) صفحة يعمل على توثيقها في هذا الكتاب من خلال تدوين ما كتبه الزوار في سجل الزيارات مرفقة مع صورهم، وبعد إكمال الكتاب وطبعه يوزع مجاناً لكل من سجل زيارته من خلال حضوره وضيوفه من كل دول العالم .
بصمة خاصة
وعن سبب اهتمامه وانضمامه للعمل في المقهى يقول رزكار: أرى في الحاج الخشالي صورة أبي رحمه الله لأنه إنسان شهم وقوي ونموذج مثالي للشخصية البغدادية الأصيلة بزيّه البغدادي القديم الصاية و (ابو الجراوية) وأحس بعملي معه بأنني ساهمت ولو بجزء بسيط في حفظ الذاكرة الفنية والفنانين وتلك الحقبة الجميلة أيام الأصالة والذوق الرفيع.
ثقة وتوثيق
وعن سبب اختياره رزكار البرزنجي مصوراً خاصاً لمقهى الشابندر قال الحاج محمد الخشالي: بطبيعة الحال يرتاد المقهى كثيرون يحرصون على توثيق زيارتهم بالتقاط الصور التذكارية فيه، واخترت رزكار البرزنجي كمصور خاص للمقهى بالرغم من الكثير من المصورين الذين يمثلون رواد المقهى، فالصورة أمانة ولا يمكن أن أثق بأي مصور لا أعرفه حفاظاً على خصوصية الزائر وخشية من البعض الآخر الذي قد يستغل الصورة لتحقيق مآرب أخرى كقناص وليس كمصور.
مكتبة تراثية
وعن أهم أعماله ومقتنياته قال البرزنجي: أكثر مقتنياتي هي (نوادر) منها خطابات عبد الكريم قاسم، وناظم الغزالي وحضيري أبو عزيز والقبنجي ويوسف عمر وغيرهم، ومن أهمها (سورة الإسراء) للقارئ ملا عثمان الموصلي مسجلة على اسطوانة شمعية أهداني إياها الباحث الموسيقي سعد السعدي في عام 2009 لكوني محتفظاً بكنوز الثقافة والأصالة، واهم أعمالي هي إقامة عدة معارض استذكارية لفنانين تركوا بصمة نادرة في التراث العراقي، وأنا أحببتهم دون أن أزامنهم فأحببت أن أقدم لهم شيئاً يخلدهم، وبهذا أصبح كل العازفين والأكاديميين والباحثين والمدرسين ومعهد الدراسات النغمية وأكاديمية الفنون الجميلة هم رواد محلي وهم أصدقائي فيحصلون على مبتغاهم من الأغاني النادرة لكل المطربين، فعملت على إعادة تسجيل الأغاني الخالدة التي لها جمهورها وشعبيتها، كما شاركت في كثير من المعارض منها مع لجنة المرأة في وزارة الثقافة بمعرض فوتوغرافي وصوتي لمطربات بغداد (سليمة مراد، عفيفة اسكندر، منيرة الهوزوز، زهور حسين، زكية جورج، نرجس شوقي، وحيدة خليل، أحلام وهبي، مائدة نزهت، انوار عبدالوهاب، سيتا هاكوبيان، وامل خضير) وذلك احياءً لذكراهم ولتعريف الأجيال الجديدة بإرثنا الثقافي الفني وماتزخر به المكتبة الصوتية والصورية من عمالقة الفن الجميل، وأشار البرزنجي: آخر نشاطاتي كانت مشاركتي في جائزة الإبداع العراقية في وزارة الثقافة في حقل التصوير الفوتوغرافي، بصورة فوتوغرافية عبارة عن رجل كبير في السن أسميتها العراق لأن الرجل تكسو ملامحه الحزن والتعب وهو في خريف العمر يرتدي (دشداشة ممزقة) تعكس حالته التي يرثى لها فهو بنظري يشبه بلدنا الحبيب المتعب . رزكار البرزنجي مواليد 1966 السليمانية شهادته هي الحياة، عضو نقابة الفنانين العراقيين وعضو جمعية المصورين العراقيين، عضو جمعية الموسيقيين، عضو رواد وأبطال الملاكمة في العراق، عضو جمعية حقوق الإنسان، موظف في وزارة الثقافة.