كيف رسم البصري والسوداني خطة اختراق تنظيم داعش؟

71

بين عامي (2018 و 2019)، أتيحت للباحثين في المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف فرصة للجلوس في بغداد والدوحة لمناقشة الحالات السرية المهمة مع أبي علي البصري والمدير العام للاستخبارات ومكافحة الإرهاب رئيس خلية الصقور، و (5,000) من ضباط إنفاذ القانون والمخابرات من ذوي القدرات الاستخباراتية المختصة، والعمل معاً لتفعيل العمليات السرية الخاصة لمحاربة العصابات المتطرفة مثل تنظيم (داعش) الإرهابي.
كان وضع النقيب حارث السوداني كعميل اخترق تنظيمات داعش بخطة وضعها مع أبي علي البصري وخبرة النجاح المذهلة الخلية الاستخبارية العراقية، معززاً لقدرات الاستخبارات لتجنب اختراق خلية الصقور من المنظمات الإرهابية.
ظل (داعش) يطلب بشكل روتيني من الأعضاء الجدد تقديم توصية من الأعضاء الحاليين ليسمح لهم بأن ينضموا الى صفوفهم. بالإضافة إلى ذلك، يقوم العمل الأمني الداعشي، وهو الذراع الاستخباري، بإجراء استنطاق المجندين الجدد والتحقيق بانتظام معهم، وفي بعض الأحيان التدقيق في تحركاتهم وأخذ هواتفهم لقراءة رسائلهم لضمان عدم دخول أي جواسيس إلى المجموعة، وهذا يجعل مهمة اختراق التنظيمات صعبة، بل أكثر تعقيداً مما نتصور.
اختبارات جريئة
قام ابو علي البصري بخطوة جريئة ومهمة للغاية، فيها نوع من الخطورة، وهي زج النقيب حارث باعتباره عميلهم السري في داعش. وقد حصل النقيب حارث على توصية داعشية بحكمة الصقور من خلال التفاوض وراء الكواليس والمناورة من زعيم داعشي كان في الأسر، لكي يتمكن من الاقتراب من داعش، ليتظاهر النقيب حارث بأنه شخص من سكنة العاصمة بغداد، وقدم نفسه على أنه متطرف طائفي لديه خيبة أمل ويبحث عن عمل ومساعدة داعش في بناء الخلافة.
كنز لا يقدر بثمن
استقبل داعش النقيب حارث بناءً على توصية، ولأنه عاش في بغداد، هذا مكن حارث من التنقل بسهولة داخل وخارج المدينة، فقد قرر قادة داعش أنه من الممكن أن يستفيدوا من خدمة حارث داخل مدينة بغداد المحصنة.
كما هو الحال بالنسبة للعديد من أعضاء داعش الذين قابلهم باحثو مركز مكافحة التطرف العنيف، الذين عاشوا في بغداد، وجد داعش في حارث السوداني كنزاً لا يقدر بثمن، فهو قادر على عبور نقاط التفتيش وقيادة المركبات المتفجرة إلى بغداد لإحداث فوضى ودمار في المناطق المزدحمة. ومع ذلك، لم يكن قادة داعش، سوى القليل منهم، يعلمون بأن مهمة حارث الحقيقية كانت إحباط مثل هذه المهام، وأنه سيحبط (30) مهمة تفجير و(18) مهمة انتحارية تستهدف بغداد..
خطة منسقة
بعد أن التحق حارث بمجموعته الإرهابية، كلفوه بالتقاط مركبات محملة بالقنابل من أراضي داعش وتسليمها إلى بغداد لتنفجر في مناطق معينة لإحداث أكبر حجم من الخسائر.
قامت خلية ابو علي البصري الاستخبارية بتجهيز حارث بأحدث التقنيات، ومتابعة هاتفه حتى يتمكن ابو علي البصري وخلية الصقور من معرفة مكان وجوده، وكذلك تنشيط الميكروفون الخاص به والاستماع إليه في أي زمن. ثم أرسلوه أولاً إلى الموصل، أو أينما كانت السيارات المحملة بالقنابل التي يجب التقاطها، وبعد ذلك يعود بها إلى بغداد، مع احتمالية أن تنفجر عن طريق الخطأ في أي وقت بسبب الطرق الوعرة، أو الحرارة أو طبيعة المواد الخطرة.
قاد النقيب حارث (17) مهمة لداعش، كان من أكثرها إرهاقاً عندما قرر تنظيم داعش إرسال مهاجم انتحاري للركوب معه، مع تعليمات بتفجير نفسه في شوارع بغداد. كان المهاجم يرتدي سترة ناسفة، بينما كان حارث يقوم برحلة عبر الطرق الوعرة، آملاً في ألا تنفجر سترة ذلك الإرهابي المفخخة، أو العبوات الناسفة داخل المركبة أثناء سيرهم على طول الطريق.
يردد أناشيد داعش
يتذكر ابو علي البصري الاستماع إلى المحادثة بين الاثنين، حين أعرب المهاجم عن مخاوفه، لكن حارثاً كان يردد أناشيد داعش الحماسية (أغانٍ خالية من الآلات الموسيقية مع هتاف بآيات قرآنية ومعتقدات إسلامية واردة) لتهدئة أعصاب زميله.
كانت الطريقة التي أحبط بها ابو علي والصقور هذه الانفجارات هي الترتيب للقاء النقيب حارث عند نقاط التفتيش التي كان عليه من خلالها قيادة سيارته المحملة بالمتفجرات في تلك النقاط. ويتسابق عناصر خلية الصقور في تفجير سيارة حارث وعبواتها بسرعة، ما أدى إلى انخفاض كبير في عدد الضحايا عندما انفجرت السيارة في منطقة الهجوم المحددة وفقاً لتعليمات داعش الخاصة بحارث. كان ابو علي يعمل أيضاً على تطهير المنطقة التي كان من المفترض أن تنفجر فيها السيارة وخلق “خسائر” مزيفة من الذين تظاهروا بالقتل في الانفجار، الذين يمكن تصويرهم على أنهم “ضحايا” مسلمون لتوزيعها على المتحدث باسم الصحافة العراقية.
التضحيات اللازمة
واجه ابو علي أيضا حالة صعبة متمثلة في محاولة إقناع الحكومة العراقية بالسماح له بالحصول على أكبر عدد من الإصابات في “مهام حارث”، لكيلا يقع حارث تحت المساءلة من قبل داعش، لذا كان ابو علي البصري يناقش بحكمته مسؤولين في الحكومة العراقية في أن يجعل الأمر يبدو كما لو كان داعش قادراً على تفجير المركبات داخل بغداد، وكان أمراً مثيراً للقلق بالتأكيد، والسماح لأي شخص يعتقد أن الأمر حقيقي.