د. علي الشلاه: مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية.. عراقي بمقاييس عالمية

57

حوار/ علي السومري
شاعر وأكاديمي وناقد، ولد في الحلة عام 1965، حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة برن السويسرية عن أطروحته (المرأة شاعرة ..القصيدة النسوية الحديثة)، رئيس مؤسسة بابل العالمية للثقافات والفنون، كما ترأس وأدار مؤسسات ثقافية عدة، عراقية وعربية ودولية، من بينها رابطة القلم الدولية فرع العراق. أسس المركز الثقافي العربي السويسري في العام 1997، شغل مناصب عدة، من بينها رئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب، رئيس هيئة أمناء شبكة الإعلام العراقي، ورئيس شبكة الإعلام العراقي.

أصدر كتبًا عدة، منها (ليت المعري كان أعمى)، و(التوقيعات)، و(شرائع معلقة)، و(العباءات والأضرحة)، و(البابلي علي)، و(غروب بابلي)، و(كتاب الشين)، و(أسئلة المأساة / كربلاء في الأدب العربي الحديث)، و(مالم يدونه الرواة)، و(لا باب للبيت) وقد ترجمت قصائده إلى تسع لغات عالمية.
إنه الشاعر علي الشلاه، رئيس مهرجان بابل للثقافات العالمية، منذ دورته الأولى حتى الآن، وبمناسبة انطلاق فعاليات المهرجان بدورته الثانية عشرة، ارتأينا إجراء حوار معه، لتسليط الضوء على منهاجه وضيوفه وما حققه من أصداء محلية وعربية ودولية، حوار ابتدأناه بسؤال:
* بعد نجاح دوراته السابقة، ها أنتم تطلقون دورته الثانية عشرة، كيف حافظتم على ديمومة واستمرارية وخصوصية مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية، في ظل الأزمات التي مرت على البلاد، والكم الهائل من المهرجانات العراقية؟
-لقد حافظنا على الديمومة بالإصرار، ومعرفة أن الثقافة الجادة فعل تراكم، وليست فعل مناسبتية ومزاجية متقلبة، لم نتراجع أمام إغراء تحويله إلى مهرجان غناء فقط، ولا فرض رسوم دخول للمسرح، لأن ذلك سيخرج المهرجان عن ثقافته النوعية، واحتفاء اليونسكو به لثلاث دورات، بوصفه جسراً للتواصل الثقافي العالمي.
اعترف بأن بعض الرعاة يضيقون ذرعاً أحياناً بإصرارنا على الرصانة، لكن وضوح الرؤية والهدف هو الذي قادنا إلى النجاح، خصوصاً في الدورات الثلاث الأخيرة، مع تعاون السيد رئيس الوزراء الكبير معنا، وتقديره لنجاحات المهرجان، وهو ما يشعرك بجدوى ما تقوم به، لأن الوسط الثقافي، ودولة الرئيس، ينظرون إليه كمهرجان مختلف.
* ما الرسالة التي حاولتم وتحاولون من خلاله إيصالها إلى العالم؟ وهل يمكن عدّ المهرجان، مناسبة للاحتفاء بالثقافة والفنون والكتاب العراقي؟
– مهرجان بابل للثقافات العالمية، مهرجان عراقي بمقاييس عالمية، يعيد الاعتبار للإرث الثقافي والفكري والفني العراقي، من خلال إعادة إطلاقه للعالم، ودعوة العالم إليه. نحن ننظم المهرجان وفي أذهاننا ليس مهرجانات المنطقة العربية، بل كل مهرجانات العالم الشهيرة، مستفيدين من خصوصية بابل في المسيرة الإنسانية.
إنه احتفاء بالثقافة العراقية، بوصفها نقطة الانطلاق المتجدد في الإبداع، وليس تلة البكاء على الأطلال.
* كيف تمكنتم من قطع العلائق ما بين مهرجان بابل للثقافة والفنون العالمي، و(مهرجان بابل)، الذي كان يقام في زمن الطاغية؟
– نحن حرصنا منذ تأسيس المهرجان على الابتعاد عن المهرجان السابق ومنهجيته، فالاسم القديم صار لصيقًا بالدكتاتورية ودعاياتها الفارغة في زمن الحروب والحصار وشعاره (من نبوخذ نصر إلى صدام بابل تنهض من جديد)، كلها مفردات أجبرتنا على قطيعة تامة معه، وأسسنا مهرجانًا جديدًا بالاسم والهوية والمنهج والأهداف، مهرجان بابل للثقافات العالمية وشعاره ذا البعد الإنساني، (كلنا بابليون)، في محاولة للنظر إلى دورنا المؤسس في الحضارة الإنسانية، من خلال إعادة الإنسانية إلى بابل بوصفها بابلية، انطلقت بحضاراتها وعلومها وفنونها من بابل، عاصمة العالم القديم، وليست عاصمة دكتاتور مهزوم، يقلب هزائمه إلى انتصارات بالأغاني، وتزوير الآثار، ووضع اسمه على الطابوق المضاف للمدينة وآثارها بشكل غير علمي، جعل اليونسكو تعترض على آثاريتها بشدة، وكلفتنا إعادتها للاعتراف العالمي جهوداً كبيرة.
* (بابل أم الحضارات)، و(كلنا بابليون)، شعارات أطلقت طوال أكثر من عقد، في مواسم المهرجان المتتالية، هل تمكنتم من خلالها بتسليط الضوء مرة أخرى على هذه المدينة العريقة، التي غيبها النسيان، وتشوهت معالمها في زمن الديكتاتورية؟
– للأمانة، بابل كنز حضاري لا مثيل له، ولم نحتج إلا إلى إزاحة شوائب الصورة القاتمة والمخيفة عن هالتها المضيئة. كل من ندعوهم من كبار الأسماء الثقافية في العالم، نجدهم قد راودتهم فكرة زيارتها بشكل شخصي، وماكان علينا إلا تأكيد هذه الرغبة وإطلاقها للعلن. بابل باب الإله، ستظل بوابة الجميل والعجائبي والمقدس، فهي المدينة الوحيدة التي ذكرتها الكتب السماوية كلها، مقرونة بالسحر والشرائع والفنون.
* ما بين الأدب والتشكيل ومعارض الكتب وأنغام الموسيقى، تنوع منهاج المهرجان، كيف زاوجتم هذه الفعاليات معاً، في وقت يعرف المتابع للشأن الثقافي أن لكل مجال إبداعي، جمهوره الخاص؟
– في خطتنا للمهرجان منذ التأسيس، أنه مهرجان مهرجانات، وليس مهرجان فن واحد فقط، ويسعدنا جداً أننا أثرنا في كل الفعاليات العراقية والعربية لاحقاً، من خلال سعيهم لجمع أكثر من فن واحد في فعالياتهم. نحن نختار بدقة، ولا نرتبك من النقد الذي ينطلق من عدم القدرة على دعوة الجميع. وحين يقال إننا ننظم فعالية عالمية بعقلية النخبة، فنحن لانجد ذلك سلبيًا، إذ ندعو أهم الأسماء في كل فن ونوع أدبي من العراق والعالم، ونريهم أن العراق في بوابة الثقافة أفضل حتى من سنوات الدكتاتورية، وقد نجحنا في دعوة أسماء فشلوا في دعوة نصفها، رغم ظروف الإرهاب والتخويف. نحن نقدم أفضل ما يمكن الاحتفاء به، عراقيًا وعربيًا وعالميًا، ولاحظ أسماء الضيوف لتكتشف ذلك.
* هل سيستثمر المهرجان ضيوفه وتألقه لدعم السياحة في بابل، وبغداد، خصوصاً بعد اختيار الأخيرة عاصمة للسياحة العربية 2025؟
– لا ريب في أن السياحة تتداخل مع الثقافة، ولاسيما في بعدها الآثاري، وإقامة مهرجان عالمي كبير بحجم بابل للثقافات العالمية، ونشره بوسائل الإعلام العالمية على نطاق واسع، وعرض صور وفعاليات الأسماء الكبرى، وهي تنشد أو تعزف أو تحاضر في المرافق التاريخية لبابل، تشجع الجميع على وضع العراق ضمن قائمة أولوياتهم في السياحة، وهو نتاج عرضي، لكنه مهم، ويشكل نهضة اقتصادية قادمة للعراق مع الاستقرار الأمني والتطور العمراني المتحقق.
* كم مشاركاً في هذه الدورة، ومن أي الدول؟
– الدولة المشاركة هي :إسبانيا، وسويسرا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وتركيا، وإيران، والهند، واليونان، وبولندا، والنمسا، وإيرلندا، وروسيا، وماليزيا، وكولومبيا، وأميركا، والبرازيل، ومصر، وسوريا، ولبنان، والجزائر، والمغرب، وقطر، والبحرين، والإمارات، والكويت، وسلطنة عمان، وفلسطين، والأردن، وسائر الدول العربية. أما عن المشاركين من خارج العراق، فقد وصل عددهم إلى ما يقارب الثمانين اسماً مهماً في الثقافة العالمية، بينهم الشاعر الفرنسي الجزائري حبيب طنكورا، والشاعر السويسري كرستيان أوتز، والشاعرة السويسرية الكبيرة إليان فيرنيه، والكاتب السويسري يوناس لوشر، والشاعر الأميركي الباكستاني، البروفسور خواجا وقاص، والموسيقي السويسري ميكي ماورار، والكاتبة السويسرية تيبا شتاينر، والآثاري البريطاني البروفسور فينكل، والكاتب الإيرلندي دومنيك راسونان، والشاعر الماليزي الكبير رجا أحمد، والشاعرة البولندية أ.د. مارتا ألوي سيشوكا، والشاعر الهندي الكبيرPrabal Kumar، والشاعر الفرنسي الكبير جويل فيرنيه، والشاعر الروسي الكبير فاديم تراخين، والشاعر الكولومبي الكبير فرناندو ريندون‏، والشاعرة الإيطالية السويسرية لوسلا ترابازو، والأديب الإيرلندي دومينيك وليامس. ومن المبدعين العرب، الشاعر الكبير جودت فخر الدين من لبنان، والأدباء المصريون، احمد الشهاوي، والروائية صفاء النجار، والمترجمة والشاعرة د. سارة حواس، والناقدة نانسي إبراهيم، والقاص عاطف الطيب، والروائي رامي رأفت، الحائز على جائزة الرواية من كتارا، وإيمان جبل، وهي من الروائيات اللواتي نلن اهتمامًا نقديًا كبيرًا، والشاعرة المغربية الكبيرة وفاء العمراني، وشعراء وأسماء مرموقة من دول الخليج جميعًا، إضافة للروائي الكبير عبده خال من السعودية، والشاعر أحمد العجمي من البحرين، والشاعرة سعيدة بنت خاطر من عمان، والشاعرة والأكاديمية الإماراتية مريم الزرعوني، والشاعر علي الفيلكاوي من الكويت، والشاعر عبد الحميد اليوسف من قطر، وتطول القائمة، ناهيك عن أهم أسماء الثقافة العراقية والسورية.
* ما جديد هذه الدورة، وما أبرز الأسماء المحتفى بها؟
– هذه دورة الاحتفاء بمصطفى العقاد، بمناسبة مرور 50 عاماً على فلم (الرسالة)، وقد دعونا عدداً من الفنانين والمخرجين المهتمين بالدراما التاريخية، وبعض نجوم الفلم، ولاسيما الفنان اللبناني منير معاصيري، الذي أدى دور (جعفر الطيار)، في الفلم، وكذلك أسماء نقدية، ودارسين درسوا الفلم بأطروحاتهم. كما سيجري الاحتفال بالذكرى الستين لرحيل السياب، رائد الحداثة العربية، إذ دعونا أسماء أدبية عربية كبيرة للاحتفاء بتجربته النادرة.