هل تهدد الزلازل المناطق الشمالية في العراق؟

45

كولر غالب الداودي / أربيل/
الزلزال كارثة طبيعية من الكوارث التي تحدث في أية بقعة من الأرض وفي أي وقت، وليست له علاقة بغضب الله وانتقام من البشر السيئين، فهو يحدث دون سابق إنذار، إما في منطقة يسكنها ناس فقراء، أو في منطقة يسكنها أغنياء،
يتسبب الزلزال في خسائر بشرية ومادية كثيرة إذا كانت درجته كبيرة. وتفسير العلماء لهذه الظاهرة هو “تنفيس الطاقة الكامنة داخل الأرض بين فترة وأخرى قد تطول أو تقصر.”
وفي السنوات الأخيرة تعرض العراق إلى زلازل بدرجات قليلة، لكن شعر بها تقريباً المواطنون في كل أنحاء العراق، لم تحدث أضراراً أو خسائر بشرية أو مادية.
الهزات الأرضية
يقول الدكتور (عماد عبد الرحمن الهيتي) / قسم الجيولوجيا التطبيقية كلية العلوم / جامعة الأنبار إنه “لابد من التركيز على نقطتين في موضوع الزلزال، وهي أولا أننا لا نستطيع إيقاف حدوث الزلزال، كما لا يمكن التنبؤ بحدوثه.
ولكي نتنبأ بحدوث الزلزال لابد من الإجابة على ثلاثة أسئلة: أين يقع الزلزال؟ ومتى يقع؟ وما هو حجمه؟ ولا يمكن حتى هذه اللحظة توقع النقطة المحددة بالضبط لموعد حدوث الزلزال وحجمه. لذا لابد من أن نقتنع بهذه النقاط الثلاث، التي هي نفس معلومات المسح الجيولوجي الأمريكي، الذي يعتبر أعلى مؤسسة للمسح الجيولوجي في العالم من ناحية الإمكانيات والموازنة وطبيعة العلماء الذين يعملون في هذه المؤسسة الكبيرة، كذلك لابد من أن نميز بين ثلاثة تعابير: الأول هو توقع حدوث الزلزال، والثاني الإنذار بحدوث الزلزال، والثالث التنبؤ بحدوثه. وهي ثلاثة مصطلحات مختلفة، ويوجد في علم الزلازل حقل معرفي اسمه (تعتيم المخاطر الزلزالية)، يعتمد على فكرة وجود سجل زلزالي يسمى بـ (الكتلوك الزلزالي) لمئة أو مئتي سنة، بموجبه نستطيع القول إن هنالك احتمالية حدوث زلزال بنسبة ٨ واحتمال حدوثه 10 % في المنطقة التي نشتغل عليها.”
حجم الزلزال وتكرار حدوثه
ويبين الدكتور عماد أن “حجم الزلزال كلما كان كبيراً كلما كانت فترة حدوثه مرة أخرى أطول، كمثال أن هزة أرضية مقدارها درجتان ممكن أن تحصل في السنة 20 مرة، ولكن هزة مقدارها 7 درجات ممكن تكرار حدوثها بعد 40 او 50 سنة. وبالنسبة للعراق فإنه يقع ضمن ما يعرف بمنطقة جبال الألب هملايا الزلزالية. وتوجد في العالم ثلاثة أنطقة زلزالية: نطاق المحيط الهادي، ونطاق الألب الهملايا، ونطاق سلاسل وسط المحيطات، وهي سلاسل جبلية تكون أطول مما هو موجود فوق اليابسة. ونحن نتأثر بنطاق الألب هملايا، والمنطقة التي تتأثر به هي الجزء الشمالي من العراق في كردستان، وأيضاً الجزء الشرقي. لكن هذا لا يعني أن المناطق الأخرى بعيدة عن الزلازل والهزات الأرضية، ولكن بمقادير بسيطة تسجلها فقط المراصد الزلزالية الموجودة في العراق.”
وأضاف: “عند الرجوع الى التاريخ في العراق الى 3000 سنة نرى حدوث 15 زلزالاً تجاوزت قوتها 7 درجات، وليس من المستبعد أن يحدث هذا في أي وقت، لكن تكرار مثل هذه الزلازل ذات القوة الكبيرة يكون كل 200 إلى 300 سنة، أما التي تكون ذات درجة أقل 5 وما تحت فإنها تحدث بين فترة وأخرى، ولذلك يسمى العراق بالبلد الذي تحدث فيه الهزات من بسيطة إلى متوسطة.”
زلزال اليابان
كما أشار الدكتور إلى زلزال اليابان الأخير الذي حدث مؤخراً وكان مقداره 6-7 درجات، لكن عدد الخسائر البشرية لم يتعدّ 60 – 70 شخصاً. ويقول إنه “لو حدث مثل هذا الزلزال في العراق لوقعت خسائر بشرية بعشرات الآلاف من الناس. ولنفكر لماذا كانت الخسائر في اليابان قليلة، مع أن اليابان بلد زلزالي؟ السبب هو وجود خطة واستعداد لهذه الكارثة، والاستعداد يكون قبل وأثناء وبعد الكارثة. إذ إن اليابانيين لديهم نظام صارم لبناء الأبنية الشاهقة 30 – 40 – 50 طابقاً، والذين يتولون بناء هذه الأبنية هم ليس المقاولين، بل المهندسون الذين اجتازوا امتحانات عديدة.”
التصميم المقاوم للهزات
هناك في اليابان التصميم المقاوم للهزات، ولهم أساليب متعددة تبدأ بالبناء المقاوم للهزات الأرضية، ثم الانتقال إلى البناء الذي يعتمد على الإخماد، أي إخماد الطاقة الزلزالية، بحيث عندما تصل إلى البناء تصل بدرجة خفيفة، كما عملوا ايضاً على عزل المسافة بين المنشأ الهندسي والأرض بعوازل من رصاص أو مطاط، ولذلك لم يسقط ضحايا كثيرون في الزلزال الأخير.
الشبكات الزلزالية في العراق
وبين الدكتور عماد أهمية اعتماد البناء المقاوم للزلزال، وقال: “في كردستان عند تصميم الأبنية المرتفعة يأخذون بنظر الاعتبار (الكود) الزلزالي وتقوية الزوايا في البناء، لأن الدمار يحدث عندما ينهار جزء من البناء ويبقى الجزء الآخر صامداً، والعلماء دائماً يذكرون بأن الزلزال لا يقتل، وإنما الأبنية هي التي تقتل.” وأشار الى “وجود ثلاث شبكات زلزالية عامرة، وهي شبكة في كردستان، وشبكة العراقية التابعة لوزارة النقل، المرتبطة بهيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي، كما توجد شبكة الجامعية أو شبكة وادي الرافدين، وتكون في الجامعات العراقية التي تدعم من قبل إحدى الجامعات الأمريكية، يشرف عليها المختبر الزلزالي في البصرة، ومحطة في كركوك وأخرى في السليمانية وثالثة في دهوك، وفي الأنبار هناك محطتان واحدة في الجامعة وأخرى في الرطبة، والشبكة الجامعية، التي تتوفر فيها أحدث الأجهزة وفيها نتحسس كل الهزات الأرضية البسيطة والقوية.”
المشكلة التي تواجهنا
وقال إن أهم مشكلة نواجهها هي كيفية دراسة إدارة الكوارث، إذ لا توجد خطة لأية كارثة قد تحدث، إضافة الى عدم وجود كوادر مدربين. وأضاف إنه “لا توجد منطقة أرضية لا يحدث فيها زلزال، والمناطق التي لم تحدث فيها هزات أرضية نتوقع فيها حدوث هزات قوية جداً أكثر من غيرها، لأن الإجهاد استمر وقتاً طويلاً لكي يتجمع، بينما المناطق التي هي نشطة زلزالياً فإن الأرض تنفس عن الضغط الذي تتعرض اليه عن طريق الهزات 4 او 5 مرات. ولابد من تصميم أبنية مقاومة للزلزال، وعلى أقل تقدير الأجزاء الرئيسة في البناء التي لابد أن تكون قوية.”
هيئة إدارة الكوارث
وتمنى أن تكون في العراق هيئة أو وزارة لإدارة الكوارث، تكون لها أعلى سلطة في البلد، وهي المسؤولة عن مواجهة أية كارثة قد تحدث، ولها صلاحيات وموازنة، وتمتلك القدرة وسرعة الاستجابة للكارثة، لأن هذا يقلل الخسائر البشرية.
من جهته، بيّن الدكتور (واثق غازي عبد النبي)، قسم علم الأرض / جامعة البصرة أن “الأماكن الأكثر توقعاً بحدوث زلزال عليها هي المناطق الممتدة من مندلي في ديالى إلى بدرة في الكوت إلى منطقة الطيب بالعمارة. هذه المناطق هي حدودية مع إيران، ويكون الخط بينها مستقيماً تقريباً، وهي عبارة عن (صدى) كبير يمتد من مندلي إلى بدرة وصولاً إلى الطيب، وهو صدى عميق يصل عمقه إلى أكثر من ١٢ كيلو متراً، وهو يمثل الصدى الأكثر نشاطاً زلزالياً في العراق. وهذه الأرض هي أول منطقة بالنشاط الزلزالي، إذ إن هناك خطا واحداً لحدوث الهزات المنتظمة سنوياً عليها بمقدار 5 درجات وتتبعها هزات ارضية بمقدار ٤ درجات. وتاريخياً، خلال المئة سنة الأخيرة شهد هذا الصدى هزات أرضية تجاوزت 6 إلى 6,5 درجة ولم تصل إلى 7 درجات خلال مئة سنة، والمنطقة الثانية التي ممكن حدوث زلزال فيها هي المناطق الجبلية التي تشمل السليمانية وأربيل ودهوك والموصل، وهذه المناطق تأتي بالمرتبة الثانية، إذ قد تحدث فيها هزات أرضية من ٤ درجات ونادراً ما تصل إلى 5 ومن الصعب الوصول إلى درجة 6. والمنطقة الثالثة التي ممكن حدوث زلزال فيها تسمى منطقة وادي الرافدين، وتضم في امتدادها من بغداد إلى البصرة، وهي منفصلة عن المنطقة الرابعة التي هي منطقة الصحراء العراقية، التي تشمل الصحراء الغربية والجنوبية، التي تكون مستقرة وشبه خالية من الهزات الأرضية، تمثل غرب الفرات وصحراء كربلاء وصحراء النجف وصحراء السماوة وصحراء الناصرية وصحراء البصرة، وهي منفصلة عن منطقة وادي الرافدين التي تكون شرق الفرات (الكوت والحلة والبصرة) حيث يكون النشاط الزلزالي في المناطق الأربع المذكورة متدرجاً، وأعلى منطقة يكثر فيها النشاط الزلزالي هي مندلي وبدرة ثم المناطق الجبلية ثم وادي الرافدين ثم الصحراء.”