الفوتوغرافي علي عيسى: أقمت 90 معرضاً شخصياً وما زال لدي الكثير
حاوره زياد جسام /
علي عيسى.. واحد من رموز الفن الفوتوغرافي العراقي، المختص في تصوير وتوثيق كل أنشطة دائرة السينما والمسرح العراقي. بدأ مشواره في التوثيق منذ عام 1977 وواكب، عبر رحلته الإبداعية، جميع المتغيرات التي طرأت على فنون المسرح والسينما العراقيين. ابتعد بكاميرته عن التصوير التقليدي، واختار طريقاً جديداً مختلفاً عن ذلك الذي سلكه أبناء جيله من المصورين، إذ ركز في أعماله الفوتوغرافية على تصوير فضاء المسرح العراقي وجمالياته بتقنيات إبداعية أظهر من خلالها موهبته في اختيار الزاوية والتكوين والظل والضوء.. الفوتوغرافي علي عيسى زارنا في مقر مجلة “الشبكة العراقية” فكان لنا معه هذا الحديث..
*مسيرتك الفنية ممتدة إلى عقود، هل تعتقد أنك حققت ما كنت تصبو إليه؟
– كل فنان حقيقي، مهما قدم من إنجازات، يبقى لديه طموح، ويريد أن يقدم أكثر وأكثر، وأنا واحد من هؤلاء الفنانين، إذ قدمت خلال مسيرتي الفنية (90) معرضاً شخصياً، كان أولها عام 1977، وهذه المعارض كانت تتبناها دائرة السينما والمسرح، التي كنت موظف فيهاً، وكما يعلم الجميع أن دائرة السينما والمسرح تحتوي على أقسام عديدة، منها الفرقة القومية للتمثيل، وقسم مسرح الطفل، وقسم منتدى المسرح، وقسم الفنون الشعبية، وقسم السينما العراقية، إلى آخره .. جميع هذه الأقسام كانت تقام فيها أنشطة مستمرة، لا أبالغ لو قلت إن جميع هذه الأنشطة وثقتها بصور كثيرة لا أستطيع إحصاءها.
*متى دخلت عالم الفوتوغراف وبدأت تنتج صوراً احترافية؟
– عندما عينت في وزارة الثقافة عام 1977 كانت وظيفتي بعنوان مصور صحفي، إذ كانت دائرة السينما والمسرح تصدر مطبوعات تعنى بالفن والثقافة، مثل مجلة (الموعد) ومجلة (ألوان) ومجلة (فنون) ومجلة (عيون) وغيرها، حينها كنت اُكلف بتصوير كل الندوات الفنية والأنشطة الثقافية الأخرى، ومتابعتي للمسرح، وللفرقة القومية للتمثيل تحديداً، جعلتني أعشق تصوير أجواء المسرح، لأن فيها طابعاً فنياً يختلف عن التصوير الصحفي الذي كنت أمارسه، إذ أنها تحتاج إلى تقنية عالية، بالإضافة إلى أنها توثق لحظات لا يمكن تكرارها أبداً. وبعد سنتين من عملي في التصوير الصحفي، حاولت أن أتخصص في تصوير المسرح، وبالفعل نجحت في ذلك، مع أنني كنت مستمراً في تصوير اللقاءات الفنية والفنانين.. واستمر عملي منذ ذلك التاريخ وحتى الآن باعتباري المسؤول الأول عن توثيق جميع نشاطات الفرقة القومية للتمثيل، وقد صورت جميع العروض المسرحية، الداخلية منها والخارجية، في مسرح (الستين كرسياً) في شارع الرشيد، أو مسرح (الفن الحديث) الذي تخصص فيه الراحلون يوسف العاني وسامي عبد الحميد والدكتور فاضل خليل وغيرهم ، كل هذه الأعمال موثقة لدي ومؤرشفة بشكل نظامي.
*في تلك الفترة كانت الكاميرات قديمة والصورة تحتاج إلى مختبرات ومواد طباعة، كيف كنت تتعامل مع هذا الجانب الفني؟
– في ذلك الوقت كان لدينا في دائرة السينما والمسرح مختبر كبير جد خاص بتحميض وطباعة الصور الفوتوغرافية التي نلتقطها بكاميراتنا، أنا كنت مسؤول هذا القسم، حيث كنت أقوم بعمليتي التحميض والطباعة بنفسي، كان مختبرنا لطباعة الأبيض والأسود، وفي الفترة الأخيرة طورنا القسم وأصبح لدينا مختبر ملون أيضاً، في عام 1981 ذهبت في إيفاد إلى ألمانيا الغربية للالتحاق بدورة فنية مخصصة لتعليم التصويرين الفني والمسرحي، بالإضافة إلى التحميض والطباعة الملونة.
* هناك من يقول إنه “لولا الصورة والتوثيق لماتت أعمال فنية كثيرة،” هل تؤمن بهذه المقولة؟
– بالتأكيد، وهذا ما دفعني إلى أن استمر في عملي وأن اوثق كل شيء مهم حولي، رغم معاناتنا وصعوبة المهنة آنذاك على اعتبار أن الصورة كانت تستلزم وقتاً وجهداً كبيرين حتى تكتمل، أما اليوم، وبفضل التكنلوجيا الحديثة، فقد أصبح ذلك سهلاً جداً، وتضاعفت أعمال التوثيق من قبل الفنانين وغيرهم، لأن الجميع يستطيعون حمل الكاميرا، وبمجرد ضغطة زر يجري توثيق الموضوع وبأفضل جودة..
* هل استفدت من علاقاتك الوطيدة بالفنانين العراقيين الذين عملت معهم؟
– علاقتي بالفنانين العراقيين منذ ذلك الزمن وإلى الآن كلها فوائد، فمثلاً الأستاذ محمد شكري جميل صاحب فضل كبير في مسيرتي الفنية، إذ كان يأخذني معه قبل تصوير أي فيلم إلى مكان التصوير كزيارة استطلاعية، سواء في بغداد أو البصرة أو الموصل أو أية محافظة أخرى، وكنت أستغل هذه الفرصة فأذهب مع هذا المبدع الكبير لأوثق العديد من الصور، مثل المناطق الحدودية في الموصل أو مدينة الحضر أو غيرها، لأن هذه الأماكن بعيدة جداً ولا يمكنني أن أذهب إليها بمفردي مرة أخرى.
*علمنا بأنك أحلت إلى التقاعد في عام 2019، هل انقطعت علاقتك فعلا بالوظيفة بعد ذلك التاريخ؟
– لم انقطع عن دائرة السينما والمسرح حتى بعد إحالتي إلى التقاعد، إذ أتردد عليها بشكل مستمر وألتقي الزملاء، وما زلت أوثق كل الأنشطة المهمة فيها، ناهيك عن حضوري غالبية المناسبات الخاصة للفنانين، على اعتبارهم أصدقاء وتربطني بهم علاقة طيبة منذ زمن بعيد.
*ماذا عن أرشيفك الذي كان في دائرة السينما والمسرح بعد تعرضها للحرق والسلب والنهب عام 2003؟
– كنت حريصاً على حفظ الصور والأفلام (النكتف) منذ السبعينيات، لكن دائرة السينما للأسف تعرضت للحرق أيام الحرب في عام 2003 كما يعلم الجميع، وكانت النيران قريبة جداً من الأرشيف، وبالفعل نالت العديد من الصور والأفلام المهمة، لكن الحمد لله استطعت أن أنقذ أكثر من 80% منها، هذا الموضوع أخذ أصداء واسعة على مستوى الإعلام حينذاك، حتى أني اتذكر أنه كان في إحدى الصحف عنوان كبير “علي عيسى ينقذ مئات الفنانين من الحرق”، هذا العنوان جاء على خلفية إنقاذي للأرشيف المهم الذي يضم عشرات الآلاف من الصور، وكانت عملية الإنقاذ شاقة جداً في وقتها، فالجميع يعلم أن الخروج من البيت في أول أيام الاحتلال كان يعد ضرباً من الجنون، لأن الشارع كان عبارة عن عصابات ومسلحين وإلى آخره.. وفي وقتها لاحظت أن المدارس القريبة من بيتي تعرضت إلى النهب والحرق، فشعرت بالقلق على دائرتي (السينما والمسرح) وعلى أرشيفها، وهو حصيلة عملي لأكثر من 30 سنة، في وقتها قررت أن أذهب وأخاطر بحياتي لإنقاذ الأرشيف، وقد ذهبت مشياً على الأقدام من بيتي في مدينة الصدر إلى دائرة السينما والمسرح، ودخلت إلى الدائرة التي وجدت أبوابها مفتوحة ومهشمة ومحروقة وسرقت غالبية محتوياتها، ركضت باتجاه الطابق الذي فيه الأرشيف، حيث وجدت عدداً من الأشخاص يسرقون الكاميرات والأشياء الأخرى، إلا أنهم كانوا يدوسون على الصور والأفلام وهي مبعثرة على الأرض، معظم الصور كانت قد أتلفت، لكن الحمد لله أفلام (النكتف) كانت بخير ولم يمسها شيء، فرحت جداً بذلك، وأخذت أجمعها، وذهبت أربع مرات خلال أسبوع، في كل مرة أنقذ مجموعة، وللأمانة ساعدني في ذلك الفنان (حيدر منعثر) والفنان (فاضل عباس) والفنان (عباس ثويني)، ومع أن حجم مساعدتهم كان محدوداً لكن يجب ذكر أسمائهم إذ أن موقفهم كان مشرِّفاً، وبعد فترة عندما عادت الوزارة واستقرت الأوضاع أعدت كل الأرشيف الذي أنقذته إلى دائرة السينما والمسرح، وهو الآن في أيدٍ أمينة.
*هل ما زالت دائرة السينما والمسرح تستفيد من هذا الأرشيف؟
– بعد إحالتي إلى التقاعد، قدمت مقترحاً إلى دائرة السينما والمسرح، للاستفادة من هذا الأرشيف بشكل فعلي، فقد جرى تعيين جيل جديد من الشباب قد لا يعرفون قيمة هذا الأرشيف بصراحة، لأن فيه مسرحيات وصور شخصيات فنية رحلت ولا يعرفها الشباب الآن، وفي الأرشيف سابقاً لا يكتب على الصورة اسم الشخص أو اسم العمل الفني، فكان مقترحي هو أن اقوم بتنظيم بدورات للشباب أعرّفهم من خلالها بالشخصيات والأعمال وتواريخها لكي تدوّن الأسماء وتدخل ضمن أرشيف إلكتروني حديث يستفيد منه الجميع، مثل طلاب الدراسات أو طلاب الفن العراقيين أو غيرهم.
*هل اقتنت وزارة الثقافة أو مؤسساتها شيئاً من أعمالك الفوتوغرافية لتضعها في أماكن مهمة؟
– نعم بالتأكيد، إذ أن لدي معارض ثابتة في بعض دوائر السينما والمسرح، منها معرض الفنون الشعبية، ومعرض السينما العراقية، ومعرض الفرقة القومية للتمثيل، ومعرض في أكاديمية الفنون، ومعرض معهد الفنون الجميلة، والمعرض الأخير الدائم الموجود حالياً في مدخل الدائرة بالصالة الكبيرة، طلبه مني المدير العام للدائرة أحمد حسن موسى، الذي قال لي “علمنا أنك الوحيد الذي تمتلك صور العروض الفنية التي أقيمت على هذا المسرح منذ تأسيسه.” وبالفعل جرى طبع مجموعة كبيرة من صور العروض المسرحية لـ 140 عرضاً مسرحياً، من عام 1981 إلى 2003. وما زالت الوزارة تطلب مني إقامة معارض في كثير من المناسبات.
*ماذا عن المقبل، هل لديك مشاريع جديدة؟
– ما زالت لدي طاقة، كذلك لدي طموحات كثيرة، منها أن أقيم لكل فنان جايلته معرضاً خاصاً بأعماله، منذ انطلاقته الأولى حتى آخر عمل مسرحي له.. المشاريع كثيرة والأمنيات كبيرة، لكنها بحاجة إلى الدعم لتنفيذها، علماً بأن الأفكار التي أتحدث عنها ليست أمنيات شخصية، بقدر ما أنها تهم وتخص تاريخ الفن العراقي، وتصب في مصلحة البلد أولاً، منها أني أتمنى إصدار كتاب يضم كل أرشيف المسرح العراقي الذي وثقته، نستطيع أن نسميه (المسرح في صور)، علماً أن هذا الكتاب سيكون الأول في العالم العربي على الأقل، لأنني -كما قلت لك- لدي عشرات الآلاف من الصور غير المنشورة سابقاً لشخصيات فنية عظيمة رحلت، أو لأعمال فنية عُرضت وانتهت ولم يوثقها أحد غيري.