صلاح السعيد يعيد التذكير بطقوس وعقائد ما بعد الموت

17

خضير الزيدي

يلفت انتباهنا الباحث والمترجم صلاح السعيد بتناوله طقوس وعقائد تخص عالم الموتى في كتابه الصادر عن (دار تموز) للطباعة والنشر والتوزيع في سوريا. الكتاب يرصد في محتواه الداخلي، مجموعة من الأفكار والتقاليد في أزمنة مختلفة لقبائل وشعوب متعددة.

لأن مفهوم الموت يتخذ أكثر من طابع روحي ومادي، فقد تعددت الأفكار والتصورات الغيبية والمعتقدات الدينية على أساسه، فلقد ركز كثيرون، ممن اهتموا بالدين من جهة وبالميثولوجيا من جهة ثانية، بطبيعة ومفهوم الموت. وهذا الكتاب الذي بين أيدينا ينبهنا إلى شيء من التاريخ القديم، وكيفية تعامل القبائل مع هذا المفهوم عبر مراجعات قرائية أكدها الباحث وفقاً للمشاهد التاريخية والبحوث المهتمة بذلك.
أجساد جديدة
في استهلال كتابة، يشير السعيد إلى متبنيات نظرية (إدوارد تايلر) في الثقافة البدائية، التي أطلق عليها (النظرية الروحية)، التي يرى فيها كيف تتحول النفس في أجساد جديدة، وتنطلق إلى تكوين الروح، ومن ثم تصعد إلى درجة عالية تسمى (آلهة)، وينتهي بها الخطاب إلى إله واحد. يعالج الكتاب مسألة الموت من منظور ديني، إذ يعرفه بأنه عبارة عن خروج الروح من جسم الإنسان والانتقال إلى مرحلة حياة أخرى. ثم يعيد التركيز على الاهتمام بدفن الموتى من منظور قرآني. وتجري الإشارة في هذا السياق إلى قصة هابيل وقابيل، والاختلاف الناجم بينهما كما هو مسرود في النص القرآني.
ديانات رافدينية
محتوى الكتاب قائم على الاهتمام بالأفكار والتقاليد التي عالجت مفهوم الموت، متضمناً كثيراً من القراءات، منها ما يتعلق بمدافن إنسان النياندرتال والعصر الحجري الحديث، إضافة إلى التذكير بالصيغ والمفاهيم التي تبناها أناس عاشوا العصر الحجري الحديث، المسمى (النيوليتي). يضيف لنا صاحب كتاب (طقوس وعقائد ما بعد الموت) بمعلوماته القيمة جملة أخبار عن عصر البرونز، وحضارة عصر العبيد، والسومريين ونظرتهم إلى العالم السفلي، والحياة في الآخرة. وهناك أيضاً قراءة تعددت فيها الأفكار والشروحات، ينبهنا فيها السعيد إلى نظرة الديانات الرافدينية القديمة لعالم ما بعد الموت، ويشير في ذلك إلى قصة كلكامش.
أما في قراءته عن الديانة اليهودية ونظرتها للموت، فيجد أن اليهودية تؤمن بقدرة الله الخالق، إذ ترى في الموت انطفاء وتلاشياً وعدماً، وأن الجسد تحل فيه مادة الروح، التي هي الحياة المحركة لذلك الجسد. في هذا الموضوع يقسم الباحث النظرة إلى عناوين عدة، أولها عبادة ما بعد القبر عند اليهود، والقرابين البشرية لديهم، والتصورات الأخروية في التوراة، إذ يجد أن التصورات التوراتية تنسج عن حياة ما بعد الموت على منوال التصورات الرافدينية والسومرية القديمة.
موت وولادة
وعن طقوس الموت عند المسلمين، يذهب الباحث في كتابه إلى جملة مفاهيم يأخذ منها ما يتعلق بنظرة (الشيعة) عن الموت وعذاب القبر، والموت وما بعده، والمعتقدات الشعبية. ويعالج أيضاً في ذات السياق الرؤية التفكيرية للطائفة النصيرية التي تتمركز في اللاذقية بسوريا، حيث ادعى أصحاب هذه الطائفة بالتناسخ، وجحدوا البعث والنشور، وأسقطوا الثواب والعقاب. ويقترب المؤلف هنا من الدروز ونظريتهم في تناسخ الأرواح. إذ تقول الكتب الدرزية إن الله حدد منذ البدء عدد الكائنات في كل عالم، فكل موت يستبدل بولادة، ومن معتقدات الدروز أيضاً أن الأرواح تتقمص الأجساد فيما بينها.
ولا يكتفي السعيد بهذه الأفكار والتصورات الخاصة بمعتقدات تلك الأقوام، بل يتبع التطرف في متن الكتاب إلى ما تبناه الصابئة من معتقدات تجاه مفهوم الموت، فالمعتقد الذي تقوم عليه فكرة الصابئة عن موضوعة الموت، يكمن في أنه ارتحال، وليس فناء، انتقال وليس اندثاراً. بعدها ينتقل إلى الإيزيديين وطقوسهم، ليوضح أن مراسم الموت تستوجب حضور الشيخ ليقوم بالواجب، وإن تغيب فهناك من يمثله من العائلة، وإذا كانت الميتة عروساً أو في سن الزواج ألبسوها افخر الثياب ووضعوا عليها حليها.
من هنا نجد أن صاحب كتاب (طقوس وعقائد ما بعد الموت) يشير إلى العديد من الديانات والمعتقدات، فهو يوسع من معلوماتنا بكتاب قيم نجد فيه التحليل الدقيق والمثابرة في كشف معالم أقوام سالفة ظل الموت هاجساً ذهنياً وروحياً لديهم. لهذا نقرأ فصولاً عن القبائل الأسترالية وطقوسها في مسألة الدفن، وعقيدة ما بعد الموت عند المصريين القدماء، وطقوس الموت في الجاهلية وعند العثمانيين والسلاجقة والبربر، كذلك نجد أفكاراً في طرائق تحضير الجنائز.