في فقه الإنسان المتعالي!

34

جمعة اللامي/
لو أن أحد المتعصبين الغربيين، اطلع على المنحنى الشخصي لسيرة الشاعر (يوهان غوته)، وتوقف عند ارتباط هذا الرجل الألماني الفذّ، بالرسول العربي محمد بن عبد الله، فإنه سوف يعيد ترتيب موقفه المعادي للإسلام، إذا كان قلبه يستمع إلى النداءات التي يطلقها الله تعالى في كل لحظة مَحبةً بالإنسان.

يا لحماقة البشر، عندما يُصرّ كلٌ منا على رأيه. إذا كان الإسلام معناه أن نسلم أمرنا إلى الله، فعلى الإسلام نعيش ونموت كلنا.”
(الشاعر الألماني: غوته)

أمّا إذا ما تعرف أحد المتشددين العرب المسلمين على رؤية غوته للسيدة (شارلوت فون ستاين)، الأم التي أنجبت سبعة أطفال لزوجها الذي هو ليس غوته، كما نعرف، فإنه سوف يرميه بالفسق والفجور، لأنه يحتكم إلى ناموس غير إلهي. وحتى لو تعرف هذا الأخير إلى مجاهدات غوته وعرفانياته ونزوعاته لأن يكون ممثلاً للمحبة والأخوة الإنسانية، وتوقف عند رأيه القائل: “ليس في العالم ما يجعل الإنسان ضرورياً لأخيه الإنسان، إلا المودّة”، فإنه سيرفض إشراقات غوته كلها، ويزدري أشواقه الإنسانية النبيلة. فهناك فرق بين التشدد والتسامح.

هناك من يتحدث عن الحبّ والمحبة، بمنطق التبغيض والتبئيس والتعنيف والمخاصمة، وهو يعتقد أنه يؤدي واجباً منصوصاً عليه في أمهات الكتب الدينية، بينما يتجاهل أن نسيج فقه الحبّ والمحبة هو التسامح، واحترام كشوفات الإنسان الذي يريد أن يكون صدى لهذا الحب الأعظم الذي نراه ونلمسه في كل حركة من شجرة، وكل تغريدة من طير، وكل قطرة مطر، وكل عويل ثكلى.
هؤلاء هم الذين يواجهون الناس خلف المذياع، وفي مَرْبع التلفاز، ومن فوق المنابر، فتراهم منفَرين، وتحسّ بهم مفرقين لا موحدين، وتلقاهم مصعّرين خدودهم للناس، يمشون فوق الأرض مرحاً، كأنهم طواويس لا تعرف أن سيقانها بلا ريش.
ونعوذ بالله من أن يجمعنا مع هؤلاء المتعصبين الذين يدعون لثقافة التباغض، والتباعد، والتجريم، والقطيعة مع الآخر، لأن لون شعره أشقر، وينسون أن صحابة الرسول الأكرم كان بينهم الأسود والرومي والفارسي والحبشي، لأنه (عليه أفضل الصلوات والسلام) تجسيم لفقه الحبّ والمحبة، حتى لكأَنَّ (غوته) كان يقصده شخصيّاً، عندما كتب على شاهد قبره “إنك كنت – بحق – إنساناً”.
وفي هذه الأيام، حيث يعلو صوت الهرْج والمرْج، أحرى بالعربي المسلم، خصوصاً، أن يذوب في محبة الرسول الأكرم، ويتفكر في جمالات نفسه الزكية، لعله يلتقي به، كما أراد غوته ذلك، في قلب عامر بالسرور والمحبة والعفة وخلوص النية والانقطاع إلى وجه الله الذي لا شبيه له.