بطرس خمو: العراقيون مرتبطون بالأرض ولا يفضلون البناء العمودي..

158

حوار / زياد جسام

بطرس خمو، مهندس معماري عراقي، واحد من جيل الرواد خريجي جامعة بغداد، من مواليد دهوك عام 1944، حصل على البكالوريوس عام ١٩٦٧ قسم هندسة العمارة – جامعة بغداد – الدورة الرابعة. أكمل بحثه في الماجستير من جامعة ليفربول / المملكة المتحدة عام ١٩٧١، وعمل في بلديتها إلى حين عودته إلى العراق عام 1974.

تخرجت على يديه أجيال من المعماريين في جامعة بغداد، قبل إحالته إلى التقاعد عام 2006، ومازال يقدم مشاريعه بكل حيوية وإبداع، حاورناه عبر هذه الأسطر:
*معظم المبدعين يتأثرون بمن سبقهم، أنت كمبدع معماري بمن تأثرت؟
-لقد تأثرت كثيراً بأستاذي هشام منير، وأنا متواصل معه، وهو يبادلني نفس مشاعر الحب، يتابعني ويبعث لي التهاني بمناسبة عيد ميلادي حتى اليوم، وهذا شيء مفرح جداً بالنسبة لي، علماً أن عمر أستاذ هشام الآن يناهز الـ90 عاماً، لكن عقله ما يزال متقداً ومبدعاً بمعنى الكلمة، منحه الله الصحة والعافية.. وأيضا تأثرت بأخي جبرائيل خمو، وكنت أتابع أعماله التي ينفذها بشغف، التي كان من بينها مبنى مستشفى الراهبات في منطقة الكرادة ببغداد.
*ما رأيك بالمشاريع السكنية التي تبنى حالياً في بغداد والمحافظات؟
– المجمعات السكنية التي تبنى حالياً لا تتماشى -للأسف- مع المعايير العالمية، من ناحية عديد السكان وأمور أخرى. المعايير العالمية تقول إن أعداد السكان تتراوح في الهكتار الواحد (الذي يساوي 10 آلاف متر مربع)، من 250 إلى 400 شخص، وفي بعض الأحيان يسمحون أن يزيد العدد إلى 1000 شخص، مثل هونك كونك وغيرها من البلدان المكتظة بالسكان. اما نحن في العراق فيصل العدد أحياناً إلى 2000 شخص في الهكتار الواحد وربما أكثر، وهذا خطأ له تبعات كارثية في تقديري، لكن عندما يكون هناك معيار ثابت ويصبح قانونا من قبل الدولة، فالمعماري بدون شك سوف يلجأ للسكن الواطئ.. واذا اضطر الى البناء العمودي فيجب توفير مستلزمات السلامة كمنظومة الحريق مثلا في كل طابق، وتوفير سلالم الهروب عدد 2 على الأقل ووضع مداخل هذه السلالم بصورة متباعدة عن بعضها بأقصى ما يمكن، وأن تكون محصنة بقدر الامكان لعدم دخول الدخان إليها، وأن تكون مريحة الاستعمال والابتعاد عن السلالم العمودية والتي تشبه سلالم السفن لتمكين الأفراد المسنين من استخدامها. ثم يجب توفير مساحات كبيرة تتناسب وحجم المشروع كملاعب للأطفال وأماكن جلوس وسير لكبار السن ومسابح وساحات لعب الرياضة، يجب الابتعاد عن توجيه الوحدات السكنية إلى الشوارع المكتظة بالسيارات وخاصة الشاحنات ويفضل عمل حزام أخضر يفصل بين الاثنين لتقليل الضوضاء والارتجاج وسموم الدخان عن الوحدات السكنية.
*لم نر مشروعاً من المشاريع الجديدة التي تبنى في العراق حالياً لمعماري معروف، ما أسباب ذلك في رأيك؟
-الأسباب واضحة، أولاً لأن غالبية المستثمرين يبحثون عن الربح، وهذا يدفعهم إلى الاستعانة بمهندسين بسيطين ينسخون الخرائط من بعض الدول الأخرى، مثل تركيا وغيرها، وينفذونها بكل بساطة، علماً أن الخرائط يجب أن يجري تصميها حسب البيئة، وحسب ثقافة المجتمع الذي سوف يسكن مواطنوه فيها، والجو العام للمكان، إضافة إلى الكثير من التفاصيل.. إن ما يقوم به هؤلاء -بصراحة- استهانة بعمل الهندسة المعمارية وتدمير لجميع القيم.. أما السبب الثاني -وهو الأهم- فهو الفساد في بعض مؤسسات الدولة المعنية بهذا الأمر، إذ من غير المعقول أن هذه المؤسسات لا تراقب ما يحدث من مشكلات هندسية في الأبنية الجديدة وتأثيراتها على الفضاء مثلاً، او على البيوت القديمة الموجودة، التي انتهت خصوصيتها بسبب العمارات المجاورة دون تخطيط.
*هل صادف أن طلبت منك الحكومة، باعتبارك معمارياً مخضرماً، استشارة معينة لموضوع يخص العمارة في العراق؟
-نعم، في بداية هذا العام كنا مكلفين من قبل ديوان الرئاسة، كقسم العمارة في بغداد والجامعة التكنلوجية والمركز الحضري، بتقديم دراسة مستفيضة حول بعض الشوارع في بغداد، مثل شارع الربيع، وشارع عرصات الهندية، وشارع فلسطين، وشارع 14 رمضان، وشارع الضباط في منطقة الأعظمية.. باعتبارها شوارع تجارية داخل مناطق سكنية، وكيفية التعامل معها من أجل الحفاظ على هوية المدينة وتأثيراتها على السكان.. اشتغلنا لمدة ستة أشهر ووضعنا دراسة حقيقية، وخرجنا بتوصيات مهمة.. منها أن الأبنية لا يسمح بارتفاعها أكثر من 12 متراً، لكي لا تؤثر على السكان، أيضاً لتأخذ نسقاً معيناَ فيه جمالية، إلى آخره.. لكن للأسف عندما تجولت في بعض هذه الشوارع قبل فترة قليلة وجدت عمارات من 7 طوابق وأكثر، صدمت بهذه المشاهد، ولا أعلم إن كان صاحب البناية قد حصل على إجازة لذلك، وبصراحة فإن الأمر محبط جداً.
وجود العمارات بالقرب من المحلة السكنية يجب أن يتدرج في الارتفاع، كأن يكون عشرين طابقا مثلا والمجاورة لها ستة عشر ثم اثنا عشر وثمانية طوابق وأخيراً أربعة طوابق التي تقابل المنطقة السكنية لكي نحافظ على حرمة الساكنين فيها وللسماح لأشعة الشمس بالوصول إلى الدور السكنية، كما يجب توفير مجرى ( شافت) لرمي النفايات في كل طابق ويفضل أن يكون بعيداً عن النظر ويربط بساحة جمع النفايات في الطابق الأرضي، وكذلك أقسام خدمية لتكون هناك صيانة دورية لجميع مرافق المجمع.
*اشتغلت على تنفيذ المشاريع المعمارية في العراق منذ عقود، هل تجد فرقاً بين الماضي والحاضر في التعامل مع مؤسسات الدولة المعنية بالبناء؟
-كانت المؤسسات لا تتهاون في تنفيذ القانون أبداً، أعطيك مثالاً على ذلك، كانت لدينا قطعة أرض مساحتها 360 متراً أردنا أن نشيد عليها وحدتين سكنيتين، لكن القانون -في وقتها- رفض ذلك بشكل قاطع، وقالوا لنا إنه لا يمكن بناء وحدتين سكنيتين على هذه المساحة إطلاقاٌ، لأن المساحة اقل 400 متر.. اليوم تجد البيوت مبنية بمساحة 50 متراً وأقل أحياناً، كيف سمح القانون بذلك؟ .
*ما رأيك في أقسام العمارة الموجودة في جامعاتنا العراقية، هل هي قادرة فعلاً على أن تخرّج معماريين ناجحين؟
– المناهج الدراسية هي ذاتها لم تتغير، لكن هناك مشكلة في أعداد الجامعات الأهلية التي افتتحت لتدريس قسم العمارة، غالبية هذه الجامعات تمنح الشهادة كتحصيل حاصل، وهذا سوف يؤثر سلباً على الاختصاص، لأن هندسة العمارة تعتمد بالدرجة الأولى على الموهبة.. وهذا أيضاً يرجع إلى التخطيط، هندسة العمارة حالها حال الطب والاختصاصات الأخرى، إذ يفترض أن يكون عديد المهندسين والأطباء متناسباً مع عدد السكان والمساحة.
*هل تعتقد أن هناك جيلاً شاباً يمكن أن يكمل رسالتكم في هندسة العمارة؟
-نعم، بصراحة هناك طاقات شبابية ممتازة، والموضوع ليست له علاقة باسم الجامعة التي درس فيها هذا الطالب أو ذاك، فقد تجد طالباً معمارياً في جامعة أهلية، لديه موهبة وعقلية ممتازة تفوق من يدرس في أية جامعة أخرى، الموضوع يتعلق بالموهبة 100%.. عندما كنت أدرس العمارة كنت أنصح بعض الطلبة غير الموهوبين بدراسة الهندسة المدنية، بينما كنت أفاجأ بطالب آخر ربما يكون من سكنة محافظة لا توجد فيها عمارة، يقدم لي أفكاراً مذهلة، وبالنتيجة يصبح معمارياً ناجحاً جداً.
*من أين تستلهم افكارك في إنشاء العمارة؟
– تعودت قبل البدء بأي مشروع زيارة المكان وتأمل الموقع من نواحيه واتجاه الشمس، وأتحاور مع صاحب المشروع، إذا كان سكنياً على سبيل المثال، فقد أجد أن صاحب الدار يحب المكان مفتوحاً، ولا يحب الأبواب الكثيرة، أو العكس، لأن التصميم يجب أن يخدم الجانبين الاجتماعي والبيئي للبناء.
*جيلك درس العمارة وعمل فيها بتقنيات كلاسيكية وخامات بسيطة، هل تحولت الآن إلى التقنيات الحديثة كالحاسوب والبرامج الخاصة بالرسم المعماري وغيرها؟
-إلى الآن أستخدم القلم والورقة في رسم مشاريعي، لا أحب التعامل مع التقنيات الحديثة، ولست مندفعاً لتعلمها، لكن لدينا في المكتب الهندسي الاستشاري فريق من الشباب هم من يحولون رسوماتي إلى التقنيات الحديثة بالحاسوب، ومن ثم نقوم بالتنفيذ.
*نفذت العديد من المشاريع سواء أكانت بيوتات أو عمارات وفنادق وكنائس.. إلى آخره، أي هذه الأعمال الأقرب إلى قلبك؟
-حالي حال أي فنان ينتج عملاً إبداعياً.. كل المشاريع التي نفذتها قريبة إلى قلبي وأحبها، لأنني اشتغل المشروع بصدق وحب، أضع فيه كل طاقاتي وحواسي، وأدرك تماماً بأنه سيصبح ذات يوم معلماً يحمل اسمي.