سنان أنطون: أنا مع التفاني وضد التخصّص
علي السومري /
هو شاعر وروائي وأكاديمي، ولد في بغداد العام 1967، غادر العراق العام 1991، حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد العام 2006، أصدر أربع روايات: “إعجام”، “وحدها شجرة الرمان”، “فهرس”، و”يا مريم”،التي وصلت للقائمة القصيرة في جائزة (البوكر) العام 2013، إضافة لإصداره عدة مجاميع شعرية وكتباً مترجمة.
إنه سنان أنطون، ضيف مجلة (الشبكة) في هذا الحوار:
•سنان، قال الشاعر الآيرلندي (شيموس هيني) يوماً: “إنني ابتعدت عن آيرلندا وبريطانيا حتى أراهما بشكل أوضح”، هل ترى أن هذه المسافة الجغرافية الشاسعة، ما بينك وبين الوطن، ساعدتك داخل رواياتك للتعامل مع العراق بشكل أفضل، أم أنك تحتاج إلى التواصل المباشر؟
-أعتقد أنه مزيج من هذا وذاك، كتبت مرة عن هذا الموضوع، عن العلاقة بين الإنسان والمكان الأول ووصفتها بأنها علاقة دائرية وشبّهتها بالمدار، فكرت بهذا حينما تواجدت في الولايات المتحدة لأكثر من أربع وعشرين سنة، وهو ما يعني بأني عشت خارج العراق أكثر مما عشته داخله، أحياناً كلما تبتعد بالزمن تقترب بطرق أخرى، وبالتأكيد نحن نحتاج إلى التواصل، ولهذا أنا أقول دائماً بأن مواقع التواصل الاجتماعي وبالرغم من كل مشاكلها، استطاعت أن تجعل الإنسان يعيش في أكثر من مكان، ولا ينطبق هذا على الكاتب فقط، إذ أني وجدته عند المهاجرين في (نيويورك)، الذين تراهم يستمعون للغتهم الأم ويتابعون أخبار بلدانهم الأصلية وكأنهم لم يغادروها.
وبرأيي أن الإبداع يحتاج لمثل هذه المسافة، صحيح أننا سنخسر بعض الأشياء ولكن كما يقولون سيكون بإمكاننا النظر إلى الغابة بدل النظر إلى الشجرة، ولدينا أمثلة كثيرة في تأريخنا الشعري، مثل الشاعر الراحل سركون بولص، وهو واحد من المنارات التي كنا نتطلع إليها، هذا الشاعر الذي ترك العراق في العام 1967، ما أن تقرأ أشعاره حتى تقول بأن هذا الشخص كان يعيش في قلب العراق.
•طيب سنان هل ترى أن تتابع الأحداث السياسية وهيمنتها على (الميديا) وخاصة الأحداث القادمة من الشرق الأوسط، أضر بالرواية أم أنها ملزمة بالتعامل مع هذا الواقع السياسي؟
-أعتقد بأن هذا يعتمد على الأسلوب والمقاربة، اذا أصبح النصّ الأدبي منصة سياسية أو بوق لها فستكون كارثة، لأنه حينها سيفقد الرهان والتحدي الجمالي، لكنني أيضاً، وبرأيي الشخصي، لا أؤمن بما يردده الكثير من أصدقائنا هنا وفي كل مكان، أولئك الذين يقولون: “لا نريد أن نكتب عن السياسة” بينما السياسة هي صراع القوى في المجتمع في كل مكان، وحتى داخل البيت الواحد، وأنت عندما تكتب عن الحياة، تكتب عن اللا مساواة، عن اللا عدالة، عن الظلم والمعاناة البشرية، وبالتأكيد السياسة تعني كل هذا، ولكن هذا يعتمد أيضاً على عدم التضحية بالجماليات، وآخر ما أقوله أن الذي يكتب عن مكان فيه صراعات وذبح وقتل ولا يذكر شيئاً عنهما، فهذا بالنسبة لي يشكل موقفاً سياسياً! يشبه من كان يكتب في زمن العبودية ولا يذكرها في كتاباته!
•أصدرت كتباً روائية وشعرية وترجمات، وكأنك لا تريد أن تتأطر بصفة الروائي حصراً، هل هذه فكرتك عن مشغلك الإبداعي، وبالأخص هنالك رأي يقول بأهمية التخصص في الكتابة؟
-أنا مع التفاني وضد التخصص، وبالنسبة لي فإن الترجمة هي تمرين على الكتابة بصراحة، وهذا قرأته في حوار بين الشاعر الكبير (أزرا باوند) والشاعر (دبليو س مروين) والأخير كان صغيراً في السن وزار (باوند) في سجنه، وقال له (باوند) أنت ما زلت صغيراً في السن وليست لديك تجارب في الحياة، ونصحه بالترجمة، الترجمة هي تمرين فعلي على الكتابة وإغناء للشاعر، لأنني حينما أترجم لشاعر أحبه سواء إلى العربية أو الانكليزية فإنني سأتمثل أساليبه وموسيقاه.
•برأيك، هل الاستغراق في الشأن العراقي بكل تفاصيله السياسية والثقافية، يجعل الرواية العراقية في عزلة عن القارئ العربي أم العكس؟
-لا طبعاً، بالعكس، وهذا أيضاً يعتمد على الأسلوب، ومن حق أي كاتب أن يكتب عن بلده، والكتابة عن العراق بإبداع موجود اليوم، وهناك حضور قوي للمبدعين العراقيين في الساحة العربية، وذلك مردّه أن ما يحدث في الشأن العراقي ليس منفصلاً عما يحدث في أماكن أخرى، وأنا وكثير من الزملاء يكتب لنا قارئ سوري، ومصري وفلسطيني وحتى مغربي، لأن ما نكتبه بعيد عن الآيديولوجيات والشعارات، ولأننا في منطقة واحدة وجغرافيا واحدة ويوجد بيننا امتداد ولغة واحدة أيضاً، وفي النهاية يعتمد كل هذا على الأسلوب.
•سنان، ما هي انطباعاتك عن معرض بغداد لهذه السنة، وما جديدك؟
-المعرض يبدو جيداً وهناك حضور قوي وتنظيم ممتاز، طبعاً هناك بعض الهفوات ولكن هذا طبيعي في فعالية بهذا الحجم وفي ظل هذه السياقات الصعبة أيضاً، وكما نرى هناك إقبال جماهيري جيد وبالأخص من الشباب وهذا مهم جداً، وهناك تفانٍ من الإخوة المنظّمين وهو مايجعلني أشعر بالأمل، وأنا متأكد بأن الدورات المقبلة ستنجح أكثر.
أما بالنسبة لجديدي، هناك مجموعة ستصدر لي في السنة المقبلة باللغة الانكليزية، وهناك أطروحتي للدكتوراه عن الشاعر البغدادي ابن الحجاج والتي صدرت باللغة الانكليزية، ستصدر باللغة العربية في نهاية السنة، وأيضاً (أكو رواية جديدة).