ياسر المتولي /
أخيرًا فعلها ترامب بتنفيذ تهديداته لدول العالم برفع الرسوم الكمركية بنسبة 100 بالمئة على بضائعهم الموردة إلى أميركا.
ويبدو لي أنه يدق، بفعله هذا، آخر مسمار في نعش النظام الاقتصادي العالمي الحالي، المتأرجح، الذي يواجه تحديات ومقاومة شديدة من قبل دول عظمى أخرى تعد أعداء أو خصومًا لأميركا..!! في مقدمتهم، الصين وروسيا، فكيف الحال مع إضافة أعداء جدد كانوا بالأمس حلفاء وأصدقاء، وفي مقدمتهم أوربا، الحليف الأبدي، ذلك بسبب الحرب الاقتصادية التي أعلنها ترامب على الأعداء والأصدقاء معًا!!
ولغرض توضيح الآثار المترتبة على قرارات رفع رسوم التعرفة الكمركية، ولنستشرف الآثار المترتبة عن هذه القرارات والإجراءات، لا بد من تتبع سريانها عبر رؤى وتحليلات الخبراء.
إذ يرى الخبير الاقتصادي العراقي المخضرم د. مظهر محمد صالح أن السياسات الحمائية المتشددة للرئيس ترامب ستؤدي عمليًا إلى أثرين، الأول: ارتفاع تكاليف المعيشة في الولايات المتحدة الأميركية، ولاسيما تأثيرها على الطبقات الاجتماعية المحدودة الدخل، التي تعتمد على منتجات مستوردة من بلدان كالصين، بالدرجة الأساس، والمكسيك وغيرهما. والثاني: تشجع سياسات ترامب العديد من الدول على تبني إجراءات حمائية مضادة لحماية صناعاتها المحلية بفرض رسوم كمركية على المستوردات الأجنبية، ما يؤدي إلى تقويض نظام التجارة الحرة العالمي.
لذلك، نجد أن الكثير من الدول ستلجأ إلى فرض تعرفات كمركية مضادة أو انها ستلجأ إلى منظمة التجارة العالمية للطعن في السياسات الأميركية، ولكنها منظمة لا تحظى بثقة الولايات المتحدة الأميركية في سياسة ترامب، مثلها مثل المنظمات الأخرى الدولية المتعددة الأطراف.
من جانب آخر، يتوقع أن تؤدي الحركة الحمائية المتشددة إلى انخفاض بمستويات النمو في الاقتصاد العالمي بسبب ارتفاع تكاليف سلاسل التوريد، التي ستؤدي بالنتيجة إلى آثار تضخمية متمثلة بارتفاع الاسعار عالمياً، وتلك هي أحد مظاهر أزمة مالية جديدة محتملة ستؤثر في الاقتصاد العالمي، وربما تقود إلى حالة من الركود التضخمي.
لذلك قلنا إن قرارات ترامب ستسرع عملية خلق نظام اقتصادي عالمي جديد، متمثل بمقاومة قراراته وإجراءاته، بقرارات مقابلة، وبذلك تسقط نظرية القطب الواحد المتحكم بالقرار الاقتصادي العالمي، وهاهي بوادر ولادة نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب تلوح في الأفق، ليسدل الستار على نظام قطبي واحد تحكم بالاقتصاد العالمي لدهر من الزمن، وستكون نتائج المقاومة لقرارات ترامب هي المؤشر لهذا التوقع في الأفق المنظور.
أما ما يهمنا هنا، فهو البحث في الآثار الآنية المترتبة على الاقتصاد العراقي، بالنظر لاستثناء النفط والغاز الطبيعي من السياسات الحمائية الأميركية، نرى أن العراق في منأى عن هذه الإجراءات الحمائية، ولا توجد لديه صادرات مهمة غير النفط إلى أميركا، وهي أيضًا بكميات محدودة بالأساس، ولكن الآثار غير المباشرة التي ستصيب الاقتصاد العراقي ستكون من جراء تلقي الآثار التضخمية التي ستصيب الاقتصاد العالمي بسبب ارتفاع الأسعار، لذلك يتعين أخذ التدابير اللازمة لمواجهة ارتفاع الأسعار عالميًا، وذلك يتطلب الاستماع إلى رؤى خبراء الاقتصاد باستمرار عن الإجراءات المطلوبة للتخفيف من الآثار الناجمة عن التضخم المستورد.