البحث عن البراءة المفقودة
احمد خلف/
منذ سنين مضت ونحن نحلم بالوطن المستحيل التحقق, ترى هل نعلن عن هزيمة أفكارنا التي احتفظنا بها ردحا طويلا من الزمن طويناها تحت أضلعنا, نجاهر بها تارة ونخفيها تارة أخرى كأننا نذود عن خبز كفافنا, صامتين أو معلنين عن تأوهاتنا المكلومة, خشية من حاكم ظالم أو صاحب جبروت متكبر.. ماضينا الذي افلتته الريح العاتية من أيدينا,
لأن الجمال الآسر يؤذينا بعطفه المباغت ورحمته القاسية ويحيل مشاريعنا العديدة الى أوهام لا يمكن الأخذ بها أو الدخول عليها بصورة تقنعنا بعد طول تفكير وتأمل لا ينقصهما سوى تلك المقدرة المتميزة للبعض منا على الصبر والمجالدة.. ذاك الجمال لمّا نلتقيه مصادفة في حافلة أو زقاق وربما في حفل عابر لم يكن في النية الذهاب إليه أصلا لأننا لم نضع قضية الفوز به في حسباننا قط ( ما الذي جعله جميلا الى حد أن تكون لديه المقدرة على أسرنا بسطوع جماله وهيبته المزدانة بالرضا والنعيم الرباني), هناك التقينا بمصائرنا الحاسمة التي ستبقى شاخصة أمام أبصارنا ولا بأس أن أبوح بسر صغير على مسامعكم: لقد جرى كل هذا الذي تقرؤونه في زمن كهولتنا المتداعية غير آسفين على ما حصل لنا لأننا لم نعد قادرين على معاقبة الآخرين الذين نالوا منا في ساعة نحس وعدم لياقة منهم, لأنهم حقيقة ما عاد لهم من جبين يندى أبدا اذن لأجل ماذا نأسف سادتي؟ نحن الذين اذا ما سئلنا يوما عن الذي نريده من حياتنا سوف ترغمنا تجاربنا المريرة على قول ما ننوي القيام به من مشاريع ظلت مؤجلة على مدى سنين طويلة.. وفي كل عام ننوي الافصاح عن مكنون ذاتنا ولكن غالبا ما نكون عرضة للانكسار والتأجيل للذي قررناه, أو نريد تنفيذه من أعمال وآمال نصبوا إليها في حلنا وترحالنا, تلك المشاريع ثبتها الجمال الشاخص بمقدرته الجبارة وهو يتجسد على هيئة امرأة أو مشهد يمتلك الروح منا, ولن يتيسر لنا العودة الى ما كنا ننوي القيام بتنفيذه فهو قد نال منا في لحظة خاطفة وجعل كل شيء يبدو أمام أعيننا يمكن الاستهانة به مادام لم يحز
غذاء الفقراء
على رضانا المطلق أو الكافي, ونحن نعلم أن لا عبث مع مقدراتنا التي بذلنا جهودا مضنية لأجل تحقيقها والفوز بها كجوهرة نادرة..
لا يمكن التفريق بين الخير المطلق والجمال بحيازته الكلية على رضانا وبين الحب الذي نطمح للوصول الى ربوعه الشاسعة, الخير ذلك الأمل الذي ظل يدغدغ أحلامنا في أن نضع أيدينا على عتباته الشاسعة, الأحلام غذاء الفقراء والمعدمين والعشاق أيضا, لذا يعيش الجمال متربعا عرشه المرموق الى جانب الخير المطلق الذي تشرف على صناعته السماء الواسعة بكل ما نملكه من آمال في أن تحقق سماؤنا خيرنا المرتجى بعيدا عن موتنا المرتقب, دائما هناك موت في البلد الذي نعيش فيه وقد اعتدنا مشاهد الموت المجاني ودون التفكير بنا أو بأحلامنا المؤجلة ومشاريعنا التي يقف أمام تحقيقها اللصوص والقتلة في البلاد التي اسمها أرض السواد, فضائيات العالم الحر دائما تنشر علينا نحن أبناء العالم الثالث أخبارا وبرامج وأحداثا لا تعني مواطنيها بصورة مباشرة..
ـــ لا تصدقوا اعترافات بلير بضياع أمانينا ووأد أحلامنا وتدمير وحدة البلاد..
كيف نمنح الجمال فرصة العبث بمقدراتنا ونحن الذين بلغنا من حدة تجاربنا وتنوع آفاق خبرتنا التي نحسد عليها من لدن أقراننا اذا ما أرادوا أن ينعشوا الذاكرة لمرة واحدة, ويضطروا للاعتراف بأحقية تجاربنا وخبراتنا على الرجحان أمام الأعاصير العاتية والريح المزمجرة, الم تكن تجاربنا التي دفعنا لها الثمن الكافي لكي تصبح من اسانيدنا ومراجعنا الضافية.. ليتصور أحدنا كيف تبدو الحالة التي هي خلاصة حياتنا ونحن نعاود تكرار التجارب التي لن تذهب بعيدا عن سيل التأوهات والحسرات على ما ضاع من أيدينا من حقول شاسعة للبراءة والأماني المفقودة.
محطة بارزة
ليس الجمال السافر الذي نحبه كلنا ونريد من يحمل جريرة التراجع عن قول الحقيقة, انما نحن دعاة البحث عن البراءة التي هي شكل من أشكال الحقيقة وعلينا قول ما ينبغي قوله اليوم بحضرة سيدنا جميعا, أعني به الحب أو الجمال الخلاق الذي سوف يتكسر بين أيدينا اذا ما تورطنا وامسكنا به من حاشيته الرقيقة أو من حافاته الأكثر رقة ونحن ضحاياه المأخوذين بحبه, عندئذ نكون ضحاياه بالمجان مادمنا نرضخ لذاك الإحتواء العجيب, احتواء الجاني المتمرس في ادانة الغير, هم يقولون متسائلين بلهفة: ماالذي تصنعه قصائدكم أمام جبروت المال الا تعلمون مدى القوة التي يمتلكها المال أيها المساكين؟ هذا زمن ترعووا فيه في اللحظة والتو, ولن تجدوا من يصغي الى عذابكم نعني هذوكم المتكرر.. هم يقولون متسائلين: هل من جدوى لكتابة الروايات حتى ولو جاءت من أجل اسكات جوع البطون أو التغزل بالبنات الصغيرات؟ وقد تكون روايات لا يقرأها أحد, اذن مالذي ستفعلونه ازاء سطوة القوة المفروضة عليكم من ثروتنا النامية؟ في كل يوم يتصاعد حسابنا الجاري وأموالنا المتراكمة هل تفهمون ما نقوله لكم؟ كان هذا الكلام قد سمعناه في بدء شبابنا وعند عتبات كهولتنا التي أردنا لها أن تكون محطة بارزة للاستراحة الرخية لا أن تكون أضيق من حرية التعبير في بلادنا..