أفتونا..؟

114

جمعة اللامي/
“الوفاء لأهل الغدر، غدر عند الله”
(علي بن أبي طالب)

سألني زميل كريم قبل عدة أيام: ماذا دهاك؟ أراك ألفت السباع، ولاسيما الكلاب، بعدما كنت تتحدث في الحب. وقبل أن أنطق بكلمة، سمعته يقول أيضاً: أخشى أن تنضم “البومة” إلى “مسمار” فيتشكل عند حبيبنا “غريب المتروك” قطيع من الحيوانات والطيور!
قلتُ: أنا أتعمد ذكر الكلب “مسمار” هذه الأيام. لأني بتّ أخشى التأويل حتى في الكلام الواضح. فإذا نقلتُ عن “غارودي” مثلاً: أن “إسرائيل” تحارب العرب من منطلقات عقائدية، ربما أُتهم بـ “معاداة السامية”، وهذه تهمة لا يصمد – الآن، أمامها رجال كبار مثل الدكتور “مهاتير”. أما إذا نقلت قولاً عن كاتب أمريكي، أو برلماني بريطاني، أو حتى يساري “إسرائيلي”، بأن واشنطن تكيل بمكيالين، ربما يحسب البعض أنني أروج “ثقافة كراهية” ضد أمريكا.
ودليلي في هذا، أنني قلت عبر فضائية العربية السعودية، بعد أيام على احتلال بغداد مباشرة: إن الأمريكيين أميون في معرفة العراق، فرد عليّ متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية من واشنطن بقوله: “هذا كلام غير مسؤول”. ومعنى “هذا كلام غير مسؤول” أنني – حسب تفسير المفردات الدبلوماسية وفقاً لإجراءات إدارية وقانونية – أروج لـ “ثقافة معادية” لأمريكا في العراق. وهكذا اخترت، كما اختار الكتّاب والأدباء الجادون في القرن الرابع الهجري، النطق بلسان الطير والحيوان، وأكون مثل ناقل الكفر الذي ليس كافراً.
وكنت أريد بهذا توطئة، للحديث عن شاعر عراقي وروائي كانا يعملان في أحد مكاتب السفير “بول بريمر”، وأنقل مشاعر أسف وخيبة صدرت عن بعض “عمال المسطر” البغدادي المعروف قرب “ساحة الطيران” لما آل إليه مصير هذين “اليساريين”!
وفي حديثي عن الكلاب، استنجدتُ بإحدى “رسائل إخوان الصفا”، التي تتحدث عن ظلم الإنسان للحيوان، ثم انغمرت في قراءة إنسكلوبيديا “الإخوان” الموجودة في (52) رسالة، أو كما ظهرت في خلاصة عنوانها: “رسالة الجامعة”. وهناك جدل في أصل مرجعية “إخوان الصفا”، لكن الثابت أنهم استفادوا كثيراً من الفلسفات والأديان، كما يعرف ذلك الذين تابعوا رسائلهم. وهم يعظمون من شأن الفلسفة، ويضعونها بعد النبوة مباشرة. ويعتقدون بأن الإنسان يتألف من جسم وروح، وأن النفس الإنسانية روحانية، ومن أسمى النفوس، وأن الجسم الإنساني على أحسن صورة جسمية. ورحمة الله على الإمام العلامة الأندلسي الرازي، القائل: النفس الإنسانية أشرف النفوس، والجسم الإنساني أشرف الجسوم!
سألني المتروك: أوَتحسب كل هذا مقدمة؟
– نعم، يا صديقي. وخير الكلام ما قلَّ ودلَّ، فلقد حال المسمار بين صبي كان يلعب عند رمل الشاطئ، وبين عقرب صفراء، فأنقذ نفساً إنسانية، كادت أن تلدغها بسمّ زعاف، إبرة تلك العقرب الصفراء.
سألني المتروك: وهل هذا يفسر تلك المقدمة غير القصيرة؟
-ربما يا صديقي، فقد يسهو أحدنا عن عقرب صفراء، ولكن ماذا نقول عن شاعر أو روائي “يجنّد” نفسه طوعاً واختياراً في خدمة محتلّي وطنه؟!