لعلهم يتقون

160

نرمين المفتي/
كتبت في هذا الحيز قبل سنوات عن زميل كان قد انتقل إلى العمل في دائرتنا قبل شهر رمضان بأسابيع معدودة. ومنذ أول يوم عمل فيه معنا، عرفنا أن (هوايته) التي يمارسها منذ أن يبدأ الدوام هي اغتياب الآخرين، وكان حين لا يجد من يغتابه، يقابل المرآة ليغتاب نفسه.
انتهى أول يوم رمضان في تلك السنة من ثمانينيات القرن الماضي، ولم تبدر منه أية كلمة ضد الآخرين، ولم نسمعه يغتابهم، فقط للعلم أنه كان يغتاب حتى الذين يشاركونه الجلوس في المكتب نفسه فور مغادرتهم إياه ولو لدقائق.
في اليوم التالي سألته مباشرة عن عدم كونه على (طبيعته) في الحديث، فهمَ قصدي وأجابني بأنه صائم ولابد من أن يكون صيامه كاملاً، يعني أنه كان يعرف أن تصرفاته غير مستحبة وضد الأخلاق وتنافي الدين. بكلمات أخرى، كان يعرف حقيقته ويحاول مرة في السنة أن يكف عن أخلاقه البائسة التي كان يعود إليها فور انتهاء عطلة عيد الفطر. لكن هناك بيننا من رفضناهم كأصدقاء وفشلوا بدورهم في أن يصبحوا حتى زملاء عمل بالمعنى الحقيقي للزمالة، لا يعترفون بأخطائهم ولا يصومون عنها، حتى ولو بينهم وبين أنفسهم. وها أنا، مرة أخرى، أقدم لهم نموذجاً كان يعرف أنه على خطأ، لكنه لا يكابر في رمضان. ولابد لهؤلاء من أن يعرفوا أن غرورهم بنفاقهم لا شك في أنه سوف يوقعهم مهما استمر الزمن لصالحهم.. ولعلهم يتقون.
إنها همسة عالية في آذان الذين واللواتي حولوا رمضان إلى شهر للتباهي بالأزياء الخاصة والولائم والاستهلاك غير المبرر واستعراض تصدقهم على الفقراء، عكس مفهوم رمضان في الزهد والتواضع، وهمسة عالية ثانية في آذان معدّي البرامج على الفضائيات ومقدميها أن يرحمونا من الحوارات مع الضيوف الذين يحاولون أن يكونوا (ملائكة)، لأن ليس بيننا من يصدقهم، وأتمنى أن تختلف برامجهم هذه السنة، ولاسيما البرامج التي فيها شخصيات عديدة، التي تنتهي بدون أن يعرف المشاهد الصلة بينها وبين الواقع، وأن تكون تلك اللقاءات غير مكررة الأفكار والديكورات.
وكل رمضان والعراق ومحبوه بخير وحلم بالأفضل.