محمد علي الخفاجي

319

د. حسن عبد راضي /

هكذا من دون ألقاب أو أوصاف قد تبدو متطفلة ومبهورة الأنفاس وهي تحاول اللحاق بهذا الاسم بكل نبوغه الشعري الإبداعي، وبكل عظمته الإنسانية، هكذا ينبغي أن نذكر الخفاجي مثل حبيبه وصديقه ومَثَلهِ الأعلى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي قال فيه الخليل بن أحمد الفراهيدي لما سُئل عنه: “ماذا أقول في رجلٍ أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما يملأ الخافقين”. الخفاجي عانى ما عانى من تغييب واضطهاد منذ أن أعلن موقفه الفكري الثقافي في أعماله الأولى، لا سيما مسرحيته الشعرية ذائعة الصيت “ثانية يجيء الحسين” التي انتهى من كتابتها عام 1968 ونشرها أول مرة عام 1972.
لقد ظل الخفاجي، ذلك الكربلائي الفريد في قدرته على إدراك معنى الثورة والرفض في زمن الطغاة، مأخوذاً بشخصية الإمام الحسين عليه السلام، وكان يرى فيه بطلاً إنسانياً عظيماً، ومناضلاً ثورياً لا على الطريقة الاستعراضية التي شاعت لدى كثير من مثقفي هذا الزمان وما سبقه، بل على طريقته “أي الإمام عليه السلام” شديدة الخصوصية، تلك التي لم يتوانَ فيها عن التضحية بكل شيء حرفياً، روحِه وأرواحِ أهله ومحبيه وأنصاره، لم يُرهبْه الجمع الهائلُ العدد في فريق خصومه، ولا سيوفهم المتعطشة لدمه الشريف، بل كان يشفق عليهم ويبكي لأجلهم، وكانت “لاؤه” أعظم من كل الأناشيد الحماسية والقصائد الثورية والمنشورات السرية، لأنه قالها هكذا صريحة ومباشرة وقاطعة، ورغم أنه كان يعرف تبعاتِها الجسيمة، إلا أنه مضى قُدُما في ثورته لا يلوي على مرجف، ولا يلتفتُ إلى متردد.
حاول الخفاجي، كما حاول قبله عبد الرحمن الشرقاوي، أن يجسّد وعي الثورة وصوت الحق والعدل وقيم التضحية والفداء، وذلك السجلّ الأخلاقي منقطع النظير الذي دبجته ثورة الإمام الحسين عليه السلام في تاريخنا المشبّع بالسواد والدم والطغيان، فكانت مسرحيته تلك من أوائل الأعمال المسرحية العراقية التي تجرأت على أن تَعبُر تابوهات الأنظمة المذعورة من اسم الحسين، المتطيرة من ذكراه التي تتجدد كل عام، فدفع هو أيضاً ثمن موقفه هذا إقصاءً وتغييباً، فنقل من وظيفته في التعليم إلى وظيفة في دائرة الضريبة العامة، فكأنّي بناقليه خافوه على أجيال من طلبته لئلا يضيء دروبهم بقناديل وعيه النادر، وشجاعته الفذة، خافوا أن يتعدد صوته الهدار في أصوات طلبته وعشاق شعره ومسرحه، وخافوا أن يصل صوت الحرية مدوياً إلى أولئك الذين يراد لهم أن يُستعبدوا، وصوت الرفض إلى من يُراد تدجينهم، إلا أن مساعيهم تلك خابت، فقد عاد الخفاجي مرفوع الرأس منتصراً على من أقصوه طوال عشرين عاماً، وكتب فيما كتب بعد 2003 قصيدته العظيمة: “المعلم” التي أجدها قصيدة انتصاره على “شمر” الوالغ في دم شعره العظيم.