
في ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر 9 نيسان.. ألم الماضي وأمل المستقبل
علي عبد الزهرة /
لم يكن يوم التاسع من نيسان 2003، يومًا عاديًا، بل كان لحظة مفصليةً في تاريخ العراق الحديث، فيه شهدت المنطقة سقوط أعتى الديكتاتوريات في العالم، في مشهد اختصر عقودًا من القمع والظلم والرعب، عقود من القتل والدمار انتهت ما إن سقط تمثال الطاغية في ساحة الفردوس، لتتفتح بعدها نوافذ الحرية على مصاريعها، كاشفة حجم الدمار الذي لحق بالعراق وأهله طوال سنين حكم البعث الدموي، الذي ظل جاثمًا على صدور العراقيين لفترة طويلة.
لكل مأساة جذرها، ومأساة العراقيين لم تبدأ مع صعود الطاغية إلى السلطة فحسب، بل تعود جذورها إلى الانقلاب الدموي الذي قاده القوميون وحزب البعث في 8 شباط الأسود عام 1963، ليتدفق جريان الدم على أرض بلاد ما بين النهرين حتى عام 2003.
بدأ البعثيون بإحكام قبضتهم على السلطة عبر الاعتقالات والتعذيب وتصفية المعارضين، في وقتٍ تحول فيه البلد إلى ساحة صراعات كان أبناؤه وقودها، لكنه لم يكتفِ بذلك، إذ أشعل حرباً مدمرة استمرت ثماني سنوات مع إيران، استنزفت طاقاته البشرية والاقتصادية.
إدمان الدم في جسد السلطة آنذاك، دفعها لارتكاب جريمة جديدة، غزو الكويت، البلد الجار، جريمة فتحت أبواب الجحيم على مستقبل العراق، الذي مازال حتى اللحظة يدفع أثمانها، بدأت بحصار اقتصادي خانق على العراقيين، الذين دخلوا بعده في نفق اليأس والجوع والفقر، غزو انتهى بخسارة كارثية للعراق واقتصاده، وفي لحظة استعادة للذات العراقية الجريحة، كاد العراقيون بانتفاضة باهرة، انتفاضة آذار (الشعبانية)، أن يسقطوا الطاغية، لولا التدخلات الخارجية التي اعادت الحياة لجسد النظام الميت.
في 9 نيسان 2003، علَت صيحات الفرح وارتفعت أعلام العراق في الشوارع، اختلطت الدموع بالابتسامات، وأيقن العراقيون أن ما كان مجرد حلم صار واقعًا؛ حلم الخلاص من دكتاتورية كمّمت الأفواه وكبّلت الأيدي. لكن الفرحة لم تكن كاملة؛ فقد رافقها ألم الفقد، وصور المقابر الجماعية التي كشفت عن وجوه غابت في صمتٍ قسري، وعن قصص لعائلات انتظرت أبناءها طويلاً قبل أن تجدهم معصوبي الأعين في مقابر توزعت على خريطة البلاد.
لحظة اسقاط صنم الطاغية، كانت أيضًا استحضارًا لذكرى اغتيال الشهيد الأول، السيد محمد باقر الصدر، الذي وقف في وجه الظلم حتى يوم إعدامه في 9 نيسان 1980. وبين سقوط الديكتاتورية وذكرى فقدان الصدر، وجد العراقيون أنفسهم بين ألم الماضي وأمل المستقبل، وفيها استعاد العراقيون صوتهم مرة أخرى، لتتحول الهمسات إلى حكايات ملأت صحف العالم وقنواته الفضائية عن جرائم نظام استسهل القتل والترويع والتغييب طوال عقود حكمه الدموي.
9 نيسان لم يكن مجرد يوم في (الروزنامة)، بل علامة فارقة حملت معها وعودًا ببلدٍ ينهض من ركام الطغيان ليحلم بمستقبل أكثر عدلًا وسلامًا. منذ ذلك اليوم لم تتوقف الجهود الرامية للبحث عن القتلة الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق العراقيين، واحدة منها كانت اعدام الشهيد الصدر الأول وشقيقته نور الهدى.
في مطلع عام 2025 كتب رئيس مجلس الوزراء، المهندس محمد شياع السوداني، في منشور على منصة إكس: “يثبت رجال الأمن الوطني، ومعهم الجهد الأمني للدولة، أن تفانيهم يجري بالاتجاه الصحيح نحو ترسيخ القانون، وتأكيد عدم الإفلات من العقاب.” معلناً خبر اعتقال الخلية التي نفذت جريمة إعدام الشهيد الأول وشقيقته في 9 نيسان عام 1980، إذ جرى إلقاء القبض على المجرم سعدون صبري جميل القيسي وزمرته، الذين كانوا يشغلون مناصب حساسة في جهاز الأمن القمعي للطاغية، الذي اعترف بقتله الشهيد الأول وشقيقته، وتنفيذهم سلسلة إعدامات طالت معارضين آخرين للنظام البائد.
عملية الاعتقال التي جاءت بعد مراقبة دقيقة وتحقيقات مستمرة حول موقع (القيسي)، نجحت أخيراً بإلقاء القبض عليه في كردستان العراق. ومن خلال التحقيقات الأولية، بدأت السلطات بالكشف عن المزيد من التفاصيل حول تورطهم في عمليات قتل وإعدامات أخرى بحق شخصيات بارزة في العراق.
حدث لم يكن مجرد اعتقال شخص، بل فتح ملفات لم تغلق بعد، إذ تترقب العائلات العراقية محاكمة من تلطخت أيديهم بدماء الشهداء، وتورطهم في أبشع الجرائم ضد الإنسانية في حقبة النظام البائد.
هكذا ينتصر الدم على السيف مرة أخرى، ليكون للتاسع من نيسان أثر واضح في حيواتنا، حيوات طالما تنقلت بين ألم الماضي وأمل المستقبل.