عباس عبد الرحمن /
تعد البطالة مشكلة وتحديًا رئيسًا يواجهان المجتمعات الحديثة، ويؤثران بشكل أساس على حياة الشباب واقتصاد الدول، يأتي ذلك في ظل تغيرات اقتصادية مستمرة وتحديات غير مسبوقة، ما يبرز الحاجة لحلول استثنائية.
في مواجهة هذا الواقع، هناك ضرورة ملحة لصناع القرار للابتكار، كأداة لصنع غدٍ أفضل وتبني التنمية المستدامة كمبدأ رائد في بناء اقتصاد أكثر مرونة، ومجتمع أكثر تكافلًا، وبيئة أكثر ازدهارًا.
ونتيجة لذلك، اعتمدت الدول على المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتحقيق النمو الاقتصادي الذي وصلت إليه. والمفارقة التي نود طرحها هنا، أن معظم تلك الدول قد مرت بذات الظروف والتحديات من أحداث وحروب كالتي مر بها العراق، إلا أنها ركزت اهتمامها على تنفيذ تلك المشاريع، باستثمار ما تمتلكه من خبرات وثروات طبيعية وسبل تطويعها لخدمة اقتصادياتها.
وفي إطار سعي العراق نحو سلوك ذات الطريق، فقد أولى هذا الجانب اهتمامًا واسعًا من خلال دعم وتطوير المؤسسات ذات الصلة. ولعل واحدًا من هذه النماذج التي حققت نجاحات في هذا المجال، ما قدمته الشركة العراقية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة (ICF-SME)، التي وفرت فرص تمويل وإقراضًا للكثير من الطاقات الشبابية العاطلة، أو أصحاب المشاريع ورواد الأعمال، فطورت مشاريعهم عبر إيجاد حلول مبتكرة لتلبية احتياجاتهم.
ولتسليط الضوء على أنشطة هذه المؤسسة المالية المهمة، كان لا بد لـمجلة “الشبكة العراقية” من زيارة مقر المؤسسة والتحدث إلى موظفيها، للتعرف على أعمالهم ونتائجها، ولكن، ومن منظور اقتصادي بحت، أليس من الأفضل أن نسمع عن الشركة قبل أن نسمع منها؟ فالإنجازات خير شاهد، ولنرى تجربتين من قصص النجاح.. على سبيل المثال لا الحصر.
تمكين المرأة
كحال الكثير من العراقيات، وعلى الرغم من كونها خريجة، لم تجد رنا كاظم مكانًا لها في التعيين الحكومي، لذا استغلت هواية تعشقها، وهي الطبخ وبإمكانيات محدودة ومطبخ صغير في منزل الأسرة، وصفحة على موقع الفيسبوك لتكون مصدر دخل لها.
وبذلك بدأت قصتها في الكفاح بمشروع للتجهيزات الغذائية، وزادت بكفاءتها عدد زبائنها تدريجيًا، ونما مع ذلك طموحها في أن يكون لها مكان خاص لتوسيع العمل، يستوعب عددًا من النساء ليكون مصدر رزق لهن ولأسرهن.
هنا جاء دور الشركة العراقية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، في التمويل والإقراض، الذي أسهم أولًا بإيجاد مكان خاص لبدء العمل وتأمين معدات عالية الجودة، ما أدى لتوظيف المزيد من العاملات والمساعدة في توسيع وتحسين منتجات مشروع رنا كاظم، لينتقل مشروعها من إمكانيات محدودة إلى مشروع واعد مستدام، يحقق للمرأة التمكين الاقتصادي والاجتماعي ويشجع روح ريادة الأعمال، الذي تعده المؤسسة مبدأ أساسيًا لأعمالها.
مجمع شبابي
الصداقة تجمع مجموعة من شباب العراق لسنين طويلة. خريجون بفرص نادرة، إن لم تكن مستحيلة، للحصول على توظيف حكومي، في ظل ظروفهم قد يسوقهم الواقع وخيبة الأمل إلى الاستسلام واليأس والركون لقيد يجمعهم في كونهم (عاطلين عن العمل)، لكن من محاسن الصداقة التي جمعتهم أنها حفزتهم للتشاور والتفكير في حلول للخروج من هذا القيد، ليبتكروا فكرة مشروع (بيت شباب بغداد).
بيت تراثي بغدادي في الوزيرية شيد في أربعينيات القرن الماضي، ظل لسنين طويلة مهملًا ومتروكًا، وكان ليمسي على حاله، أو، لا سمح الله، لامتدت إليه أذرع آليات الهدم وأصبح أثرًا من بعد عين، لولا هؤلاء الشباب وفكرتهم الطموح التي حولته إلى مجمع شبابي تعاوني بتمويل الشركة العراقية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما أعاد الحياة للبيت وجعله بيئة دراسة مثالية للشباب، لينتج ناديًا طلابيًا، نظرًا لقربه من مجمع كليات باب المعظم.
دعم المشاريع
وعودًا على ذي بدء، ولتسليط الضوء على أنشطة المؤسسة، التقت مجلة “الشبكة العراقية” معاون مديرها المفوض هيثم القيسي، الذي قال: إن الشركة هي إحدى المؤسسات المالية الرائدة في العراق، التي تلتزم بتقديم حلول تمويلية مبتكرة تلبي احتياجات رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة. مشيرًا إلى أن المؤسسة تمكنت، من خلال عمليات الإقراض المباشر، من دعم المشاريع الإنتاجية التي تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد وتعزيز الإنتاج المحلي.
وأضاف أن عدد القروض المصروفة عبر الإقراض المباشر من بداية عام 2022 لغاية نهاية عام 2024، بلغ 352 قرضًا بمبلغ تجاوز 6 مليارات ونصف المليار دينار. مبينًا أن هذه القروض استحدثت 477 فرصة عمل، وأن نسبة النساء المستفيدات من هذه القروض بلغت نحو 23 في المئة من إجمالي المقترضين.
آثار إيجابية
وتعقيبًا على دور ونجاحات الشركة العراقية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، يرى خبراء اقتصاديون أن هذا النجاح له أثر إيجابي على تحريك السوق المحلية، وتوفير فرص العمل في مختلف القطاعات الإنتاجية، مشيدين بدور البنك المركزي العراقي ومبادرته الإقراضية ونتائجها في دعم الاقتصاد الوطني.
وفي هذا السياق، اعتبر عضو مجلس إدارة منتدى بغداد الاقتصادي جاسم العرادي، أن النجاحات التي حققتها المؤسسة، تمثل خير دليل على الأهداف التي يأملها البنك المركزي في مبادرته الإقراضية الموجهة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودورها الواضح في تحريك السوق المحلية.
فيما ذكر عضو المنتدى نفسه، هادي هنداس، أن الشركة حسنت المشاريع الإنتاجية والخدمية، ووفرت فرص عمل لشريحة كبيرة من الشباب في مختلف القطاعات الإنتاجية.
تنمية مستدامة
واستكمالًا لأنشطة المؤسسة، أشار مدير وحدة التدقيق الداخلي، سلام فاضل محمود، إلى أنها، وخلال فترة عملها التي ناهزت الـ15عامًا، ومع بداية 2022 دخلت المؤسسة في مرحلة جديـدة بأن يكـون لها الدور الأساس في عملية الإقـراض، التي اعتمدتها كأداة رئيسة للتشجيع على ريادة الأعمال لما لها من دور في التقليل من الاعتماد على الوظائف الحكومية.
وفي هذا الإطار، أضاف محمود أن الهدف الرئيس للمؤسسة هو تحقيق التنمية المستدامة وتنويع النشاط الاقتصادي في البلد من خلال الحد من مستوى الفقر والبطالة عن طريق الدعم المادي وسياسة الإقراض المباشر التي تعود بفائدة فعلية على الفرد والمجتمع، فضلًا عن رواد الأعمال. مستدركًا بالقول إن الشركة تسهم بتوفير سبل الاستقرار المعيشي لشريحة كبيرة من المجتمع، بالإضافة إلى النهوض بالواقع الاقتصادي للقطاع الخاص، الذي ينعكس إيجابًا بزيادة الناتج القومي الإجمالي.
كفاءة وديناميكية
مدير وحدة التدقيق الداخلي اعتبر أن موظفي المؤسسة هم القوة الدافعة وراء نجاحها، بعملهم كفريق واحد ذي اختصاصات علمية في مجال الصيرفة والتمويل. موضحًا أن الشركة توظّف الأفراد الذين يتمتعون بالكفاءة والديناميكية، ولديهم القدرة على بناء علاقات قوية ودائمة مع عملائنا وتحفيزهم على إبتكار منتجات جديدة تعتمد المفاهيم الحديثة واتباع معايير السلامة والأمان لخدمة الزبائن.
ذكاء اصطناعي
واختتم محمود حديثه كاشفًا عن نهج المؤسسة في إدخال الذكاء الاصطناعي في عملياتها اليومية، وما يمكن أن يحققه من تحديد فرص جديدة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، من خلال تحليل البيانات والتنبؤ بمستقبل المشاريع، فضلًا عن سلوك المقترضين الذي يساعد في تقليل مخاطر التخلف عن السداد وتحسين جودة محفظة القروض.
وتابع أن استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات سيسهم في تبسيط تقديم طلبات القروض باستخدام مساعدين افتراضيين وروبوتات الدردشة (chatbots)، من خلال تقليل الوقت والموارد اللازمة لمعالجة الطلبات والمدفوعات، بالإضافة إلى تقديم خدمات مخصصة للعملاء بناء على احتياجاتهم وأوضاعهم المالية.