الروائي كر يم كطافة: الكتابة ملاذي الآمن!

1٬117

حوار : علي السومري – تصوير: صباح الامارة /

قاصٌ وروائي وصحفي، ولد في بغداد العام 1961، دخل المجال السياسي منذ شبابه معارضاً للنظام البائد منذ هيمنة البعث على الحكم في العراق.
غادر وطنه في العام 1982، ليعود إليه عبر جبال كردستان العراق كمقاتل ضد الطاغية ونظامه في العام 1983.

عمل في مجال الرسم الهندسي، وكتب في الثقافة والنقد، وأصدر العديد من الروايات بينها (ليالي ابن زوال) و(حمار وثلاث جمهوريات) و(حصار العنكبوت) و(قرابين الظهيرة) و(عودة إلى وادي الخيول)، فضلاً عن نشره العديد من القصص في الصحف العربية والمحلية داخل وخارج الوطن.
خاض غمار كتابة السيناريو في فيلم (نصيرات)، وهو فيلم يتناول تجربة النساء المقاتلات، وكفاحهن ضد الطاغية حتى سقوطه المدوي العام 2003.
يؤمن كطافة -الذي يقيم في هولندا منذ تسعينيات القرن الماضي- إيماناً راسخاً بأن الثقافة وما تنتجه من قيمٍ قادرة على تغيير المجتمعات نحو الأفضل، وهو من الكتّاب الذين لا يمارسون فعل الكتابة فحسب، وكانت له مواقف واضحة وآراء صريحة انحازت للعراقيين الذين وقف معهم في ساحات الاحتجاج وهم يطالبون بأبسط حقوقهم .
ومن أجل تسليط الضوء على تجربة كطافة الإبداعية، ارتأت (الشبكة) إجراء هذا الحوار معه….
•من يقرأ سيرة حياتك يشعر بأنه يقرأ رواية لإنسان يبحث عن الخلاص، هل وجدت خلاصك الشخصي؟
-لا أستطيع الجزم إن كنت أبحث عن خلاصي الشخصي أم عن خلاص من نوع آخر. ثم أي خلاص هو المقصود، أهو الخلاص الوجودي أم الأخلاقي أم الديني..؟ فالمؤكد أن الحياة مليئة بالفخاخ المنصوبة بوجه الإنسان ما إن يعي وجوده؛ العادات والتقاليد المقيدة لحريته، ما يتعلق بالعائلة والمجتمع، الفقر بوجوهه المتناسخة، وما إن يتدرج قليلاً ويدخل المجتمع حتى يصطدم بفخاخ من نوع مغاير تتعلق بالنظام السياسي السائد المتحكم بالفرد والمجتمع. شخصياً -وبوقت مبكر نسبياً- تمردت على هذه الفخاخ واخترت طريقاً رهنت عليه حريتي وخلاصي لكن، هل حققت خلاصي..؟ لا أدري.
السرد سرقني من السياسة
*نعرف جيداً أنك كنت مهموماً بالوطن وحريته في زمن الدكتاتورية، ومازلت كذلك طبعاً، الأمر الذي أدخلك المعترك السياسي، ما الذي سرقته السياسة من السارد فيك؟
-الحقيقة أن السرد (الكتابة) هو الذي سرقني من السياسة وليس العكس، دخلت عالم السياسة في وقت مبكر، كما ذكرت قبل قليل، وجربت كل أشكال العمل السياسي تقريباً، من العمل شبه العلني في سبعينيات القرن الماضي، إلى العمل السري، وصولاً إلى العمل المسلح، كنت شيوعياً في كل تلك المراحل، فجاءت الكتابة كما لو أنها المنقذ من خضم ملابسات وتفاصيل كثيرة، منذ البداية شكلت الكتابة بالنسبة لي وسيلة للتفكير وتقليب حياتي وحياة من عايشتهم، بما فيها التجربة السياسية، وجدت فيها ملاذاً آمناً، اكتشفت نفسي، وما زلت كل يوم اكتشف أشياء جديدة في نفسي وفي من حولي كلما أنجزت نصاً جديداً، لأن التجربة السياسية -وللأسف- لم تصل إلى مبتغاها بالنسبة لي، دون الخوض في الخسائر المادية والمعنوية التي تسببت بها لي ولعائلتي، رغم هذا أنا لست نادماً على أي شيء مما حدث، ما حدث كان يجب أن يحدث بعد أن توافرت له كل عوامل حدوثه.
• كيف تقيّم السردية العراقية اليوم، وهي التي تنتج عشرات الروايات والمجاميع القصصية من داخل وخارج العراق؟
– لا أجرؤ على هذه العملية، لست أنا من يقيّم عمل الآخرين، فقط أنا سعيد بما تحقق، قديماً كان الذين يكتبون الرواية والقصة القصيرة يمكن أن تعدهم، أما الآن فلا أدري إلى أين وصل الرقم، بعد 2003 حدث ما يشبه السيل العارم في السرد العراقي، ولأنه سيل فالمؤكد أنه يحمل في خضمه الغث والسمين.
عالمية الرواية
• بعد ترجمة العديد من الأعمال الأدبية العراقية إلى لغات أجنبية، وحصول بعضها على جوائز مرموقة، هل يمكننا اليوم القول بعالمية السرد العراقي؟
-أعتقد أن هناك إشكالاً يكتنف هذا التوصيف (العالمية)، إذ لا يكفي القول بعالمية هذه الرواية أو تلك لمجرد أنها تُرجمت إلى لغة أخرى دون التعرف على مدى صداها وانتشارها في اللغة التي ترجمت إليها، الأمر ليس بهذه السهولة، صحيح أن الكتابة الأدبية بأشكالها المختلفة، كذلك الفنون، هي -في الأخير- أنشطة إنسانية جامعة، لكنها تظل لصيقة ببيئتها، الكاتب والفنان هما من أبناء أزمنتهما وأمكنتهما، أبناء الفضاء الذي شكلهما، يستمدان التقنيات والثيمات والخيال من البيئة نفسها، وبالتالي إن تجاوزا على ثيمة الصدق في عكس ما أفرزته بيئتهما لن يحصلا على شيء، ماركيز -على سبيل المثال- هو كاتب كولومبي قبل أن يوصف بالعالمية.
* لا تخلو رواياتك من إسقاطات لما حدث ويحدث في العراق، هل تشعر بأنك حبيس هذه الثيمة الأدبية أم أنها محاولة لتوثيق ما حصل واستشراف لما سيكون؟
– هذا يعيدني إلى الجواب السابق؛ الكاتب ابن بيئته، يستمد ثيماته ويتشكل خياله وينضج ويطور تقنياته من البيئة، بغض النظر إن كانت البيئة طاردة للمواهب أم جاذبة، هناك بيئات متخلفة بمقاييس الحضارة الإنسانية أنتجت كتاباً وفنانين كبار، علم الطب يخبرنا أن 95% من المعلومات التي تدخل أجسامنا تذهب مباشرة إلى منطقة اللاوعي في الدماغ.. وما الآداب والفنون سوى اشتغال على هذه المنطقة.
اقتلاع نبتة
*ما الذي منحه المنفى لك وما الذي سلبه منك، وهل أثرت مواقع التواصل الاجتماعي على تواصلك مع جمهورك؟
– المنفى لغير الباحثين على مجرد رزق وتطوير الحالة المادية لهم ولعوائلهم، هو موت مخفف للإنسان، العملية تشبه اقتلاع نبتة من أرضها وزرعها في أرض أخرى، ليس بالضرورة أن تتوفر لها كل مقومات نضوجها وتحولها إلى مثمرة، لكن المنفى في حالتي علمني أشياء كثيرة، علمني ماذا يعني التنوع وكيف يتحول إلى غنى، علمني كيف استطاعت شعوب أخرى أن تخرج من أزمات وكوارث وتشق طريقها في مجرى عملية التطور والحداثة، لتكون مشاركة في الحضارة الإنسانية وليس مجرد مستهلكة لمنجزاتها، كما جعلني أشعر –وبالملموس- ماذا يعني الوطن الأول الذي فقدته -وربما إلى الأبد- وأشعر بفداحة خسارتي. يكفي أن أكون في وسط لا يفهم لغتي وأكتب لناس لا تصلهم كتابتي، هذا قبل وصول تقنيات التواصل الاجتماعي التي جسرت إلى حد ما هذه الهوة بين الكاتب وقرائه. أتحدث عن تفاصيل قبل 2003 حين كان البلد محكوماً بأطواق من الحصار من الخارج ومن الداخل. أما الآن فأجد العراق كما لو أنه البلد العربي الوحيد الذي لا توجد فيه رقابة مؤسساتية على حرية التعبير وانتشار الكتاب. لكن تبقى قرب الفنان والكاتب من محيطه الطبيعي الذي نشأ فيه حاجة إنسانية ملحة.
* وما جديدك؟
– رواية جديدة تحت الطبع بعنوان (ذاكرة يد) سترى النور عما قريب عبر منشورات دار (سطور) البغدادية، لا أريد الخوض في تفاصيلها الآن.