فيلم ولايات الحب المتحدة الوجه البارد لأوروبا الشرقية

محمود الغيطاني /

ربما كان أهم ما يميز الفيلم البولندي United States of Love أو “ولايات الحب المتحدة” للمخرج Tomasz Wasilewski توماس فاشيلسكي هو تصوير المصورOleg Mutuأولجموتو والكادرات الباردة التي تُشعر المشاهد بالصقيع الحقيقي الذي قد يُوصله إلى الرعدة هذا التصوير الذي يجعل المشاهد يظن في بعض الأحيان أن الفيلم تم تصويره في الأساس بالأبيض والأسود ثم تم تلوينه تلويناً سيئاً؛ الأمر الذي أدى إلى شحوب جميع كادرات الفيلم بدرجة لونية أقرب إلى الموت، أو دالة على الموت؛ وهو ما انعكس بدوره على المشاهد الحميمة العديدة في الفيلم.

الإحساس الثلجي

المخرج منذ بداية الفيلم يُصرّ على أن ينقل لنا الإحساس الثلجي طوال فيلمه سواء كان في المشاعر- وهو ما رأيناه على ملامح جميع الممثلين الباردة الميتة.
هذه الصورة السينمائية الناطقة بما يرغب أن يقوله المخرج نلمحها في العديد من التفصيلات التصويرية التي كان يستحق عليها العديد من الجوائز نظراً لتعبيريتها، وهو ما رأيناه مثلاً حينما كان يستخدم الكثير من المشاهد الخلفية للشخصيات النسائية؛ حيث تهتم الكاميرا بالكثير من التفاصيل التي تبين لنا مزاج كل شخصية من شخصياته النسائية؛ فنلاحظ في هذه اللقطات أنه كان يركز كثيراً على كيفية تصفيف الشعر الدالة على مزاج كل شخصية من الشخصيات.
يُقدم توماس فاشيلسكي بولندا والكتلة الشرقية من أوروبا في التسعينات في الوقت الذي تمت فيه إزالة سور برلين الفاصل بين الجمهوريتين الألمانيتين وبداية انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وانعكاس ذلك على دول شرق أوروبا، لاسيما بولندا والتغيرات التي تحدث فيها من خلال التركيز على أربع قصص لأربع نساء يفتقدن الحب، أو هن في حاجة حقيقية إلى الحب الذي لا يتحقق في الحياة الواقعية، وهو ما انعكس على حياتهن جميعاً بالحزن والبؤس الدائم الذي نلاحظه على وجوه جميع الممثلات اللاتي أدين أدوارهن ببراعة في هذا الفيلم.

حفل عشاء

يبدأ المخرج فيلمه بحفل عشاء يجمع فيه جميع شخصيات الفيلم حتى الزوج الغائب الذي يعمل في ألمانيا من أجل تحسين وضعه المالي، والذي يجعله يحادث زوجته تليفونياً أثناء الحفل للاطمئنان عليها حيث تخبره بمدى حاجتها له، بينما ينصحه باقي الحاضرين بعدم العودة مرة أخرى إلى بولندا حيث الفقر والمعيشة الصعبة، ولعل المخرج أراد أن يُصور لنا صعوبة الحياة في بولندا في هذه الفترة من خلال تركيزه في العديد من المشاهد على المباني الصماء المنعزلة وكأنه مجتمع منفصل تماماً عن الحياة، مصحوباً بالألوان الشاحبة التي كان يُصرّ عليها منذ المشهد الأول، وصولاً إلى لمحة الحزن والبؤس والاكتئاب التي كانت من أهم ما يميز وجوه النساء في الفيلم؛ ليدلل لنا أن الحياة في بولندا تكاد تكون قاتلة ومستحيلة، ولا يمكن أن يصل أي شخص فيها إلى السعادة التي يبتغيها.
نلمح منذ بداية الفيلم Agata أجاتا التي أدت دروها Julia Kijowska المتزوجة منذ خمسة عشر عاماً ولديها فتاة في عمر المراهقة، ونعرف أن أجاتا تعمل في محل لتأجير شرائط الفيديو كاسيت بينما يعمل زوجها في المصنع الكبير في المدينة.
توقٌ الى الحب
يؤكد لنا المخرج في غير مرة في العديد من المشاهد، منها مشهد الإفطار الذي جمعها مع الزوج والابنة حينما اقترح عليها الذهاب في الإجازة إلى تشيكوسلوفاكيا لكنها ترفض وتفضل البقاء في البيت، وحينما يحاول لمس يدها تنهره وتطلب منه ألا يلمسها. هذا البرود في العلاقة والتوق الشديد إلى الحب الذي تفتقده.
الوحدة
تحاول الأم “إيزا” أن تشرح الأمر لابنة حبيبها الطبيب حينما تأخذها بسيارتها إلى منطقة منعزلة لكن البنت تخرج من السيارة غاضبة لتعبر النهر المتجمد وسرعان ما تقع في إحدى حفر النهر ولا تخرج منه بينما تقف “إيزا” في مكانها ليست لديها الرغبة في إنقاذها. المعاناة والبحث عن الحب المستحيل، أو الحب المفقود هو ما نراه مع Marzena “مارزينا” التي قامت بدورها Marta Nieradkiewicz حيث كانت شقيقة مديرة المدرسة “إيزا”، وتعمل كمدربة رياضية وتعليم الرقص والسباحة بينما تعاني الوحدة الشديدة بسبب ابتعاد حبيبها عنها في ألمانيا الغربية من أجل اكتساب قوته، ورغم أنها كانت تأمل أن تكون موديلاً، ورغم صغر عمرها وشبابها إلا أننا نلمح في قسمات وجهها الكثير من الحزن المسيطر على جميع الشخصيات النسائية في الفيلم؛ حتى أننا قد ينتابنا الإحساس بأن شخصيات هذا العالم جميعا مجرد موتى يتحركون من دون أية مشاعر بالنسبة للرجال، بينما النساء موتى يحاولن الحياة من خلال حب يتقن إليه، وإن كن لا يستطعن تحقيقه في الواقع.
الحرمان
فيلم “ولايات الحب المتحدة” من الأفلام المهمة التي تحاول معالجة موضوع الفقد، والحرمان العاطفي لدى أربعة نماذج من النساء الحزينات المكتئبات اللاتي يحيين حياتهن كأموات تماما؛ لعدم قدرتهن على تحقيق الحب المستحيل الذي يرغبنه، وهو ما عبر عنه المخرج توماسفاشيلسكي بشكل بارع سواء على مستوى السيناريو، أو المستوى الإخراجي، ساعده في ذلك التصوير البارع الذي أضفى الكثير من الثلجية والصقيع والضبابية في كل مشاهد الفيلم، سواء كانت هذه الثلجية في صورة المكان، أو في وجوه جميع الشخصيات النسائية، ملتجئاً في ذلك إلى التصوير والإضاءة الشديدة التي أضفت على المشاهد شحوباً عالياً، والملابس التي كانت عناصر مهمة في إيصال الرسالة التي يرغبها المخرج.