نسرين جورج: يجب أن تكون هناك رقابة على تعليم الأطفال

288

هند الصفار – تصوير: حسين طالب /

التقيتها قبل 38 عاماً عندما كانت مذيعة لبرنامج (سينما الأطفال)، حينها كنت طفلة جاءت إلى مبنى التلفزيون للمشاركة في البرنامج. وجه بشوش ضاحك، نبرة رقيقة وخامة صوت تعلق في الأذن بكل محبة، ابتسامة مخملية، وأسلوب شيق. واليوم هي بكل صفاتها، لكنها مديرة لروضة (الطفل المتميز).
نسرين جورج، خريجة أكاديمية الفنون الجميلة قسم الإخراج المسرحي، الذي لم تمارسه فعلاً، قالت :”أنا لم أمارس الإخراج المسرحي، لكني مثلت في أعمال مسرحية خلال مدة دراستي في الأكاديمية.”
على مدى 20 عاماً بين (1979-1999)، قدمت خلالها برنامج سينما الأطفال الذي تعلق به المتابعون، إذ قدمت نمطاً مختلفاً عن بقية البرامج، وأول فيلم كان (قصر السلطان)، وآخر فيلم كان (المرايا المقعرة). كما قامت بإعداد برنامج (أرقام) وبرنامج (انتبه)، الذي كانت مدته دقائق معدودة، يعالج سلوكاً سيئاً ويطرح معه السلوك الجيد.
سينما الأطفال
عن دخولها إلى مجال برامج الأطفال، قالت نسرين: “عندما أعلنوا عن الحاجة إلى مذيعات قدمت ملفي وكتبت عليه (مذيعة برامج أطفال) لأني أعشق هذا العمل، وأحس أن لدي الإمكانية لتقديم أروع ما يمكن للطفل.”
سافرت نسرين جورج بعد انتهاء بث برنامج سينما الأطفال إلى نيوزلندا، وقدمت للعمل هناك، فدونت خبرتها والمجالات التي عملت فيها، فاختاروا لها عملاً كمعلمة في رياض الأطفال بمؤسسة (ABC LEARNING CENTER) “تعلمت الكثير في هذه المؤسسة عن تربية الطفل وكيفية التعامل معه، وأسلوب التعليم حسب العمر.” هكذا عبّرت عن عملها هناك.
تعتبر البرامج الموجهة إلى الأطفال من أهم أدوات التربية الحديثة، وتؤكد جورج أن الطفل يتعلق بما يراه وتضيف: “عند عودتي من خارج البلد عام 2011 حاولت أن أبدأ بتقديم شيء يليق بالطفل، ولكن للأسف وجدت أن الأوضاع والظروف لا تناسبني، فاخترت أن أعمل في مجال رياض الأطفال لحبي الشديد لعالم الطفل.”
السمع واللمس
وفي حوار عن تربية الطفل وآليتها، تحدثت نسرين جورج عن ذلك، إذ أكدت أن “الطفل في أول سنتين من عمره يعتمد في تعلمه على العين والسمع واللمس، وفي سن الرابعة والخامسة يتعلم فقط مسك القلم بالتدريج ليرسم الخطوط والمنحنيات، ما يهيئه فقط لكتابة الحروف في سن السادسة، ومن غير الصحيح إقحام الطفل بالكتابة وإمساك القلم قبل السادسة من العمر، ومحاولة تعليمه لغات متعددة.” وأوضحت أن “آلية التعليم تعتمد على الأناشيد واللعب والنشاط البدني، ومن خلالها يتعلم كل شيء، حتى أن الطفل يتعلم لغته الأم ولغة أخرى فقط من خلال السمع.”
“ببساطة.. الطفل في نيوزلندا تتسلمه الروضة في السابعة صباحاً ويتسلمه أهله في السادسة مساءً، أي أنه يقضي قرابة 11 ساعة ما بين لعب وتعلم وأكل ونوم، فلا يمكن أن يلتقط ما هو مغاير من أهله، بسبب قصر الوقت الذي يقضيه معهم وتعبه من يوم مليء بالنشاط، وهذا الأمر، كما تعبر عنه نسرين، هو أمر إيجابي، لكي يتربى الطفل على نمط واحد ويتمتع بسلوك متوازن منظم.”
ومن أهم المعوقات التي تواجه تربية الطفل في العراق بصورة صحيحة، هو إصرار الأهل على تربية أولادهم حسب رؤيتهم الخاصة، وليس حسب المنهاج العلمي التربوي، الذي تحاول رياض الأطفال الرصينة اتباعه، تضيف جورج: “الأهل يريدون منهاجاً دراسياً للكتابة والقراءة، ويأتينا الطفل وكأنه ذاهب إلى حفلة، لكننا نحتاج أن يلبس الطفل ملابس مريحة وبسيطة، حتى لو كانت ملابس بيت، لأنه سيلعب ويتعلم، فحين هيأت مكاناً فيه رمال للعب الأطفال وامتصاص طاقتهم، جاءتني الأمهات شاكيات لأن بعض الرمال كانت عالقة على ملابس أطفالهن فاضطررت إلى إلغاء فقرة اللعب على الرمال، إنهم لا يعلمون أن الكتابة والقراءة والامتحانات لا تتطابق مع المنهج التربوي العالمي.. للأسف.”
برامج الأطفال
وعن برامج الأطفال وإمكانية إعداد برامج تليق بالطفل في وسائل الإعلام المختلفة، تحدثت السيدة نسرين قائلة: “للأسف فإن الطفل مهمش إعلامياً، وأنا الآن أطبق كل شيء من خلال الروضة، لكن لم يعد لي متسع من الوقت لذلك، لكني أتمنى أن أجد كاتباً مسرحياً جاداً يكتب للطفل مسرحيات تربوية قصيرة خفيفة تتلاءم مع أطفالنا وتوسع مداركهم.”
“إن منهاج الرياض الحكومية جيد جداً، لكن الرياض الأهلية تبتكر مناهج وفق هواها لجذب الأهالي ومحاكاة رغباتهم، وهذا غير صحيح، إذ يجب أن تتوحد المناهج، وأن تكون هناك رقابة على التعليمين الحكومي والأهلي -على حد سواء- لمصلحة الطفل وتنشئته نشأة سوية، كما أن تربية الطفل لا تقتصر على الأهل والروضة والمدرسة، بل إن الإعلام يسهم بشكل كبير في خلق جيل واعٍ مثقف ذي سلوكيات متزنة.”
هذا ما تحدثت به أبرز مذيعة أطفال في حقبة زمنية تمثلت بـ20 عاماً متواصلة مع الطفل، تسأله وتحاوره وتقدم له المفيد، لتبقى ذكريات سينما الأطفال عالقة في أذهاننا حتى اليوم.