بيت أبو بيوت..
آمنة عبد العزيز/
في سنوات عمري الأولى، في تلك المساحة من الدعة، وعند جدار بيتنا القديم في محلة (الكسرة) وسط بغداد، كنا، نحن الصغيرات، نلهو بلُعَبٍ يشبهننا أو لَعِبٍ نرسم من خلاله بعداً للآتي من دون أن ندري أن ذاك اللعب يرسمنا!
ماء وطين، أدوات لعبنا، نعجن بعضه ببعضه ونجعل منه طيعاً لأيدينا الصغيرة ونفترش المكان بفرحة، ثم تتخذ كل منا ركناً للبداية, بداية فكرة تجهلها كل واحدة ونتخذ من تلك العجينة صناعة أشياء صغيرة تحمل فكرة كبيرة, كبيرة بحجم الحب للطين والماء.
كنت أحرص أن أبدأ عمل لعبي ببناء بيت بسياج غير مرتفع (آمن) كما سياج بيتنا وبداخل السياج غرف كثيرة وفي ركن الدار (تنور طين) كالذي في بيتنا، أشتغل بصناعته بحرص، وكلما عجزت عن إتقان شكله اتجهت بناظري لتنور أمي في الزاوية أسترق منه تفاصيل أخرى وأتم ما بدأت. كان بيتي، الذي أريد، واسعاً فيه صفات الطمأنينة بغرف كثيرة، يتسع لنا، وكنت أريده مشبعاً بالخير بصفات الخبز بتنور الطين، وكنت أراه آمناً بسياج غير مرتفع لا يهاب سواد الليل!
وبين تفاصيل البيت الذي شيدته بطفولتي كان هناك فرش من (حصير) من (جريد) نخلتنا في ركن الدار, وصحون صنعتها يدي من ذاك الطين جعلت بها كسرات خبز تنوري وحبّات تمر من نخلتنا (البرحية).
ولم أنس صناعة (الآدمية) بذاك البيت, رجل وامرأة من طين أجد بهما حياة وجزءاً مهماً بالحكاية, وكيف كنت أقتطع بعض الطين النقي (الحري) الطيّع والمتماسك أجعله بهيئة شاب يكون آخر الحكاية, شكلته يدي بصورة جميلة بملامح زمن بعيد، وكوني أعرف أنه ليس من أهل بيتنا خبأته بين طيات ثيابي!
لعبي هذا كان فيه كثير من الحب، كثير من الالتصاق، كثير من المعاني, وفي نهاية الحكاية نطلع بعضنا على بعض بما صنعنا، ونفرح وتتراقص ظفائرنا مع حركات رقصاتنا حينما نجد أننا جميعاً نتشارك فكرة بناء بيت يتسع بالأمان وبالرغيف والتمر والنخلة والحب وسياج بيت آمن, كل هذا وأكثر افتقدناه اليوم بلعب حكاية حب اسمها (بيت أبو بيوت)..