اقتصاد تحت الاختبار.. العراق في مواجهة الرسوم الأمريكية

8

بغداد : أحمد عبد ربه /

لم يكن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة على واردات الولايات المتحدة مجرد إجراء إداري عابر، بل أشبه بحجر ألقي في مياه الاقتصاد العالمي، ليصل صداه إلى العراق، البلد الذي تعتمد موازنته بشكل شبه كلي على عائدات النفط. وبين من يرى أن تأثير هذه الرسوم سيكون محدودًا، ومن يحذر من تداعيات غير مباشرة قد تطول الاقتصاد العراقي، يقف العراق أمام اختبار جديد لعلاقته التجارية والمالية مع الولايات المتحدة.
قلق وطمأنينة
برغم استثناء النفط من الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، إلا أن تأثيراتها المحتملة لا تزال محل جدل بين الخبراء الاقتصاديين.
ويحذر الخبير نبيل المرسومي من تداعيات أخرى للقرار الأمريكي، مشيرًا إلى أن “المصارف الأمريكية قد تفرض رسومًا إضافية على تحويلات العراق إلى دول أخرى عند تسديد قيمة الاستيرادات، أو حتى على عوائد استثمار الاحتياطيات الدولارية العراقية المودعة في الولايات المتحدة.” وهو ما قد يزيد من الضغوط المالية على بغداد في ظل الاعتماد الكبير على التعاملات المالية المرتبطة بالدولار.
آثار القرار
لم تقف الحكومة العراقية مكتوفة الأيدي أمام هذا التطور، إذ ترأس رئيس الوزراء محمد شياع السوداني اجتماعًا خاصًا لبحث آثار القرار الأمريكي. وأشار المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء إلى أن البيانات الرقمية لوزارة التجارة أظهرت أن التأثير الحقيقي لا يكمن في الرسوم نفسها، بل في تغيرات الميزان التجاري بين البلدين.
وخلص الاجتماع إلى مجموعة إجراءات لمواجهة التداعيات، أبرزها:
* تطوير العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة عبر فتح منافذ جديدة للموزّعين والوكالات التجارية الأمريكية في العراق.
* تحسين الخدمات المصرفية بين البلدين لتعزيز الاستقرار المالي.
* مراجعة العلاقة التجارية مع الولايات المتحدة لضمان تحقيق مصالح متوازنة بين الطرفين.
* فتح حوار اقتصادي موسع عبر وزارات المالية والتجارة والخارجية لمتابعة تداعيات القرار وتعزيز العلاقات التجارية.
حرب الأسعار
بحسب الخبير مصطفى أكرم حنتوش، فإن العراق يفرض حاليًا رسومًا جمركية مرتفعة على السلع الأمريكية مثل الهواتف المحمولة والسيارات، تصل إلى 78 %، بينما كانت الرسوم الأمريكية على السلع العراقية تتراوح بين 10 % و20 %، قبل أن يتم رفعها مؤخرًا إلى 39 %.
وأشار حنتوش إلى أن “العقود النفطية العراقية تُبرم غالبًا مع شركات خاصة أمريكية، ما يعني أن هذه الرسوم قد تؤثر على تلك الشركات بقدر ما تؤثر على العراق، أو قد لا يكون لها تأثير يُذكر في بعض الحالات.” لكنه في الوقت ذاته حذر من تصاعد حرب الأسعار، إذ قد تلجأ الدول المتضررة من الرسوم إلى رفع أسعار سلعها في أسواق أخرى لتعويض الخسائر، ما قد يؤدي إلى تعقيدات إضافية في الاقتصاد العالمي.
توترات جيوسياسية
وتعد صادرات العراق النفطية إلى الولايات المتحدة، التي تتراوح بين 250 و450 ألف برميل يوميًا، العمود الفقري لعلاقته التجارية مع واشنطن.
وبرغم استثناء النفط من الرسوم الجمركية، إلا أن الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني يرى أن “فرض رسوم على النفط العراقي، ولو مستقبلاً، يعني زيادة تكلفة المشتقات النفطية في السوق الأمريكية، وقد يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط العراقي إذا حصلت واشنطن على إمدادات بأسعار تفضيلية من دول أخرى.”
كما لفت إلى أن “الارتفاع الحالي في أسعار النفط يعود إلى التوترات الجيوسياسية في المنطقة، وليس إلى تأثير القرار الأمريكي، لكن أي ركود عالمي قد يؤدي إلى تراجع أسعار النفط مستقبلًا، ما سيضع الاقتصاد العراقي في موقف صعب.
أزمة جديدة
في ظل تصاعد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة ودول عدة، يجد العراق نفسه في معادلة معقدة، يحاول من خلالها الحفاظ على علاقاته الاقتصادية مع واشنطن، وفي الوقت ذاته حماية اقتصاده من أية تداعيات غير محسوبة. وبينما تواصل الحكومة العراقية محاولاتها لاحتواء الآثار المحتملة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ينجح العراق في التكيف مع المتغيرات، أم أن العاصفة الاقتصادية المقبلة ستجرفه إلى أزمة جديدة؟