فاضل خليل لـ « الشبكة»:أنا ابن الجيل الذي حاولت الحروب تدميره

مناضل داوود/

ممثل له نهكته الخاصة. استطاع ان يحافظ على اسمه الفني منذ ان لمع نجمه في مسرحية (النخلة والجيران)في السبعينات، دخل المجال الأكاديمي فأحبه طلابه وأصبح اسماً مهماً في المسرح العراقي، فكان بحق الابن الشرعي لمسرح الفن الحديث. طرق أبواب الاخراج فاشتهر به حين اخرج لاكاديمية الفنون الجميلة مسرحية (الملك هو الملك). انه الممثل والمخرج الفنان فاضل خليل. التقته (الشبكة) للحديث عن المسرح العراقي وانجازاته وهمومه:
¶بعد نجاح مسرحية (الملك هو الملك) للمخرج الكبير الراحل ابراهيم جلال قال وقتها:سأموت وأنا مطمئن. هل أنت مطمئن على مستقبل المسرح العراقي؟
-أنا مطمئن على قادم المسرح العراقي، لكن بعد أن يفهم الجيل الحالي أن المسرح ليس فعالية عابرة، أو وسيلة لقضاء الوقت أو الترفيه. المسرح مسؤولية لا تقل أهمية عن مسؤولية المفكرين الطامحين إلى خلق أمة بحجم قارة أو العالم. مسرحنا اليوم يدعو الى القلق ففضلا عن شح المنتج حاليا، هناك عزوف من الأسماء المهمة عن العمل والتواصل بداعي تدهور الوضع الأمني، أو الغياب القسري بسبب المرض أو الموت، أو الهجرة. لكن الأسباب الأكثر مدعاة للخوف والقلق هي الاهمال الواضح من الدولة وغياب العافية الثقافية، ربما الظرف الامني غير المستقر هو السبب الرئيس في ذلك، وهو ما يدفعنا لانتظار ظرف أكثر سلامة وملاءمة ليكون حكمنا منصفا في تأكيد الاهمال القصدي للدولة. إذن الجهود الخاصة هي التي سعت الى خلق الظواهر الابداعية، وليس الدعم القاصر من الدولة أو أية جهات ساندة عراقية كانت أو خارجية. هنا استطيع القول لابراهيم جلال: أنك لم تمت، أو في الأقل: نم قرير العين.
النفي طوعا
¶وصف شيخ المسرحيين سامي عبد الحميد المسرح العراقي بأنه أعرج. أين تكمن المشكلة؟
-المشكلة تكمن في عدم فهم المسرح وماذا يريد أكثر من الاستمرارية والتواصل والبحث عن الموضوعات ذات الأهمية. هناك من قرر لنفسه النفي طوعاً، أو ربما نفي قسراً، فابتعد عن الوطن ونشط حيث حل، أما الباقون فهم أبطال تركوا بصماتهم على التجربة المسرحية وبقوة، بسبب أن تجربتهم صبت جام غضبها على الواقع الدامي، وصرخت من خلالها بوجه من كان سببا في الدمار الذي حل في الوطن.
¶لسنوات طويلة تدرس مادة الاخراج في قسم الفنون المسرحية؛ أي من تلاميذك أصبح مخرجاً وهل هناك مشروع مخرج للمستقبل؟
-قلة منهم ممكن جدا أن يكونوا مخرجين ناجحين إذا ما تخلصوا من الأنا واستسهال العملية الابداعية. الاخراج ليس عملا سهلا أو ممارسة تنظيم فقط بعد فهم النص أو الحكاية. أنها في الغالب عندهم مقترح غير مدروس، يعتمد على الضوء وقطعة من ديكور تسلط عليها الأهمية من خلال السينوغرافيا التي تعلن عن موت المخرج لتنتصر السينوغرافيا. متى ما حلت القراءة الإخراجية باحلال الكثير من التداخلات الفكرية والبصرية في خدمة الممثل وإطلاق طاقاته التي ستنتصر على القماش والخشب، سنحتفل بالمخرجين الواعدين الذين يتمناهم المسرح العراقي، وينسجمون مع تأريخه.
محنتي!
¶منذ ٢٠٠٣ لم نر عرضاً مسرحياً لك؟
-العناصر التي اعتمدتها قصداً ومن غير قصد في أعمالي الفنية، أو على البحث الأكاديمي، إنما تنطلق من أهتمامي باحتياجات الناس ومتطلباتهم.
أما صراعي الاكبر فيتركز في المحنة الانسانية التي أعاني منها مع كثيرين، والتي أجد فيها تعويضا عن الفقدان من غربة الوطن، وفي كيفية العودة الى عناصرها ابتداء من الفأر الذي غلب القط، والمفتري، والمفترى عليه وصولا الى الكاذب والصادق.
غالبا ما أفتعل حدثا متخيلا أوظفه في حدث وهمي، أو واقع فعلي. أنا أؤمن بأن المتخيل والحلم والخارج عن المألوف، جميعها تتحكم بها الواقعية، وكما يرى سلفادور دالي الواقع (حلما) سرياليا. فأن الجميع يروون الواقع كما يحلو لهم. عندما يتوفر الواقع الذي أريد. سيكون المنجز القادم (وطن بلا هاملت).
الشهادات «ورق»!
¶في الفترة الذهبية لاكاديمية ومعهد الفنون الجميلة لم يدرس دكتوراً واحداً، الآن هناك العشرات من الاكاديميين من حملة الشهادات العليا يدرسون فيها الا اننا نكاد نجمع على أن المسرح العراقي يمر بزمن معتم أين العلة؟
-العلة تكمن في الصعيد الفكري وفي تفسير المواطنة في الفن، في تقديري أن الشهادات هي (ورق) أن لم تفعل بالانجاز المبدع وما تعكسه من أعمال تنطلق من فعل المواطنة في جو من الطمأنينة والسلام، المنبثقة من العدالة في الأحكام والنوايا تجاه الآخر واتجاه الذات، عليه فالعتمة تكبر من دون الانجاز للحد الذي لا تضيئه الشهادات الفارغة التي تزيد حاملها تجويفا وعتمة.
¶هل نتفق على أن النقد يقوم المشروع المسرحي؟ أين هو النقد المسرحي في العراق؟
-يقول بيتر بروك: «جمهور المسرح المعتاد ليس دائما جمهورا حيا». النقد انما هو فعالية فكرية هدفها الارتقاء بالظاهرة المسرحية. من يطمح الى ايصال المنجز المسرحي الى أحسن حالاته يحتاج الى النقد والتقويم البناء. النقد في معناه لايعني الكشف عن العيوب والجوانب السلبية فقط، بل هو يعكس المعاناة التي نشكو منها في مسرحنا المحلي. وبالرغم من أن لدينا ذاك الجمهور النخبوي، لكن بعضا من هذا الجمهور سواء كان جمهورا اعتياديا أم جمهور نقاد يأتون الى المسرح بالرأي الجاهز المحمل بتأثيرات الغير، والذي غالبا ما يخلو من التحليل والقراءة الخاصة، تحكمه العلاقة المتشجنة بين الرائي وصاحب الرؤيا، أو العكس، وهي من أكثر أمراض المسرح خطورة. لاسيما وأن الكثير ممن يمارسون الكتابة في المنجز المسرحي هم وافدون اليه من هموم أدبية مغايرة لمنطقة المسرح. وغالبا ما يطلقون الاحكام عنه من مشاهدة يتيمة تنقصها قراءة النص ومتابعة التمرين اليومي.
شهرتي جاءت من المسرح
¶السينما والدراما هما من يصنعان النجوم؛ عرفناك نجماً محبوباً من دونهما كيف؟
-مارست العمل في مختلف الفنون المرئية والسمعية، لكن شهرتي جاءت من المسرح، من (النخلة والجيران) التي قربتني الى الناس، لأنها صادقة في تعاملها مع الناس، فدخلت بيوتهم وترسخت في الذاكرة ولم تنس. ولو استمر الصدق في الواقعية الاشتراكية والانسانية، لكان عدد النجوم أكثر من الجمهور.
¶فاضل خليل: أين أنت الآن؟ وماذا تريد؟
-أنا هنا، وأنا هناك حيث أريد أن أكون متسلحا بحب الوطن الذي أنا واثق من محبته لي برغم عذاباته. وحين أشعر بالخلل في تحقيق المعادلة أعلاه، أتوقف.
أنا ابن الجيل الذي حاولت الحروب التي توالت عليه منذ بداية عطائه أن تدمره مع جيله، ولم تستطع.
¶أحد أكثر الممثلين الشباب استرخاء وهدوءا هو خليل فاضل خليل الا يمثل لك ذلك فرحة العمر؟
-خليل فاضل خليل، ليس فرحة عمري فحسب بل هو فرح الدراما العراقية، وأمل في نقلها الى عوالم أفضل، وأتمنى أن يتخلص بعضهم من حساسياتهم دونه، ليأخذوا بيده الى ما يصبون اليه والى ما تصبو اليه الثقافة العراقية في الدراما المسرحية، والمرئية والسمعية.