المؤلف وحقوق الملكية

444

صباح محسن كاظم /

يبدو أن الانتهاكات والتجاوزات بلغت حدها الاقصى في استباحة (حقوق المؤلف)، لذلك فإن ثمة ضرورة قصوى تستدعي المحافظة على حقوق (النشر والناشر) من خلال العولمة التكنولوجية وبروز الإعلام الإلكتروني، فضلاً عن الاستخدام الهائل لصفحات التواصل الاجتماعي؛ الفيسبوك ومواقع الإنترنيت. وقد باتت ظاهرتا السرقة و(التلاص وليس التناص) منتشرتين بشكل جلي ومكشوف لا يخفى على منتج النص الأصلي، سواء أكان المنشور قصيدة، أم مسرحية، أم لوحة فنية، أم صورة فوتوغرافية، أم فكرة درامية.. إلخ من أجناس الإبداع الأدبي والفني.
معروف أن الظاهرة في العراق ليست وليدة اليوم، بل تعود بنا إلى حقبة التسعينيات من قرننا الماضي بسبب الحصار الاقتصادي الضاري الذي هشَّم العظام، وانتشار الفاقة والعوز والحرمان بسبب الحصار وغلاء الكتب وعدم وصولها إلى العراق، فبدأت ظاهرة (الاستنساخ) ثم بيع (الشهادات) للمراحل الدراسية كافة من أجل الهروب من جحيم الحصار والطاغوت والعمل بها خارج العراق: في اليمن وليبيا ودول شتى، لذلك انتشر التزوير بشكل واسع. وبما أن كلفة الطباعة باهظة الثمن وغير متيسرة لكثير من المبدعين، فقد انتُهكت (حقوق المؤلف) عبر استنساخ كتابه، وهو ودار النشر لا يعلمان بما يتعرض له الإصدار الذي طبع بماكنتها، وأصبحت الظاهرة مستساغة وطبيعية، فانتشرت الثقافة السرية، وجرى تداولها على نحو طبيعي، وتلاقفتها العقول والقلوب والأيدي ليسر كلفتها.
لكن الظاهرة استفحلت وأدت إلى فقدان المعايير والأسس والتقنيات التي ضُرب بها عرض الجدار، ولم يُحد من ظاهرة سرقة جهود المؤلف في كل مجالات الإبداع وكل حقول المعرفة ومن يشتغل في أي مجال فني أو أدبي أو معرفي، لذا فإنها طالت الكتب المهمة، إذ ضاعت الجهود في الرسائل الجامعية المسروقة أو المكتوبة بغير جهد (المشتراة بالمال)، من مكاتب منتشرة تمارس هذا النشاط في العلن، حتى إن المدارس والجامعات كانت تكلف طلبتها بالذهاب إلى قاعات الإنترنيت لشراء البحوث العلمية والفكرية المبذول فيها جهد معرفي وفكري وعملي، بالكشف والاستنباط والاستدلال وإظهار النتائج، فيأتي من يأتي لسرقة جهود العلماء ومن توصل إلى الحقائق بشق الأنفس والجهد والوقت في الكتابة، وبضغطة زر يسحب الكتاب ليضع اسم طالب ما عليه ناحلاً جهد غيره.. يا لهول المأساة !!
إن المادة العلمية والفكرية والأدبية تُشوَّه حين تُجتزأ منها فصول فيظهر فيها النقصان وفقدان الترابط المنهجي، فضلاً عن تشتت الأفكار، وعليه فإن هذا لا يحقق المراد، حتى في مجالات اللوحة الفنية حين يقوم أي من لديه إمكانية الرسم بتشويه النسخة (الأم)، فهل يمكن البتّة الوصول إلى النسخة (الأم) كما يتلاعب بها ضعاف النفوس؟ لذا أرى أن من المناسب جداً إجرائياً:
تسجيل الكتب في دار الوثائق برقم إيداع، لضمان الحقوق المعنوية والمادية في حالة انتحالها من قبل سارق ما، وسنّ العقوبات الرادعة لمنع ظواهر تفشت واستفحلت وتكاثرت وانشطرت حتى بلغت حداً لا يُطاق، مع إرساء قيم وضوابط النشر في المواقع الإلكترونية والمدونات الشخصية، وإقامة الدعاوى القضائية على كل منتحل يسرق نصاً أو حتى خاطرة أدبية أو صورة فوتوغرافية أو لوحة فنية أو مادة إبداعية في كل حقول الجمال، وتوثيق العقد المبرم بين المؤلف والناشر بشهود.
أما بشأن تسويق الكتاب، وتجربة التأليف والنشر في دور نشر عربية في سوريا ولبنان والعراق من أغلب الناشرين العراقيين، فغالباً ما يحدث احتيال وخديعة وغمط للحقوق (وقد ضربت أمثلة كثيرة على ذلك)، وعليه فإن الحل الأسلم كما أرى يكون بتوسعة عمل دار الشؤون الثقافية وإنشاء فروع في الفرات الأوسط ومدن الجنوب المبدعة المنتجة الخصبة في حقول المعرفة والفكر والأدب والثقافة.
في هذا السياق صدر كتاب (الملكية الفكرية مصدر الإبداع والابتكار) تأليف (د.علاء أبو الحسن إسماعيل العلاق) و(فائزة غني ناصر) و(مصطفى جاسم محمد)، ضمن منشورات بغداد عاصمة الثقافة العربية الذي اشتمل على 15 فصلاً هي: ما الملكية الفكرية، والملكية الفكرية وحقوق المؤلف، والحقوق المجاورة لحق المؤلف، والملكية الفكرية وأشكال التعبير الثقافي التقليدي، والفلكلور، والملكية الفكرية والمعارف التقليدية، والإدارة الجماعية لحق المؤلف والحقوق المجاورة، والعلامات التجارية، والبراءات، والرسوم والنماذج الصناعية، والمنافسة غير المشروعة، والاتفاقيات المتعلقة بأنظمة التسجيل الدولية التي تديرها (الويبو)، وملخص اتفاقيات حق المؤلف والحقوق المجاورة، وملخص اتفاقيات الملكية الصناعية. وقد جاء في مقدمة الكتاب ص13(..ومنذ أقدم الشعائر ومروراً ببدايات الموسيقى والرقص وشعائر الدفن والرسم في الكهوف والكلمات المكتوبة والفولكلور والتمثيل المسرحي، حتى استعمال التكنولوجيا الحديثة كالتسجيلات الصوتية والأفلام والإذاعة اللاسلكية وبرامج الحاسوب والتسجيل الرقمي، ظلت البشرية تعرّف نفسها وتحدد هويتها بالإبداع الثقافي والتعبير عنه بشكل إبداعات وأداءات فنية، لعل من الممكن وصفها بالملكية الفكرية. ومنذ أول أعمال الخزف التي حملت علامة صاحبها وبيّنت سمعته في عداد رواد الخزف في بلاد ما بين النهرين، مروراً بالعلامات التجارية الحديثة التي نعرفها اليوم، بما فيها أدوات التعريف التي يطلق عليها أسماء الحقول على الإنترنت وما يشار إليها بالبيانات الجغرافية، اعتمدت البشرية على أنظمة تعريف لها مصداقيتها ولا تقبل الخطأ.