جرائم عاطفية لا تصفيات مسعورة!

228

آمنة عبد النبي/

صراخ أنثوي أجشّ، يحاول الفرار دون جدوى، يعقبه بثوانٍ رأس مهشم بشعر أشقر يسيح بخصلاتهِ ودمائه على حدٍ سواء. هو ليس مشهداً هارباً من ظلامِ “horror film” يحاول التنزه بمزحة تمثيلية سخيفة على أرض الواقع، وإنما هو كابوس نهاري فظيع روّع مدينة (شفالمشتات) في ولاية (هيسن) الألمانية،
حينما لقيت امرأة خمسينية حتفها بطريقة سادية في متجر للتسوق، إذ هشم شريكها السابق رأسها بأربع إطلاقات ثم انتحر، علماً بأن الضحية قد أبلغت سابقاً وسجلت شكواها لدى البوليس حفاظاً على حياتها واتهمت شريكها بالاعتداء الجسدي والإكراه والمطاردة، لكن بلا فائدة!
هذا الكابوس يقابله تصاعد مرعب في السويد التي تتصدر قائمة الشعوب الأكثر رفاهية، وفي ذات الوقت قتلت في شوارعها خمس نساءٍ بطرقٍ بشعةٍ خلال الفترة الماضية، تقابلها جريمة مروعة طالت امرأة فرنسية أحرقها شريكها أمام الجميع وهي حيّة! أما في ايطاليا -الغارقة بالمافيا- فقد اضطر البوليس الى تخصيصِ (مسج) فوري موارب:
“أود طلب بيتزا مارغيريتا”.. طالما أن في شوارعها كل يوم امرأة تواجه الموت وحيدة!
طبعاً الكُل يتساءل، تُرى لماذا (تلطِّف) دول أوروبا، وفي مقدمتها ألمانيا، جرائم قتل النساء وتصفها بـ(مآسي العاطفة)، في إشارة الى خصوصية الجريمة وفرديتها، لا بكونها تتجه نحو الظاهرة، وما سرّ غض النظر عن المهارات الإجرامية التي يظهرها الرجال الأوروبيون فجأة بتقطيعِ أجسادِ شريكاتهم انطلاقاً من عقدةِ العنف الجنسيّ والقانون الذي يضع الكلاب قبلهم في الحقوق!
علاقة حبُ قاتلة
الصحافية والمدونة في مدينة هامبورغ الألمانية (أمل العربي) وثقت فكرتنا بالعثور -قبل فترة- على جثتين في بئر سلم بمنطقة (أوتينسن)، قائلة بامتعاض:
“تلقت الشرطة أمس بلاغاً من سيدة تقيم في إحدى العمارات السكنية، عن سماع إطلاق نار عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً في منطقة أوتينسن. وعثرت الشرطة هناك على جثة امرأة شابة مقيمة في البناء، والى جانبها جثة رجل عشريني وبندقية عند بئر السُلم. حينها طوقت الشرطة المنطقة وقامت بتمشيطها بمساعدة مروحية، وحتى الآن لم تعرف أسباب الجريمة، لكن الشرطة تعتقد أن الجاني كان على علاقة بالضحية، وأنه قتلها ثم قتل نفسه.”
السكاكين تسرح وتمرح!
لا أحد ينكر أن رحيل (ديانا) المشكوك فيه حفر في القلوبِ أعمق موجة حزنٍ أوروبية، لم يصنعها التاج البريطاني، ولا عدسات الباباراتزي، وإنما صنعتها المحبّة الآمنة التي جعلت ذكرها وهي ميتة أطول من عمرِ عرشها المشؤوم..
ولكن يبدو أن الأفكار لا تموت بالتقادم، ولن تصمد كذبة التحضر أمام التوحش المُغطى بالقانون، كما تعتقد الناشطة البريطانية من أصل عراقي (هالا السلام)، التي تحدثت عن جذور هذا الرعب ومُسبباته، قائلة:
“معدل الضحيتين كل أسبوع، سواء من النساء، أو الأطفال، أو المستضعفين، لم يتغير منذ أكثر من عشر سنوات، وقد يكون السبب هو عقدة العنف الجنسي في مرحلة الطفولة، التي تعد من أهم المشكلات الاجتماعية تأثيراً في المجتمع البريطاني، وهذه لا تعتبر إدانة، بل إنني شخصياً أعتقد أنها موجودة و(مختبئة) في مجتمعات كثيرة بأرقام متفاوتة، النسبة الأكبر منها متروكة بلا معالجة حقيقية بسبب الخوف. أما السبب الثاني -في رأيي الشخصي- من خلال اندماجي في تفاصيل المجتمع منذ فترة طويلة، أرى أن المبالغة (او الاستغلال) عند تنفيذ قانون حقوق المرأة من قبل بعض المؤسسات المختصة بالشؤون الاجتماعية، يلعب دوراً كبيراً وفعالاً في زرع الخلل النفسي وتراكمه، ما يؤدي الى الانفجار وخلق الشعور الإجرامي لدى الرجل.
لم تكن المرأة (والأفراد بشكل عام)، ومنذ زمن ليس بقصير في مأمن تام من حوادث الاغتصاب والقتل تحت سماء بريطانيا، ففي بلد الحقوق والحريات تاريخ طويل من جرائم العنف، وأكثر من قضية مفتوحة حتى اليوم ومنفّذها مايزال مجهولاً، والقضايا يتناولها الإعلام المحلي بشكل خجول ولا يستثمر سلطته في متابعة تطور التحقيقات فيها أو السعي لإيجاد حلول جذرية لمسبباتها ودوافعها.
هذا واحد بين عوامل كثيرة أدت الى تزايد الجرائم بمرور الوقت في المملكة (والحديث عن لندن تحديداً)، إضافة الى احتوائها واندماج سكانها بثقافات متعددة ومتنوعة (بما في ذلك مشكلاتها وعقدها)، جاءت مع الوافدين من بلدان وبيئات مختلفة، وانصهارهم في المجتمع الذي لا يخلو في الأساس من مشكلاته الخاصة. المطلوب من الحكومة اليوم هو التحقق من أنظمة التدقيق ومدى كفاءتها الفنية لاستبعاد المرشحين (المراوغين او الميالين الى العنف) من العمل في الأجهزة الأمنية، وإجراء مراجعة دقيقة لمعايير القبول فيما لو كانت هناك ثقافة جنسية متساهلة تسمح لهم بالبقاء في أجهزة الشرطة.”
عقدة نقص إجرامية
الصحافي المُقيم في هولندا (راجي الزهيري) تحدث عن قضية الجريمة، باعتبارها صناعة ثقافية لا يحكمها الجذر، قائلاً:
“يتهمنا الأوروبيون بالطابع العشائري الشرقي الذي يمنح الرجال في الشرق تخويلاً بإنهاء حياة النساء المخطئات، ويتناسون جرائمهم وازدواجيتهم في إخفاء واقعهم البائس بصيغٍ مختلفة بعيدة عن التركيز الإعلامي. علماً بأن السمة التي تظهر على الجناة الأوروبيين هي أنهم لا أثر للإنسانية في سلوكهم، وأن القانون هو المانع القسري، لا التحضر والمدنية، وتعتبر النرجسية والعُقد المبالغ فيها بشخصياتهم قاتلة، وجلهم يكثرون من الحديث عن أنفسهم، تلك النرجسية كثيراً ما ترتبط بهشاشة نفسية كبيرة ونقص إنساني.”
أما (ثائر التميمي)، الإعلامي البلجيكي من أصل عراقي، فقال: “عند الحديث عن جرائم قتل النساء في بلجيكا، نجد أن غالبيتهن من اللاتي تقتل الواحدة منهن على أيدي الشريك، عددهن أكبر من عدد ضحايا الإرهاب، وليس هنالك جديد أو إحاطة بتلك الكارثة الدموية، وعليه فإن العنف ضد المرأة لا يزال (مشكلة رئيسة) في تلطيخ مسار حقوق الإنسان في بلجيكا، وبسبب عدم وجود سجل حكومي خاص بجرائم قتل النساء، نضطر الى الاعتماد على المصادر الإعلامية المرعبة.”
أما التربوية في مدينة (هالسنبوري) السويدية (عبير اللامي) فاعتبرت من جانبها أن:
“غالبية الرجال الذين يتخذون العنف وسيلة للتعبير عن شعورهم بعدم الرضا عن أنفسهم، هو بسبب المكانة المرموقة التي تحتلها زوجاتهم في المجتمع، وعادة ما يكونون متسلطين، بل تجدينهم يقللون من خطورة ما ارتكبوه في حق الشريكة، ولا يعتبرونه سوى خطأ بسيط.”
المعالجة فاشلة ومتأخرة
(تير دي فام)، واحدة من أهم منظمات حقوق المرأة في ألمانيا، اعتبرت، على لسان المسؤولة عن قضايا العنف المنزلي والجنسي (يامينا لورغي) أن:
“ألمانيا متأخرة للغاية في الجهود الحكومية الرامية إلى مكافحة جرائم العنف ضد المرأة، و-بحسب تقرير للألمانية- نلاحظ أن تقييم مخاطر تعرض المرأة للعنف على الصعيد الوطني في إسبانيا ينفذ باستخدام التكنولوجيا الحديثة، أي عندما يرصد ارتفاع كبير في المخاطر، يُجبر مرتكب جرائم العنف على ارتداء (أساور تتبّع للموقع) لمراقبة حظر الاتصال.”
إذن.. طالما أن الإحصائيات المجتمعية التي سجلت تؤكد تنامي الشعور الإجرامي لدى الرجال الأوروبيين تجاه شريكاتهم، ولا علاقة للأمر بخصوصية الحالة، هو ما يثبت أن الجريمة ظاهرة يجري التستر عليها سياسياً من خلال الإعلام الذي لا يستثمر سلطته في متابعة تطور التحقيقات، ولا يفعل القانون للسعي نحو إيجاد حلول جذرية لمسبباتها ودوافعها، وإنما كل الإجراءات والتعتيمات تتجه نحو إخماد وتغييب الحقائق في ملاحقة الجناة، والاكتفاء بتقييد الجريمة ضد مجهول، متجاهلين كل الإحصائيات الجرمية الدقيقة التي تحسم الجدل.