أمنحك قرضاً لأستغفلك بخمسة أضعافه!

279

إياد السعيدي /

“رن هاتفي ليلاً، فكان المتصل جاري، الذي أراد أن يساعدني في الحصول على قرض لإكمال بناء بيتي الذي توقف العمل فيه بسبب حاجتي الى المال.”
يكمل سامي عبد الكريم، وهو متقاعد في منتصف العقد السادس من عمره، الذي لم يفصح عن اسم جاره لأسباب اجتماعية:
“أقنعني جاري بأن نذهب معاً صباح الغد إلى أحد مكاتب الصيرفة الذي يمنح سلفاً بمبلغ عشرة ملايين دينار، مقابل فوائد مقبولة عند سدادها كأقساط شهرية. وفعلاً، بعد أسبوعين تسلمت مبلغ تسعة ملايين وسبعمئة ألف دينار، لأن صاحب المكتب استقطع من القرض ما يعدها رسوماً وأتعاباً للمكتب، على أن يسدد القرض مقسطاً مع الفوائد ابتداء من الشهر المقبل، وهذا ما أراحني نفسياً، ولم أفكر للحظة بأن ثمة خدعة أو فخاً كبيراً سأقع فيه.”
سألت سامي: طيب ماذا حصل؟ أجاب: “استمر الوضع على ما هو عليه، لكني تذكرت أنني سلمته الماستر كارد وبقي لديه لما يقارب الشهر، فذهبتُ لاسترجاعه مع مستمسكاتي، أعادها الرجل، وبهذا لم يراودني أي شك من أية ناحية، فالقرض تسلمته ومستمسكاتي الثبوتية عادت لي.”
ضحايا القروض
يوضح عبد الكريم أنه استغرب، بعد استنفاد مبلغ القرض كاملاً -مع الفوائد-، باستمرار القطع الذي لم يتوقف، وأراد الاستفسار، فربما كان هناك خطأ في حساباته أو في حسابات المكتب أو المصرف، لكنه لم يجد أي مكتب في المكان نفسه، سأل عنه فقال له أصحاب المحال بجواره إنه انتقل ولا نعرف إلى أين، فذهب مسرعاً الى المصرف الذي يستقطع منه المبلغ، حيث كانت الصدمة التي ربما كاد عبد الكريم أن يموت من جرائها، عندما أدرك أن القرض الذي تسلمه كان خمسين مليوناً وليس عشرة ملايين !! ومن جراء الصدمة داهمه السكري ولازمه ارتفاع ضغط الدم.
الواقع أن قصة سامي عبد الكريم تتكرر، إذ يستغل عديمو الضمير تعاون موظفين فاسدين معهم للإيقاع بالضحايا، وهم في الغالب من المتقاعدين، وكثير منهم يبلعون الطعم خوفاً من الشماتة، لابل إن عدداً منهم رفض أن يسرد ما حصل له من خداع، لأن هناك من يشمت به، وحتى الحلول -في الغالب- لهذه القضايا تكون بعيدة عن المحاكم قريبة من شيوخ العشائر الذين يتدخلون لحلها.
التزام عشائري
المشكلة توسعت لدى عبد الكريم، لأن من قاده إلى المكتب هو جاره -الذي لم يفصح عن اسمه- فثمة التزام عشائري، إذ وعده بأن يبحث عن صاحب المكتب، وفعلاً توصلا إلى حقيقة مفادها أن صاحب المكتب قد غادر العراق وفي ذمته أكثر من ثلاثين قرضاً من صنف الخمسين مليوناً بأسماء ومستمسكات مواطنين مثله، وقد وعدهم أقارب صاحب المكتب بأن يعيدوا لهم حقوقهم خلال ثلاثة أشهر بشرط عدم التشهير بابنهم، أو لقبه، أو أقاربه. لذلك لم يفصح عن أي اسم أو عنوان التزاماً بهذا التعهد، وأملاً بأن يعاد إليه ما خسره من مال، أو بعضه.
شروط العقد
القصة تتكرر، وإن تنوعت إجابات المتورطين بالسلف والقروض بين المصارف الحكومية والأهلية، وكلٌ له ما يشكو منه، فمثلاً قرض الخمسين مليون دينار من مصرف الرافدين يكون بفوائد 8%، لكنها تصل تصاعدياً الى 15 مليون دينار بدون علم أو إعلام المستفيد من القرض، حسب قول الصحفي والأديب عمران عباس، الذي كان أحد المكتوين بنار الفوائد، فهل يُعقل أن يوافق المقترض على شروط العقد بفوائد كهذه؟ أم أنه قرأ العقد وتفحصه قبل الموافقة؟
أما عبد علي الزبيدي فيقول: “حدث، ولأكثر من مرة، أن سلّم موظف ما في دائرة معينة وثائق رسمية لمواطنين استغلها الفاسدون في ترويج معاملات باسم المواطن بدون علمه! ولا عجب أن يتسلم هؤلاء بواسطة الماستر كارد او الكي كارد قرضاً باسم المواطن المغفل المسكين، فمن المستحيل أن يقرض المصرف الأهلي، او الحكومي، أي مبلغ بلا ضمانات وبدون حضور المستفيد شخصياً بكامل مستمسكاته الرسمية!! إذن هناك من يتعاون مع المكاتب الفاسدة من داخل هذه المصارف.”
الفساد هو العلة الكبرى
عرضنا الحالات أمام القانوني والإعلامي أحمد الشريفي، الذي أكد علمه بحالات حدثت وتكررت، لكن للأسف أغلبها يحل بطرق بعيدة عن القانون وأشار الى “أن الطريقة التي يستخدمها صاحب المكتب بالتعاون مع موظف المصرف تنصرف الى أحكام المادة 456 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، أما الموظف المتواطئ مع صاحب المكتب فتنطبق عليه أحكام المادة 318 من القانون ذاته المشار إليه أعلاه كونه استغل وظيفته بالتواطؤ.”
ويضيف: “أيضا تنطبق عليه المادة 465، إذ يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على ألف دينار، او بإحدى هاتين العقوبتين من أقرض آخر نقوداً بأية طريقة بفائدة ظاهرة او خفية تزيد على الحد الأقصى المقرر للفوائد الممكن الاتفاق عليها قانوناً. وتكون العقوبة السجن المؤقت بما لا يزيد على عشر سنوات إذا ارتكب المقرض جريمة مماثلة للجريمة الأولى خلال ثلاث سنوات من تاريخ صيرورة الحكم الأول نهائيا.”
إن التكييف والتصنيف القانوني لمثل هذه القضايا يعود لتقدير المحكمة المختصة بها، لذلك توجهنا إلى القاضي إبراهيم حميد، قاضي التجارية الذي بيّن: “إنها جريمة احتيال وفق أحكام المادة 456 من قانون العقوبات، وإن صاحب المكتب هو المتهم الأول في الموضوع، والمصرف شريك معه في الجريمة.” وإجابة عن سؤالنا على من يشتكي المواطن المخدوع؟ أكد القاضي “على صاحب المكتب والمصرف معاً.”