“مشروع السلة الإنشائية”.. مبادرة اقتصادية لإحداث نقلة في قطاع الإسكان والتنمية العمرانية

علي الدفاعي /

يُعد مشروع السلة الإنشائية من المبادرات الاقتصادية الطموح التي تهدف إلى تنظيم وتيسير عملية بناء الوحدات السكنية للأفراد، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الإنشائية وتعدد الموردين. ويكمن جوهر المشروع في توفير مجموعة متكاملة من المواد الإنشائية الأساسية بسعر مدعوم أو مخفّض، يتم توصيلها للمستفيدين ضمن آلية واضحة ومنظمة.
أعلنت وزارة التجارة عن توفير 1000 نوع من المواد التي سيجري تجهيزها ضمن مشروع السلة الإنشائية، بينما تخطط لإبرام عقود مع شركات عربية وعالمية رصينة لتجهيزها بمواد مطابقة للمواصفات القياسية.
إن مشروع السلة الإنشائية يمثل نموذجًا ذكيًا للتدخل الحكومي الإيجابي في السوق، يجمع بين دعم المواطن وتحفيز الاقتصاد. ومع وجود آليات رقابية قوية وتعاون فعّال بين القطاعين العام والخاص، يمكن أن يُحدث هذا المشروع نقلة نوعية في قطاع الإسكان والتنمية العمرانية.
خطة مستقبلية
وذكر مدير التسويق في الشركة العامة لتجارة المواد الإنشائية التابعة للوزارة، المهندس عماد طارق جابر، في حديث مع مجلة “الشبكة العراقية” أن شركته أعدت خطة مستقبلية لإبرام عقود مع شركات تركية وسعودية وإيطالية وبريطانية وعمانية لتجهيزها بمواد مطابقة للمواصفات القياسية.
وأضاف أن “الشركة جهزت مخازنها حاليًا بأكثر من 1000 نوع من المواد الإنشائية الأساسية، وتشمل حديد التسليح والصحيات والسيراميك والكهربائيات، بعضها مستورد من شركات عالمية رصينة، وأخرى تم تجهيزها من قبل شركات تابعة للقطاع الخاص.”
وأشار جابر إلى “تحويل مجمع الحرية الرئيس في بغداد البالغة مساحته عشرة آلاف متر مربع، إلى معرض للمواد الإنشائية وتجهيز السلة للمواطنين، وسيفتتح قريبًا، ويستهدف حاملي بطاقة (الكي كارد) والمشمولين من ذوي الشهداء والرعاية، والبيع سيكون بالآجل بالتعاون مع مصرف الرافدين ولمدة خمسة أعوام بفوائد تتراوح بين 2 – 3 بالمئة، مع تحديد القرض بين 3 – 25 مليون دينار لشراء ما يحتاج إليه المواطن من المواد بأسعار مدعومة.”
وعن الخطط المستقبلية، قال: إنه “سيتم افتتاح مجمعات جديدة كأسواق تجارية خاصة بالمواد الإنشائية في بغداد، كما سيجري إصدار علامة تجارية جديدة خاصة بالمواد قريباً.” مؤكدًا السعي لتوسعة نشاط الشركة وتجهيز المجمعات السكنية بما تحتاج إليه من المواد، وزيادة الشراكة مع الدول العربية والأجنبية.
ولفت إلى إنشاء مختبرات في المنافذ الحدودية لجهاز التقييس والسيطرة النوعية لفحص المواد المستوردة.
ونوه مدير التسويق في الشركة العامة لتجارة المواد الإنشائية، بوجود تعاون مع شركات القطاع الخاص لدعم مبادرة السلة الإنشائية التي سيتم افتتاحها قريباً، بغية تشجيع الإنتاج الوطني، فضلًا عن وجود شراكة مع مصانع حكومية، منها شركة الحديد والصلب في البصرة، التابعة إلى وزارة الصناعة والمعادن، بغية تسويق حديد التسليح.
مزايا أخرى
من الناحية الاقتصادية، يرى الباحث حيدر الشاهين أن “المشروع يحمل عدة مزايا من خلال خفض التكاليف على الأفراد، أي شراء المواد بالجملة من الموردين، حيث يتم تقليل التكاليف على المستفيد النهائي، ما يخفف العبء المالي على المواطنين الراغبين في البناء.”
وأضاف الشاهين في تصريح لمجلة “الشبكة العراقية”: أن “مشروع السلة الإنشائية سيقوم بتحفيز حركة البناء من خلال توفير المواد بشكل منتظم وبتكلفة معقولة، فضلًا عن أنه يشجع المواطنين على الشروع في بناء مساكنهم، ما ينعش قطاع الإنشاءات ويزيد الطلب على الخدمات المرتبطة به. كما يدعم القطاع الخاص والموردين المحليين، إذ إن المشروع لا يعتمد فقط على الدعم الحكومي، بل يفتح فرصًا تجارية للموردين وشركات النقل والمقاولين، ما يسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي. وأيضًا يقوم بالحد من التلاعب في الأسعار والاحتكار لأن وجود سلة بأسعار محددة يساعد على ضبط السوق وتقليل الفروقات الكبيرة في الأسعار التي قد يواجهها المواطن بين المناطق أو الموردين.”
ويكمل الاقتصادي حديثه عن المزايا لمشروع السلة الانشائية قائلاً إنها “تقوم على تعزيز التخطيط العمراني المستدام، فعندما تُدار مشاريع البناء بشكل منظم من خلال أدوات مثل السلة الإنشائية، يصبح من السهل على الدولة مراقبة التوسع العمراني وضمان الجودة”.
تحفظات اقتصادية!
على الرغم من الأهداف النبيلة التي يسعى إليها مشروع السلة الإنشائية، إلا أن هناك جملة من الملاحظات والتحفظات الاقتصادية التي قد تجعل بعض المهتمين يشكك في فعاليته على المدى الطويل، أو في جدوى تدخّل الدولة بهذا الشكل المباشر في سوق المواد الإنشائية. إذ يرى الباحث الاقتصادي عبد اللطيف القره غولي أن هناك تحديات محتملة لمشروع السلة الانشائية، وهي ضرورة ضمان جودة المواد واستمرارية الإمداد، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية أو الجيوسياسية التي قد تؤثر على سلاسل التوريد.
كما يشدد القره غولي في تصريح لمجلة “الشبكة العراقية” على “أهمية وجود رقابة ومتابعة فعالة، حتى لا تتم إساءة استخدام الدعم أو تهريب المواد المدعومة، مع الحاجة إلى تنسيق دقيق مع البلديات والجهات التنظيمية لضمان وصول المواد للمستحقين الفعليين.”
كما لفت القره غولي إلى أن المشروع يعمل على:
– تشويه آليات السوق والتسعير:
تدخل الدولة في توفير المواد وتحديد أسعارها قد يؤدي إلى تشويه العرض والطلب، ما يضر بالمنافسة الحرة ويمنع نشوء أسعار عادلة تعكس الواقع الحقيقي للسوق.
– التأثير على الموردين المحليين:
عند تدخل الحكومة كمشترٍ رئيس، وتقديم السلع بأسعار مدعومة، قد يتضرر الموردون الصغار أو المحليون الذين لا يستطيعون المنافسة مع الأسعار المدعومة، ما يؤدي إلى إخراجهم من السوق.
– احتمالية الفساد وسوء التوزيع:
تجارب مشاريع الدعم السابقة أظهرت أن مثل هذه المبادرات تكون عرضة للفساد أو التلاعب، سواء عبر استغلال المشروع من غير المستحقين أو من خلال التلاعب في الجودة أو الكميات.
– ضغط على الميزانية العامة:
في حال تم دعم المشروع ماليًا من قبل الدولة، فقد يشكّل عبئًا إضافيًا على الميزانية العامة، خاصة إذا لم تكن هناك مصادر واضحة ومستمرة للتمويل.
– ضعف المرونة أمام التغيرات الاقتصادية:
مشروع بهذا الحجم يتطلب إدارة ضخمة وبيروقراطية، ما قد يؤدي إلى بطء الاستجابة للتغيرات في الأسعار العالمية أو ظروف السوق، في حين أن القطاع الخاص أكثر قدرة على التكيف.
– خلق ثقافة الاعتماد لا الإنتاج:
بدلاً من تشجيع المواطنين على البحث عن حلول تمويلية مستقلة أو التعاون مع شركات البناء، فإن المشروع قد يعزز ثقافة الاعتماد على الدعم الحكومي، وهو ما يضر بروح ريادة الأعمال والمبادرة الفردية.