بمناسبة مرور 75 عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تراكيب فنية يجمعها معرض “سايكل” للفن المعاصر
زياد جسام
تصوير علب الغرباوي/
بالتعاون مع المعهد الفرنسي في بغداد، ومكتب حقوق الإنسان في العراق “يونامي”، أقامت (منظمة تركيب للثقافة والفنون)، مؤخراً، معرضاً مشتركا حمل عنوان “سايكل” شارك فيه 19 فناناً تشكيلياً، قدموا مجموعة من الأعمال التركيبية تدور أفكارها حول ثلاثة محاور رئيسة هي: الطبيعة، والمرأة، و2003.
أقيمت هذه الفعالية بمناسبة مرور 75 عاماً على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقدم المعرض نموذجاً يحتذى به كنشاط فني معاصر، جمع فيه الفنانون المشاركون أعمالاً معاصرة مختلفة، كالمنحوتات والتركيبات والواقع المعزز والسرد ومقاطع الفيديو وتصميم الملصقات والتصوير والعروض الأدائية.. سمي هذا المعرض بـ “سايكل” أو “الحلقة”، لأن مواضيعه الرئيسة هي: “الطبيعة، والمرأة، و2003” ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعضها ببعض، بحيث لو كان هناك رابط واحد مفقود تتعطل الحلقة.
منظمة تركيب
المشاركون في هذا المعرض هم أعضاء في منظمة (تركيب للثقافة والفنون)، وهم: “هيلا ميفس، ونور عبد علي، وعائشة، وتابي، ونور الوائلي، وميس هادي، وأكرم عصام، وعلي زياد، وآمنة علي، ومودّة أحمد، ولواء شمس الدين، وديار زياد، ولؤي الحضاري، وأمير أكرم، وزيد سعد، ومهند طه، وحسام محمد، وعاطف الجفال، وتقي محمد.” لا شك في أن هذه النخبة من الفنانين الشباب متميزون بنتاجهم الفني الذي قدموه في أكثر من معرض مشترك عن طريق هذه المنظمة الثقافية، فقد عرفت منظمة تركيب بدورها الفاعل في تنمية الأفكار وتطويرها لدى أعضائها الشباب، إذ اعتادت أن تقيم ورش عمل وندوات قبل البدء بتنفيذ المعارض المشتركة، لذلك يرى المتابعون لهذه المنظمة أن أنشطتها دائماً ما تكون ناجحة الى حد ما، لكونها مدروسة بشكل مكثف.
غرابة العرض
تميزت بعض الأعمال المشاركة في هذا المعرض بموضوعاتها وغرابة عرضها وتكويناتها، بل وحتى خاماتها، منها الأداء التركيبي الذي قدمه الفنان لؤي الحضاري، وحمل عنوان “الوطن الأم”، بمصاحبة موسيقى الفنان ديار زياد وتسجيل صوتي للفنانة آلاء حسين، الذي تقرأ فيه نصاً للفنانة عائشة، ليشكلوا مشهداً متكاملاً من تصميم أكرم عصام.
وعمل آخر للفنان لواء شمس الدين بعنوان “حفيظ”، وهو عبارة عن تركيب ملصقات تتناول بطريقة ساخرة الكارثة الاجتماعية والبيئية التي تواجه الأراضي الرطبة والواقع المؤلم الذي يعيشه سكانها في الأهوار.
هناك أيضاً لوحة للفنانة نور عبد علي بعنوان “التساؤل عن التلال الأثرية”، تتساءل الفنانة من خلالها عن تلك التلال الأثرية التي تقع في محافظة ذي قار، التي يساء استخدامها كتلال “أخطاء”، لكن ما الخطأ الذي نتحدث عنه ومن يعتبره خطأ..؟
كما قدم الفنان ديار زياد عملاً تركيبياً بارزاً ثنائي الأبعاد حمل عنوان “قلب المثقف”، وهو عبارة عن قميص يحمل في جيبه قلم حبر انتشر حبره على شكل بقعة زرقاء تغطي منطقة الصدر، تمثيلاً للنزيف الذي يعيشه بعض المثقفين العراقيين من مختلف أجناسهم، وقد استفز هذا العمل الكثير من الكتّاب والشعراء، إذ كُتب عنه مقال نقدي فلسفي بقلم الدكتور محمد حسين الرفاعي جاء فيه “كيف نفهم المُنتج الفني؟ وفي أيَّة معانٍ نعي ضرورته؟”
أفق الفهم
إن المنتج الفني إنما هو خلق، في كل مرّة، ومن جديد. فيه تكمن تلك الإمكانات التي تفتح أفق الفهم في الطريق إلى الحقيقة. الحقيقة هاهنا تؤخذ بوصفها شرط إمكان الحقيقة على الدوام.
إننا دائما قبلياً متورطون بالحقيقة بوصفها موضوعَ فهم وشعور وحياة؛ إنها كُلِية التجربة المعاشة في كل الأحايين. إن ماهية المنتج الفني إنما هي خلق الحقيقة، والطريق إليها. ومن جهة أن الطريق إلى الحقيقة يتوفر عليه بعديّاً؛ فإن الخلق في هذا الحيث يُفهم من حيث إنه فتح إمكان الطريق نحو المفاهيم والأفكار والشعوريات ضمن أفق الحقيقة. إن الواقع، مأخوذ على نحو أصلي، منظور إليه، أو لا يكون في الواقع، أي ضمن إمكانات الحقيقة في الواقع، نحن نبحث عن تلك المفاهيم والشعوريات المحضة، في صورتها الأكثر صفاءً وجلاءً، التي تمكّن التساؤل من أن يقوم من جديد على نحو جذري. إن التساؤل عن الحقيقة، عبرَ الواقع ومنظورات الفهم التي يقدّمها، أي يفتح إمكانها، يمكن أن يقوم على أرضية (إسثِتيكيَّة، إستطيقية- فلسفية جمالية) عبرَ المنتج الفني؛ أي عبرَ ذاك الإمكان للتساؤل عن الحقيقة الذي، بتوسُّطِ إمكان قبلي من شأن فهم الحقيقة، يخلقها، ولذا هو يمهِّدُ الطريق نحو مستقبل الحقيقة. يقع المنتج الذي يقدمه ديار زياد جسَّام في قلب هذا الإمكان؛ ويمثله. ولكن بعد أن يعي التّساؤل الأصلي في الفن؛ أي التساؤل عن الحقيقة، حقيقة الوجود بعامّةٍ، عَبرَ الواقع. إن ما ينتجه الفنان الشاب ديار يتميز بموقع معرفي يحدده القلق. ذاك القلق النبيل الذي يرعى مستقبل الحقيقة الإنسانيّة. إن الضروريّ فيه، في هذه الطريق نحو الإمكان الجديد في كل مرةٍ، إنما هو الكشف، أي كشف تلك الطرق الجديدة التي لا يمكنها أن ترى النور من دون الفن. فنّ النظرِ إلى المستقبل.
يذكر ان (منظمة تركيب للثقافة والفنون) هي منظمة مجتمع مدني غير ربحية وغير حكومية، إنها منصة للبحث والتدريب وإنتاج وعرض الفن المعاصر، وهي مخصصة لدعم وتقديم الفنانين الشباب في بداية مسيرتهم الفنية او في منتصفها. تأسست (تركيب) في بغداد عام 2015 وتديرها الألمانية (هيلا ميفس) مع زيد سعد، قدمت منذ التأسيس حتى الآن العديد من المعارض المشتركة والمهرجانات الفنية، منها ما جرى عرضه في الشارع مثل “بغداد ووك”. ومهرجان “تركيب بغداد للفنون المعاصرة ” وغيرها من الفعاليات التي عادة ما ترتبط بمناسبة عالمية أو محلية.