كُتبيون في شارع المتنبي: الشعر يُهزم والرواية تندحر أمام سطوة التنمية البشرية
استطلاع / علي السومري/
دائماً ما يشغلنا سؤال عن ماهية الكتب الأكثر مبيعاً في المكتبات، أو الأكثر طلباً من قبل زوار دور النشر في معارض الكتب؟ هذا السؤال ليس بجديد، لكن السبب في إعادة طرحه بين فترة وأخرى هو اختلاف مزاج القارئ وتغيره بسبب عدة عوامل، منها طرق تسويق بعض عناوين الكتب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو الترويج لبعضها الآخر من قبل أسماء مشهورة في الوسط الثقافي، وفي كل مرة نحقق أو نستطلع آراء عدد من الناشرين أو باعة الكتب، نجد بأن الأجوبة اختلفت!
أمزجة القرّاء
كلما أجرينا استطلاعاً من هذا النوع، نجد أن كتب التنمية البشرية موجودة ضمن قائمة الكتب الأكثر اقبالاً من قبل القراء، الكُتبي (ناجي عبد الزهرة الكناني) من مكتبة ودار نشر (نابو) في شارع المتنبي يقول: “النوع الأكثر انتشاراً ومبيعاً من الكتب هي كتب التنمية البشرية، وكتب الطاقة، وهذا نتيجة التغير الحاصل في مزاج القراء في الوقت الحالي”، مشيراً إلى أن هذه الكتب تجد رواجاً لأسباب عدة، منها الاعتقاد بقدرة هذه الكتب على تحسين أمزجة القراء ومساعدتهم في إدارة حياتهم وأعمالهم.
أما الكُتبي (حسن أكرم) من دار ومنشورات (الرافدين) فأشار في حديثه إلى أن كتب التنمية البشرية أزاحت كتب السرد والنثر وكتباً أخرى، عازياً ذلك الى بحث قرائها عن أجوبة أسئلة تراودهم، وكمحاولة منهم لترميم حيواتهم.
في حين تحدث الكُتبي (علي حميد)، المشرف على داري (درابين) و(أكاد)، عن هذه الموضوعة قائلاً: “مازالت كتب التنمية البشرية من الكتب الأكثر تداولاً في السوق، ربما لسهولة قراءتها وبساطة موضوعاتها، وهو ما يجعلها في متناول الجميع وبمختلف شرائحهم وتخصصاتهم.”
كتبٌ ملهمة
جولة صغيرة في بعض مكتبات شارع المتنبي ستشي لك ببعض الكتب التي تُعد الأكثر مبيعاً عن هذه الدور، ولا يعني هذا أنها الأكثر طلباً في السوق، كتبٌ تتناول سير شخصيات مشهورة، أو كتب فلسفة معاصرة، وحتى تجارب معاشة، وأيضاً الدراسات الثقافية، التي يعدها مقتنوها بأنها تلهمهم وتساعدهم في خوض تجربة أصحابها. ناجي عبد الزهرة أشار الى عدد من هذه الكتب الصادرة من دار نابو أو دور أخرى، حين قال: “توجد كتب معينة مطلوبة أيضاً، ككتب الدراسات الثقافية والطب النفسي، والفلسفة الرواقية، أي فلسفة الحياة المعاشة، التي تساعدك على التناغم مع الحياة بعيداً عن التنظيرات الكبرى للفلسفة ومُثلها العليا.” وذكر (عبد الزهرة) عدداً من الكتب، بينها (دليل إلى الحياة الكريمة)، و(فيلسوف القلب)، و(ربما عليك أن تكلم أحداً)، و(الخوف من الأفول)، و(حقيقة الحب)، و(إنكار الموت)، و(دائرة الوعي المغلقة) للباحث سعدون محسن ضمد، و(أرض جاهزة للفاشيين) لفارس حرّام، إضافة الى كتب السيرة مثل (سيرة دافنشي)، و(مايكل أنجلو)، و(سيرة بغداد)، وكتب أخرى.
سيرٌ ذاتية
تختلف العناوين بحسب دور النشر، حسن أكرم ذكر بعض العناوين المختلفة كأكثر الكتب التي يأتي رواد السوق لاقتنائها مثل كتاب (فن الإغواء) لروبرت غرين، الذي يتناول تجارب أوروبية وتأريخ أوروبا، ويتضمن قصصاً مشهورة، يصل فيه مؤلفه إلى استنتاج شخصي مفاده أن الناس الأذكى بفتح الحوارات هم ممن يتوجهون بأسئلة ذكية، وليس الذين يتحدثون عن أنفسهم، مضيفاً: “لدينا سيرة حياة اللاعبين (ميسي) و(رونالدو)، وكتاب حديث بعنوان (ملامسة الفهد) لجون بيركنز، وهو سيرة ذاتية للكاتب يتحدث فيه عن تجربته ورحلاته في بعض مناطق العالم ومروره بتجربة مريرة أوصلته إلى مرحلة الاحتضار.”
في حين أشار علي حميد الى بعض العناوين المطلوبة من مكتباتهم، مثل كتاب (أسطورة سيزيف) لألبير كامو، و(عربات الموت – موجز تأريخ السيارات المفخخة)، و(جمهورية القمع) الذي يتناول العراق في عهد الديكتاتورية، ورواية (شواطئ الدم، شواطئ الملح) لإبراهيم حسن ناصر، و(الأعمال الشعرية الكاملة لغني محسن البهادلي)، و(ثلاثة وجوه للفلسفة) لأندريه كريسون، والأخير تناول فلسفات ديكارت وروسو وهيجل.
أفكارٌ مسموعة
لا يمكن لأي متابع للشأن الثقافي، وبالأخص سوق الكتب، أن يغفل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج (البودكاست) على مبيعات الكتب. وفي هذا الأمر تنقسم الآراء، فمنهم من يرى أن تأثيرها إيجابي وآخرون يرون العكس، ناجي عبد الزهرة يرى أن (الميديا) عموماً أسهمت كثيراً في الترويج للكتاب، من خلال الـ (بلوكرية)، مشاهير مواقع التواصل، والمدونين، وأيضاً برامج (البودكاست)، التي عدّها بمثابة الموجّه لمزاج القارئ، بعد أن انحسر بحسبه تأثير المثقفين بتوجيه القارئ أو تحفيزه لشراء كتب معينة!
أما حسن أكرم فكان رأيه مختلفاً عن رأي عبد الزهرة، إذ قال: “اعتقد أن السوشيال ميديا هزمت الكتب، وأن تأثيرها اليوم حاسم مقارنةً بالسنوات الماضية.” وفيما يخص برامج (البودكاست) أوضح (أكرم) أنها أثرت كثيراً على سوق الكتاب، إذ أتاحت هذه البرامج للمتلقي الاستماع لتلخيصات مكثفة عن الكتب من قبل مفكرين ومثقفين كبار، وهو ما دفع بالقراء الى عدم شراء بعض الكتب التي استمعوا لما تطرحه من أفكار في هذه البرامج.
الكُتبي علي حميد لم يختلف رأيه عن رأي أكرم، إذ أشار في حديثه الى التأثير السلبي لمواقع السوشيال ميديا على نسبة مبيعات الكتب، وبالأخص متابعيها عبر الموبايل، الذي قال إنه أخذ الكثير من جرف قراءة الكتب واقتنائها، مضيفاً: “وهناك أمر آخر لافت للنظر، وهو عزوف غالبية المثقفين والفنانين والأكاديميين عن شراء الكتب، وهنا لا أتحدث بعمومية، لكننا وصلنا الى مرحلة بتنا نعرف من يشتري الكتب ومن يأتي كسائح أو زائر لشارع المتنبي.” مبيّناً أن هذا العزوف أضر كثيراً بدور النشر التي أغلق البعض منها والبعض الآخر اضطروا لتسريح نصف العاملين فيها تجنباً لخسارات مالية متتالية.
كساد الرواية والشعر
ونحن نستطلع آراء باعة الكتب، أثارنا عدم تطرقهم الى كتب الشعر والرواية ونسب الإقبال عليها، ما اضطرنا لتوجيه سؤال للمشاركين عن هذا النوع من الكتب.
يقول ناجي عبد الزهرة: “الشعر منذ سنوات طوال وهو في انحدار من ناحية المبيعات، والرواية التي كان سوقها رائجاً في فترة ما، وبالتحديد من عام 2003 وحتى عام 2015، قل الطلب عليها، وهنا لا أخص الروايات العراقية فقط، بل العربية وحتى المترجمة منها.” واستثنى عبد الزهرة بضعة روائيين عالميين بينهم (ديستويفسكي) و(ماركيز) اللذين مازالت كتبهما تلقى رواجاً، إضافة الى بعض الكتب الكلاسيكية مثل (نساء صغيرات)، و(ثمانية أبناء عمومة).
ولم يختلف رأي حسن أكرم بشأن قلة مبيعات كتب الشعر والرواية عن رأي عبد الزهرة، إذ قال: “تكبدت الرواية العراقية والعربية خسارة فادحة أمام أنواع أخرى من الكتب.” مشيراً إلى تأثير وباء كورونا على هذا السوق وتغيير أمزجة القراء، وكأن الناس فقدوا الثقة بالرواية العراقية. وهو ما أكده علي حميد أيضاً، الذي كان مستغرباً من عزوف القراء عن اقتناء الروايات العراقية، مضيفاً: “ربما تكمن المشكلة في متن ما يكتب داخل الرواية العراقية وعوالمها.”