ضربة جزاء عشائرية تستهدف المشكلات الرياضية

269

علي الهاشمي – كاريكاتير: قاسم حسين /

ربما يتفوه أحد الرياضيين بكلمة غير مقصودة تسبب ضربة جزاء ضد العشيرة. ولطالما منعت العشيرة العديد من الأهداف المحققة قبل ان تتحول الى ساحة القضاء، وليس غريباً أن يحدث فصل عشائري رياضي في العراق، فنحن بلد (البدع والابداعات)، وقد يتحول (الراشدي) الرياضي الى جلسة عشائرية تتمخض عن فصل (من نوع جديد وبسعر خاص) وقد تتحول (مشادة كلامية) الى معركة بالبنادق يقودها أولاد العم بعد نهاية الشوط الثاني.
وإيذاناً بدخول الفصل العشائري أروقة الرياضة، فهل أن لكل حالة (مبلغاً معيناً)؟ وما موقف القانون والنقاد الرياضيين ورؤساء العشائر في العراق وأصحاب الاختصاص وأهل الرياضة، لو تسلل (قرار العشيرة) الرياضي الى جميع الألعاب ودخل حيز التنفيذ، وأصبح هو الحكم؟
حوادث.. ولكن؟
يقول رئيس نادي البياع الرياضي سعد المحياوي، عندما سألته عن (الفصول العشائرية) التي كانت أسبابها حوادث رياضية، ويقسم بأغلظ الإيمان بأنه، طوال مسيرته الرياضية مع النادي، لم تصادفه سوى حالة واحدة مرت به، لكنها لم تكن ترتقي الى الفصل العشائري، وكان سببها مشادة كلامية داخل الملعب، لكن تم تجاوزها عن طريق اللاعبين والمعنيين في الرياضة في النادي. وأكد (المحياوي) “أننا في عالم الرياضة بعيدون كل البعد عن (عالم الفصول العشائرية)، لأن الرياضة هي رسالة محبة وصداقة وعنوان للتآخي بين كل المذاهب والقوميات والأديان.”
“ربما تحدث بعض الحالات في المحافظات الجنوبية لأسباب لا تستحق حتى ذكرها، وقد يؤدي تداول مثل هذه الأمور الى انحسار الرياضة، فتتحول المباراة الشعبية الى (فصول رياضية)، وربما يقود جرح بسيط في القدم الى فدية بملايين الدنانير! بل قد يتحول (جلّاق) غير مقصود الى حرب عشائرية تشبه (داحس والغبراء)، لا ندري ماذا يخبئ لنا هذا الزمن الغرائبي، لكن علينا أن نتصدى لمثل هذه الحالات وهي في مهدها.”
الاعتذار الرياضي
فيما يرى السيد عبد الهادي السيد عكلة الموسوي، من ووجهاء السادة (البو حمد) في محافظة ميسان، وهو العارف بشؤون العشائر العراقية: إن “الرياضيين يتمتعون بروح رياضية، فكيف للرياضي أن يتنازل عن هذه الصفة الطيبة ويصبح من الذين يتشدقون بالعرف المرفوض الذي جرى تجاوزه من زمان، ولاسيما إذا كان هذا الإنسان مثقفاً واعياً، فالتسامح هو شعار الرياضين.”
يتابع (السيد عبد الهادي): “قد يحصل خلاف بين الرياضين غير المحترفين وغير المهنيين خلال لعبه شعبيه وفي ملعب شعبي فنتدخل لإصلاح المتخاصمين، وكان الأمر ينتهي بالصلح غالباً، وهذا الأمر حصل معي، عندما كسر سن ابن أختي (هاني) في أثناء لعبة كرة القدم في ميسان، فلم يزعل، ولم يترتب على الحادث أي شيء، على الرغم من أنه يحمل لقباً وظيفياً (مدير حسابات)، نحن نعد خلافات الرياضيين، سواء أكان الخلاف أثناء مباراة كرة، أو أي نشاط رياضي، سهلة ولا تترتب عليها آثار، لكننا (ابتلينا) بالناس الجدد الذين سوقهم المجتمع وهم لا يفقهون شيئاً في الأصول العشائرية.”
يواصل (عبد الهادي ): “لم تصادفني حادثه بين الرياضيين إلا وتم تجاوزها، فنحن مرتاحون من الوسط الرياضي، فإذا يريد بعضهم حشر خلافات الرياضين في الملعب أو الوسط، سامحه الله، فلا غرابه من ذلك، فهناك من يريد تدمير كل شيء حسن في هذا البلد، أما (دية) ذنب الرياضة فهي الاعتذار دون أن يترتب عليه أثر مادي.”
وبين السيد عبد الهادي أن “الاحتكاك في الألعاب الرياضية في أثناء اللعب لا يترتب عليه أي فصل عشائري، لأنهم رياضيون، وأية إصابة -مهما كان نوعها- يمكن حلها ودياً بين الطرفين، أنا لم أصادف، في عملي مع العشائر في ميسان خلال أكثر من (٣٠) سنة، سوى ثلاث حلات حدثت في الملاعب الشعبية، كلها انتهت بتسامح جميع الأطراف.”
نحن في قوانين العشائر ( والكلام للسيد للموسوي عبد الهادي) نعلم أن الرياضة لها سلطة خاصة شعارها التسامح والمحبة، ونعد استحصال الفصل في مثل هذه الأمور مرفوضاً قلباً وقالباً.
أما عن مبالغ (الفصول)، فنحن “نستند الى العرف الاجتماعي السائد والأمور المتعارف عليها اجتماعيا (السنينة)، والبعض الآخر يستنبط ذلك من الفقه الديني او فقه العشائر الذي يدرس في الحوزات الدينية، فمثلا في الدهس غير المتعمد تكون الدية (١١ مليوناً و٦٠٠ ألف دينار)، في حين أنها في القتل العمد قد تتضاعف، وقد تصل الى (١٠٠ مليون دينار)، بحسب الظروف الخاصة بالحادثة، لكننا لم نحدد سعراً للفصول الخاصة بالرياضة، لأننا أصلا نعد المطالبين بها متجاوزين على مبادئ العشائر العراقية الأصيلة من المحبين والمشجعين للرياضة.”
دورات تثقيفية
الكاتب والإعلامي الرياضي الإستاذ غازي الشايع توسع كثيراً في نقد هذه الظاهرة، وعزا أغلب أسبابها الى “كثر ة المشكلات التي يعاني منها الوسط الرياضي، ولاسيما عند الجماهير الكروية، وأن هذا الحال لم يقتصر على الوسط الرياضي، وانما امتد الى الوسطين الإعلامي والصحفي.” وفي رأيي ( والكلام لشايع ) فإن “هذا ناتج عن القصور في فهم القوانين الرياضية وتمييزها عن التعاليم العشائرية، ومن جراء هذا القصور أصبحت ظاهرة التهديد بالفصل العشائري هي الفيصل مابين المتخاصمين، وتلك كارثة كبرى.” والكلام (لشايع) الذي واصل حديثه : “لغاية الآن لم تقم أية مؤسسة رياضية او إعلامية أية ندوات تثقيفية في هذا المجال، لذلك علينا -إذا كنا نريد أن نتجاوز هذه الحالة الغريبة على الرياضة العراقية- أن نباشر بفتح مثل هذه الدورات المتخصصة لجميع المعنيين في المجالين الرياضي والإعلامي، وأن نعممها على جميع الأندية الرياضية في العراق.”
مدونة الخلق الرياضي
في الختام حرصنا على أن نستأنس بالرأي القانوني، فتصدى لهذا الأمر المحامي طارق الشرع، القريب من الوسط الرياضي، الذي قال: “القوانين العراقية جرمت فعل التهديد أينما يكون، سواء صدر من مواطن او رياضي او موظف، إذ نصت المادتان (٤٣٠ و٤٣١) من قانون العقوبات العراقيعلى تجريم الفاعل والشريك والمساهم والمحرض أينما يكون، وفي القوانين الرياضية لم يرد نص بهذا الخصوص (الفصل العشائري)، إلا أن مدونة الخلق الرياضي حددت عقوبات على الرياضي اذا ما هدد رياضياً آخر.”
ونوّه (الشرع ) بأن “هناك عقوبات فرضت على كل رياضي يخالف مبادى الميثاق الأولمبي وقانون الانضباط المحلي.”