هل يمكن تحديد أفضل لاعب في تاريخ الكرة؟

321

علاء عبد الله /

جدل لا ينتهي ونقاش لن يتوقف بشأن اللاعب الأفضل في التاريخ. صحيح أن الأمر ينحصر بين ثلاثة أو أربعة لاعبين على مر العصور، لكن الجدل والنقاش مستمران ومتواصلان، وفي كل مرة يظهر لاعب مميز فيعود الجدل من جديد، وهو لا يقتصر على الجماهير، بل إن هناك من المدربين واللاعبين والإعلاميين ينخرطون فيه.
والحقيقة أن مثل هذه النقاشات لا تستند في تفضيلها لهذا اللاعب او ذاك على أسس رصينة، وهذا ما يجعل العملية برمتها لا تتسم بالصدقية او المهنية.
وبالتأكيد فإن المفاضلة تدور حول بيليه وماردونا وميسي وكريستيانو رونالدو.
أجيال مختلفة
العديد من المعنيين بشؤون الكرة يرفضون المقارنة، فهي لا تصح بين لاعبين من أجيال مختلفة، لأن كل شيء مختلف، بداية من أرضية الملاعب، ومروراً بالمدربين وتكتيكاتهم، وصولا الى القوانين نفسها التي أصبحت تخدم اللاعب أكثر. ففي زمن بيليه كان التدخل ضد قدم اللاعب من الخلف متاحاً ولا يعاقب من يرتكبه في أحيان كثيرة، فيما أصبح القانون يمنح مخالفة للاعب الذي يتعرض لمثل هذا التدخل العنيف، مع بطاقة صفراء على الأغلب ضد اللاعب المنافس، وفي بعض الأحيان حمراء، تبعاً لقسوة المخالفة وهدفها. وهذا يعني أولاً أن اللاعب أصبح يتمتع بحماية قانونية أكبر تتيح له إظهار إبداعاته. وثانياً فإن المدافعين أصبحوا لا يتدخلون ضد قدم اللاعب من الخلف، خوفاً من البطاقات. وثالثاً فإن قلة الإصابات تتيح للاعب أن يبقى فترة أكبر في الملاعب، وهذا يعني مباريات أكثر وإنجازات أكبر، وأصبحنا نجد مجموعة من اللاعبين يستمرون حتى يتخطوا سن الأربعين وهم يلعبون ضمن أعلى مستويات المنافسة كإبراهيموفتش، وكذلك البقاء الى سن السابعة والثلاثين كرونالدو وميسي الذي وصل الى خمسة وثلاثين عاماً.
قانون اللعبة
أما بالنسبة الى قانون اللعبة، فقد أصبح يخدم اللعب الهجومي أكثر، فمثلاً لم يعد يسمح لحارس المرمى أن يمسك الكرة التي تعود له من الزميل، وهذا بالتأكيد يجعل الحراس يقعون في أخطاء أكثر، ثم إن هذا القانون قلل من إهدار الوقت، وهو عامل مهم للمهاجمين، إذ أصبحت وتيرة اللعب أسرع، وهذا يعني خلق فرص أكثر للتسجيل. لذلك نرى أهدافاً أكثر في الوقت الحالي، وحتى قانون التسلل بات يقف مع المهاجم حالياً أكثر من المدافع، فهو يعطي الأفضلية للمهاجم اذا كان يقف على خط واحد مع آخر مدافع.
الغذاء والتقنيات
التقنيات الحديثة التي دخلت الى عملية التدريب أسهمت في تطوير مستويات اللاعبين، وهذا لم يكن موجودا قبل 60عاماً، أيام بيليه وحتى أيام ماردونا.. كما أن لنوعية الغذاء وكميته ووجود اختصاصيين في التغذية الرياضية لكل فريق، بل ولكل لاعب، الدور الكبير في عملية بناء جسد رياضي متكامل لا يتأثر بكثرة الالتحامات وعدد المباريات التي يخوضها اللاعب في كل موسم، ثم إن عمليات الاستشفاء من الإصابات اختلفت تماماً وتطورت بفعل وجود متخصصين في أدق الإصابات، سواء أكانت إصابات العضلات أو الركبة أو الكاحل، وهذا أسهم بشكل لافت في سرعة عودة اللاعب الى الملاعب. كما أن وجود وسائل النقل الحديثة أسهم في تفوق لاعبي الأجيال الحالية عن الأجيال السابقة. ولكم أن تتصوروا أن منتخب ألمانيا لم يشارك في كأس العالم في الأورغواي لعدم وجود طائرات تصل الى هذه الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية، والحال ينطبق على منتخب الأورغواي الذي لم يتمكن من الدفاع عن لقبه كبطل لكأس العالم بسبب عدم قدرته على السفر الى ايطاليا حيث أقيمت النسخة الثانية من البطولة.
لغة الأرقام المختفية
البعض يطالب بالاحتكام الى الأرقام في عملية المفاضلة التي أسلفنا أنها تكاد تنحصر بين بيليه وماردونا وميسي وكريستيانو، وهنا أيضا لايسعنا أن نجد الأرشيف الكامل للاعبي الستينيات والسبعينيات، بل وحتى جيل الثمانينيات.. فلم يكن النقل التلفزيوني متاحاً بل إن كثيراً من المباريات لم تسجل تلفزيونياً، سواء في بطولات كأس العالم أو الدوريات في أوروبا والبرازيل والأرجنتين. فيما نجد الإعلام حالياً يوثق كل صغيرة وكبيرة، والكاميرات تنتشر في الملاعب وتوضح لك لمرات عدة مايدور من أحداث.
ورغم ذلك، فإن بيليه يتفوق في هذه الناحية لأنه أكثر من سجل أهدافاً في كرة القدم، إذ تخطى حاجز (1200) هدف وهو أيضا اللاعب الوحيد الذي حصل مع فريقه على لقب كأس العالم ثلاث مرات. ‬
البعض الآخر يطالب باعتماد تصويت الجماهير، وهذا أيضا لا يمكن أن يكون منصفاً، فليس هناك –حالياً- الكثير من الأجيال التي تابعت بيليه وماردونا.. في الوقت الذي يحظى به كريستيانو بـ400 مليون متابع على منصة تويتر، وهو أكثر إنسان يحظى بمتابعة على هذه المنصة، فهل من العدل أن نعتمد هذا المعيار؟‬‬
بقي أن نذكر حادثة جرت عام 2000 حين أراد الفيفا أن يختار لاعب القرن العشرين، وانحصرت الجائزة بين بيليه وماردونا. وفي ذلك الوقت لم يكن الإنترنت قد انتشر في البرازيل، فيما كانت مدن أوروبا تحظى بخدمة ممتازة للإنترنت، وكان من الصعب على سكان البرازيل أن يصوتوا، بينما لجأ ماردونا الى جماهيره العريضة في مدينة نابولي الإيطالية التي تعشقه، حتى أنها وقفت تشجع الأرجنتين على حساب منتخب بلادها عندما تقابلا في كأس العالم 1990، وطبعاً جاء التصويت كاسحاً لصالح ماردونا الذي هدد قبل ذلك الفيفا بأنه سينسحب من القاعة إذا أعطي لقب لاعب القرن الى بيليه، عندها أعطيت الجائزة لماردونا.
لكن ذلك لم يرضِ الاتحاد الدولي والنقاد والصحفيين والمدربين الحاضرين في قاعة الحفل، فنظموا على الفور استفتاء بينهم باعتبار أنهم أهل اللعبة والأقدر على المفاضلة والاختيار، فكان هناك شبه إجماع على أن بيليه هو الأفضل في ذلك القرن..
خلاصة القول إن لكل زمن دولة ورجالاً، فبيليه هو الأفضل في فترته وماردونا هو الأفضل في زمانه، ويبقى السباق بين كريستيانو رونالدو وميسي مفتوحاً حتى يأتي الوقت الذي يقرر كل منهما الااعتزال.