الشاعر إيهاب شغيدل: المثقف رقيب السلطة وناقدها الأول

308

حوار / علي السومري/

أحد مؤسسي مجلة (مسقى) الشعرية، يرى أن الشاعر العراقي، وقبل ظهور صورته الأخيرة، عليه تحطيم عشرات الآباء، وأن النصّ العراقي ما يزال رائداً في التجديد والمغايرة، ويدين للـ (ميديا) لمساهمتها في توفير الحرية واللامركزية في النشر. إنه الشاعر إيهاب شغيدل، الحاصل على شهادة البكالوريوس في علوم الحاسبات من الجامعة المستنصرية، الذي أصدر (144 م2)، مجموعته الشعرية التي لاقت استحسان النقاد والقراء.
نشر العديد من النصوص والمقالات الأدبية في المواقع والدوريات والمجلات الثقافية والأدبية المتخصصة، كما أعد مجموعة من الحوارات والمقابلات الصحفية للمجلات والمواقع مع نخب ثقافية وشعرية، وعمل في صناعة المواد الصحفية والصحافة الاستقصائية في مواقع عدة.
مجلة (الشبكة العراقية) حاولت تسليط الضوء على تجربته الإبداعية عبر حوار معه، ابتدأ بسؤال:
* إن أردت تعريف الشعر بالنسبة لك، ما الذي ستقوله عنه؟
– لا يمكن بشكل دقيق تعريف الشعر، حسب فهمي، فإن الشعر هو أن تمنح حياة جديدة للغة، هذا ليس تعريفاً، ربما هو تصور.
* هل ترى أن المنافسة عادت من جديد بين أنواع الشعر، العمودي، والتفعيلة، والنثر، بعد سنوات هيمن فيها الأخير على الساحة الشعرية؟
– شخصياً لا أفهم الشعر من منطقة التنافس، ولا أفهم الكتابة بوصفها عملية قابلة للقياس من هذا الجانب، قد أحيل تعدد الأشكال إلى جملة ظروف تاريخية وفكرية، إضافة الى فهم الشاعر للشعر، إضافة الى ذلك، ثمة ما يبرر هذا التعدد، الذي يكتب الشعر بشكله الكلاسيكي لديه قناعاته، وهكذا الأمر مع من يكتب قصيدة النثر.
* هل هناك آباء للشعرية العراقية؟
– هذا لا شك فيه، بل يمكن القول إن الشاعر العراقي عليه أن يحطم عشرات الآباء، قبل أن تظهر صورته، قبل العثور على هويته، أن يمر على عشرات الأسماء الشعرية الراسخة، تجارب أثرت في الشعر العربي إجمالاً، انطلاقاً من (السياب) ورواد الشعر الحديث، مروراً بما بعد الرواد، ومن جانب آخر ثمة تجارب في الشعر الكلاسيكي الذي لديه سياقه وآباؤه أيضاً.
* في خضم هذا الكم الهائل مما يكتب من نصوص، كيف تقيم النصّ العراقي اليوم؟
– لست من دعاة الإقلال في الكتابة، أو وضع أقفال على الكمية، كل كتابة جديدة هي مشروع، من الممكن أن ينجح لو توفرت فيه شروط النجاح، الكتابة في تصوري ليست حكراً على أحد، كما أنه لا يوجد حراس على مقهى الكتابة، وانطلاقاً من هذا الكم، الذي هو اليوم سمة عالمية، ظهرت نصوص متفاوتة الجودة، كما هو الحال في كل عصر، النص العراقي اليوم ما يزال رائداً في التجديد والمغايرة، ثمة نصوص مغامرة، قد تنتج لاحقاً نصوصاً ستصبح مثالاً فيما بعد.
* كيف تصف تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على ما يكتب من نصوص شعرية، وهل كان تأثيرها سلبياً أم إيجابياً؟
-في المجمل أنا مع اتساع رقعة الكتابة، مع هذه الحرية واللامركزية التي توفرها (الميديا)، وشخصياً لا أفضل العيش في عصر تبقى فيه وسائل النشر حكراً على سلطة أو مجموعة ما، إذ إن شرط الكتابة الحرية، حرية مرور النص، سرعة تداوله أنتجت جيلاً شعرياً بدأت ملامحه تظهر بوضوح، جيل لديه معاييره في الكتابة والتلقي، ولا أرى لحظة ظهور مجموعة نصوص غير جيدة قد تؤثر على العملية الشعرية فيه.
* دون نقد، تبقى غالبية التجارب الإبداعية ناقصة، هل أثر غياب النقد على مجمل الحركة الثقافية، وهنا أعني الرواية والقصيدة؟
-في الحقيقة أن غياب دور النقد يمتد إلى أبعد من النص الأدبي، غياب النقد ينسحب على دور النقد بالمجمل، فهل بحث النقد العراقي في إشكاليات الدولة؟ هل لديه دور في إنتاج خطاب اجتماعي؟ هل أنتج وعياً مغايراً؟ أم أنه بقي في ثنائية (الـ) الشخصية للناقد؟ بالمجمل يكرس النقد التجارب بناءً على انحيازات آيديولوجية، فالناقد البعثي يكرس النص البعثي، والناقد الشيوعي يكرس الشعر الشيوعي وهكذا.
* هل يقتصر دور المثقف على الكتابة ومحاولة ابتكار أساليب ابداعية جديدة، أم أن له وظائف أخرى تتعلق بمجتمعه ومصيره؟
– ما دام هناك أكثر من تعريف أنثروبولوجي للثقافة، إضافة الى التعريفات التقليدية، يجب أن يتسع تبعاً لذلك تعريف المثقف، منها ما هو اجتماعي، في اعتقادي الشخصي، أن المثقف قبل أن يكون منتجاً للنص، هو صانع خطاب، معني بالشأن العام، فهو من يغذي الرأي العام بالتصورات، والرؤى والأفكار، أما الانزواء لكتابة النص فحسب، فهذا دور تقليدي يكرس هيمنة السلطة ويجعلها دون رقيب، المثقف رقيب على السلطة وناقدها الأول، وهنا أذهب لتعريف (غرامشي) للمثقف العضوي، الذي يؤدي دوراً حيوياً ويدافع عن مصالح الطبقة التي ينتمي إليها، وغيرها من الصفات التي يضعها.
* هل يشكل تدني نسب القراءة على قيمة ما يكتب؟
– لا يعول النص على عدد القراء، لا يعول على بناء جماهير غفيرة، يبحث النص عن قارئ، قارئ يتفاعل معه، ويفهمه، ويدرك قيمته الشعرية، فهذا القارئ قد يعيد إنتاجه كقيمة جمالية وفكرية ولغوية، جودة النص تتعلق في فهم المنتج له لعملية الكتابة، بينما تبقى القيمة الرمزية للنص ثابتة لا تتغير، مهما كان عدد القراء، فهل يضعف نص المتنبي مثلا حين يقل الإقبال عليه؟
* ما الذي تقدمه المهرجانات الشعرية للشعر، ولاسيما أن بعضهم يرى هذه الفعاليات على أنها مناسبات للقاء الآخرين ليس إلا؟
– المهرجان ليس أكثر من فرصة بسيطة لسماع بعض النصوص، ورؤية بعض الأصدقاء، هذا تصوري طبعاً، في العراق صارت المهرجانات فرصة لإثارة الضغائن، والانحيازات الطائفية والدينية والقومية أيضاً، وهذا ما حصل مثلاً في المربد الأخير، لا يكرس المهرجان شاعراً على حساب آخر، ولا يعزز قيمة ما لا قيمة له، بالمجمل هو يوم لطيف، لا أظنه أكثر من ذلك.
* ما جديد إيهاب شغيدل؟
– أعمل على ثلاثة مشاريع في آن واحد: كتاب شعري اكتمل بعد ثلاث سنوات من العمل عليه (كوب شاي يبرد)، وكتاب آخر بدأت العمل عليه منذ أشهر، إضافة الى كتاب سردي أمضي فيه ببطء شديد.

عطر المغادرة

الكثيرُ من الطيور
تموتُ جراءَ حصاةٍ طائشة
ربما يكونُ قد رماها طفلٌ ما
وكان يقصدُ أن يلقيها في المياه
الكثيرُ من الطيور
تغادرُ أعوادَ الأشجار
جراءَ مرورِ رجلٍ لا يعرفُ إلى أين يتجه
إنَّنا نضيعُ
في ذلك الريش الَّذي يسقط
نتبضعُ أجنحةً من ذلك العطرِ
عطرِ المغادرةِ
والسيرِ إلى المجهول.