الشاعر والمترجم هيثم الزبيدي: الشعر المترجم يفقد سحره

1٬145

حوار : علي السومري/

شاعر ومترجم وأكاديمي، وأستاذ للشعر والأدب المقارن في جامعة بغداد- كلية الآداب. يرأس نادي الترجمة في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، ولد في محافظة واسط عام 1971، وتخرج في معهد إعداد المعلمين فيها عام 1990. حصل على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة بغداد عام 1996، والماجستير عام 1998، ثم الدكتوراه في الشعر الإنجليزي عام 2005.
صدر له في الشعر: (بكاء الطاولة) بغداد 2000، (الضباب) بغداد 2002، (ما قال لي أحدٌ هزمت) عمّان 2013، (شبّار الشوك) الولايات المتحدة الأمريكية 2018. أما في الترجمة فلديه أكثر من خمسة عشر كتاباً، توزعت بين الشعر والدراسات الثقافية. إنه الدكتور هيثم الزبيدي، ضيف ثقافيتنا لهذا العدد، الذي حاولنا عبر هذا الحوار تسليط الضوء على منجزه الإبداعي ومشروعه الثقافي..
البوح رالاول
* ما الشعر بالنسبة لكَ؟
-الشعر حياة تتاخم في حدودها حدود المجرات، وتتماهى مع الحقائق والأوهام، الشعر عالم يجاور عالمنا الواقعي المعاش، يواكبه، ويوازيه، وينهل منها كطائر استبد به الظمأ، فما أن يبرد جمر كبده بقطر الإلهام، يحلّق عالياً ليستفز الغيوم، فيجبرها على أن تهطل مطراً يغسل بعض الآلام ويسقي بعض الآمال، ويخفف من وطأة المرارة في هذا العالم. لذا فأنا لا أؤمن بشعر منفصل عن الواقع، منطوٍ على ذاته، الشعر وجود، وتاريخ وجود، يؤنس، ويجمّل، ويواسي.. هكذا عرفنا أول بوح إنساني عرفه البشر عبر القصائد، وأحسسنا بمرارة الوجد والفقد في المراثي، وتعلمنا معنى قلق الإنسان من المجهول، من ترانيم الصلاة في الطقوس والعبادات، حين كان البشر يخشون الطبيعة ويصيّرون للبرق والرعد والخصب والفيضان والليل والنهار أرباباً وآلهة، ويؤسطرونها بأسماء وحكايات، ويسترضونها بالنذور والعطايا، ويتوسلون بها شعراً. منذ ذلك الحين والشعر يحتل مكاناً فوقياً إلوهياً يليق بالسماء، لا بالأرض المنحازة للنثر. الشعر يعطي الحياة أبعاداً أخرى غير تلك المألوفة، فتجده متخماً بالدهشة والفرادة والاختلاف، أبعاداً تجعل الشاعر رائياً صوفياً يدّل على أسرار الوجد والوجود، وأخيراً، ما كل ما أسلفت سوى تصوراتي عن الشعر وما يعنيه لي.
كثير من الشعراء.. قليل من الشعر..
* كيف ترى حركة الشعر اليوم، وهل يمكننا القول بانحساره في العراق لصالح السرد عموماً، والرواية خصوصاً؟
-هناك الكثير من الشعراء والقليل من الشعر في أيامنا. ربما لاختلاف مفهوم الشعر بالنسبة إلى ممارسيه، ورغم تغّير الذائقة، يبقى الشعر الأخاذ يستفز العقل والوجدان، بصرف النظر عما يسود من نصوص لا شعر فيها. نحن في زمن ما بعد الحداثة وتماهي الأجناس، فبعض القصائد لا تعدو كونها قصصاً ضعيفة تفتقر إلى أبسط مقومات القص، وبعضها تهويمات لا تحيل إلى فضاء سوى اللغوي. أما انحسار الشعر فهو أمر لا يقتصر على العراق فقط، بل إنه حالة عالمية عامة، فالكثير من الشعر المكتوب بالإنجليزية أيضاً لا تنطبق عليه توصيفات الشعر، التي وردت في الرد على سؤالك السابق. أما سيادة الرواية وتغلبها على الشعر فهو أمر واقعي وعالمي أيضاً، فالرواية جنس تمكّن من جذب اهتمام القراء، وبالتالي حرّك سوق الكتاب بوصفة سلعة تجارية عليها أن تنافس من أجل البقاء، فضلاً عن كون الرواية متاحة للقراء جميعاً على اختلاف مستوياتهم، خلافاً للشعر النخبوي بالضرورة. كذلك فإن القص أو السرد يواكب إيقاع العالم الذي يعتمد الحكي والدراما في مفاصله كلها تقريباً، وما الصرعات التي تطالعنا كل يوم عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي إلا تنافس محموم على إخبار أفضل أقصوصة على شكل مقطع فيديو أو غيره، سعياً للحصول على المشاهدات، بعضها أصيل وبعضها تقليدي مفتعل، وهكذا في جميع السياقات.
عالمي الأثير
* لم تترجم سوى الشعر، فأنت ممن يكتبونه ويترجمونه، هل هو انحياز له أم شغف بترجمة ما تمنيت كتابته؟
– ترجمت الكثير من الشعر، نعم، ذلك لأن الشعر هو عالمي الأثير الذي أعيشه دراسةً وعملاً وتدريساً في الجامعة، ثم ترجمةً. أنا أفعل ما أجيده، اختياراتي للشعر المترجم إلى العربية نابعة من كوني أحب للقارئ ما أحب لنفسي، وأحاول جهدي أن أقدم القارئ الى شاعر متفرد أو قصيدة جميلة. لكن الشعر – وللأسف – يفقد الكثير من سحره عندما يُترجم، ولكن أفادتني تجربتي الشعرية البسيطة في نقل الأحاسيس، أو الهواجس والأفكار، التي رافقت الشاعر حين كتب القصيدة، لا نصّ القصيدة فقط. ثمة شعر كثير لا بد من أن يترجم، والكثير من العمل الذي لا بد منه فيما يتعلق بالاتجاه الآخر الذي عملت فيه في السنوات الأخيرة، المتمثل بترجمة الشعر العربي الى الإنجليزية لنقدم ما لدينا للقارئ العالمي.
* ترجمت من الإنجليزية الى العربية أكثر من خمسة عشر كتاباً أغلبها في الشعر، ما المحددات التي اخترت وفقها هذه النتاجات الأدبية؟
– في الواقع هذا العدد من الكتب ليس شعراً فقط، بل دراسات فكرية ونقدية أيضاً، والمحددات معظمها من صنع الناشر الذي تُرجم الكتاب لأجله، هم يختارون العنوانات، ويأخذون موافقات حقوق الملكية، ونحن نقوم بعملنا. وفي حالة الشعر، ثمة أعمال مهمة لشعراء بارزين يحتاج القارئ العربي، أو هكذا أزعم، الاطلاع عليها.
أزمة غير مسبوقة
* بعض المختصين يتحدثون عن فقر كبير في حركة الترجمة في العراق، مقارنة ببعض الدول العربية، ما رأيك؟
-بل هو فقر مدقع، وأزمة الترجمة التي نشهدها في العراق أزمة غير مسبوقة للأسف، وهذا التراجع لا يقتصر على مجال الترجمة فقط، بل ينطبق على كافة مشارب الحياة في بلدنا كما يعرف الجميع. إن ما يترجم في العراق من كتب في العام الواحد لا يكاد يذكر، ولا يليق بمكانة العراق الفكرية والثقافية التي احتلها منذ بدايات القرن الماضي، والأسباب وراء ذلك في رأيي كثيرة متشعبة، تبدأ من غياب المؤسسات الترجمية الرصينة التي تتبنى مشروعاً وطنياً واضح الملامح، مروراً بالعامل الاقتصادي الملح، وليس انتهاء بغياب العامل البشري المتمثل بالمترجمين المحترفين الأكفاء الذين يعملون بتنسيق وإشراف مؤسسة معنية بهذا الشأن. إن كثرة أعداد خريجي أقسام الترجمة لا تعني بالضرورة وجود مترجمين قادرين على ترجمة الكتب، أما من هم على مقدرة ودراية بالترجمة فهم في الغالب يعملون بجهود فردية، وهم في الأغلب غير متفرغين، وهذا يفسر كثيراً قلة الأعمال التي تصدر كل عام. أعطني مترجما مهنياً متفرغاً، وأجراً لائقاً، ومؤسسة رصينة غير مؤدلجة وفق رؤيا حزبية أو عقائدية محددة، أعطيك ما لا يقل عن 100 كتاب في العام. في العراق، تتعدد الجهات التي يفترض أنها ترعى ترجمة الكتب، ولكن المنجز الفعلي لا يكاد يذكر، فالجهود مبعثرة، والاختيارات هزيلة والمنتجات قليلة جداً.
سوق العمل
* باعتبارك أستاذاً أكاديمياً، كيف ترى إقبال الطلبة على قسم اللغة الإنجليزية في الجامعات العراقية؟
-ثمة تهافت ملحوظ على أقسام اللغة الإنجليزية، وهذا يعكس إدراك الشباب العراقي لمدى أهمية هذه اللغة في التواصل العالمي والحاجة إليها في سوق العمل. لكن واقعنا الأكاديمي، كما يعرف الجميع، ليس بمستوى الطموح، لذا فإن عدد الدارسين للغة المذكورة في الجامعات لا يوازيه عدد من يجيدون اللغة بطلاقة تمكنهم من العمل في حقل الترجمة، لا التحريرية ولا الفورية. لكن هذا الإقبال الشديد لا يخلو من منافع، فكلما زاد العدد، زادت فرص ظهور مترجمين جيدين فيما لو كانت هناك مؤسسة تدريبية للشباب المتخرجين في هذه الأقسام، لأن ما يتعلمه الطالب في الجامعة هو اللغة التي يحتاج تعلمها سنوات عديدة، بعدها لا بد من تأهيل وتدريب الشباب على فن وعلم الترجمة.
* ما جديد هيثم الزبيدي في الشعر والترجمة؟
– في الشعر سيصدر لي قريباً عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتّاب ديوان بعنوان (لأن هوميروس أعمى)، ويتضمن بعض نتاجاتي التي تحوم حول هواجس الهوية العربية والمتلقي الغربي، وكيف ينظر الغرب إلينا. أما في الترجمة، فأنا بصدد إكمال ترجمة ديوان الشاعر عدنان الصائغ (مرايا لشعرها الطويل) الذي فتنني منذ صدوره عام 1992 أيام كنت طالباً في المرحلة الأولى في الجامعة، حتى أنني حفظت عن ظهر قلب بعضاً من نصوصه، وحين التقيت الصائغ الجميل في معرض العراق للكتاب، طلبت منه أن أترجم هذا الديوان الى الإنجليزية، فوافق مسروراً على ذلك.