نحو اقتصاد متنوع مستدام مشروع طريق التنمية : تحديات التمويل وآفاق الشراكة مع الصين

265

الخبير الاقتصادي د. زياد الهاشمي/
بعد مرور أكثر من عام على إعلانه من قبل الحكومة العراقية، ما يزال مشروع طريق التنمية ينتظر جذب الاستثمارات لتمويل المرحلة الأولى منه، التي تتطلب تمويلاً هائلاً قد يتجاوز الـ 17 مليار دولار. الحكومة العراقية تحفزت للتحرك باتجاه الصين لحثها على دعم المشروع، فقد التقى رئيس الحكومة العراقية مؤخراً مع وفد من شركة (بتروجاينا) الصينية، إحدى الأذرع المهمة لشركة البترول الوطنية الصينية لمناقشة عمل الشركة في قطاع الغاز والصناعات التحويلية داخل العراق،

جرى بحث مقترح ربط طريق التنمية مع مشروع طريق الحرير، في إشارة واضحة عن رغبة حكومية عراقية لكسب الصين كطرف فاعل في تمويل وإنشاء وحتى تشغيل مسارات طريق التنمية شمالاً وجنوباً.
اللاعب الصيني
إن دخول اللاعب الصيني في حلبة مشروع طريق التنمية سيخلق -بلا شك- نقلة نوعية ومهمة في مسيرة هذا المشروع الطموح، فلدى الصين، كما هو معروف، قاعدة صناعية ضخمة، كما أن لديها خبرات واسعة في العمل على إنشاء مشاريع وشبكات نقل دولية واسعة ممتدة عابرة للقارات، تمر من خلال دول عدة تربط ما بين مراكز التصنيع الآسيوية ومراكز الاستهلاك الأوربية. إضافة إلى القدرات الصينية المعروفة عالمياً في قطاع الخدمات اللوجستية وخدمات القيمة المضافة، وغير ذلك من إمكانيات وأدوات وامتيازات تمكن الصين أن تكون رقماً مهماً وصعباً في معادلة طريق التنمية العراقي. وعلى هذا الأساس، ولكي يحقق العراق أعلى فائدة ممكنة من دخول الصين كطرف مشارك في مشروع طريق التنمية، يمكن أن يكون التركيز في ترتيب الشراكة مع الصين على أساس محورين: الأول يتعلق بإنشاء الممرات البرية، التي تتضمن الطريق البري الدولي للنقل بالشاحنات، والممر السككي الرابط بين ميناء الفاو جنوباً والحدود الشمالية، مروراً بالمدن والمحافظات العراقية. والثاني يتعلق بالاستفادة من الطرف الصيني في إنشاء المصانع والمشاريع التنموية والمدن اللوجستية والصناعية على طول مسار طريق التنمية، سواء من خلال المبادرة الصينية الأشهر (مبادرة الحزام والطريق)، أو من خلال تعاقدات خاصة جانبية بين العراق والشركات الصينية برعاية حكومية صينية.
الشراكة العراقية الصينية
بعبارة أخرى، يمكن أن تشكل الشراكة العراقية الصينية نقطة انطلاق حقيقية لتنفيذ مشروع طريق التنمية، فيما لو تمكن العراق فعلياً من رفع مستوى تفاهماته مع الطرف الصيني للوصول إلى ضوء أخضر صيني لتمويل انشاء مسارات الطريق، سواء أكان تمويلاً كاملاً أو تمويلاً تشاركياً مع أطراف محلية عراقية أو دولية، وما يرافق ذلك من اتفاقات مع مراكز تصنيع صينية لنقل جزء، أو كل عملياتها التصنيعية، أو خدمات القيمة المضافة إلى داخل العراق والاستفادة من القرب الجغرافي العراقي من مراكز الاستهلاك الأوربية، التي تعد السوق الأكبر عالمياً لسلاسل الإنتاج والتصنيع الصينية.
ربط بري جغرافي
في المقابل، فإن الحديث عن تحقيق ربط بري جغرافي بين مسارات طريق التنمية مع ممرات الحزام والطريق الصيني، يصطدم بكثير من محددات الجغرافيا وضوابط منظومة النقل الدولي. فمن الناحية الجغرافيا، يقع العراق جنوباً وبعيداً عن ممرات الحزام البري الصينية بمئات الكيلومترات، التي هي عبارة عن خطوط سكك جديدة تربط مراكز التصنيع الصينية مع مدن الاستهلاك الأوربية مروراً بدول آسيا الوسطى، كذلك فإن الجغرافيا العراقية بعيدة أيضاً عن المسارات البحرية الرئيسة التي تنطلق من الموانئ الصينية جنوباً عبر البحار الدولية مروراً عبر قناة السويس وصولاً إلى الموانئ المحورية الأوربية. وبسبب هذا البعد الجغرافي بين العراق ومسارات الحزام والحرير الصينية، فإنه من غير المجدي اقتصادياً حرف تلك المسارات البرية والبحرية وإدخالها عبر الجغرافيا العراقية لنقل منتجات صينية تامة وجاهزة للاستهلاك أوربياً، لما سوف يسببه هذا الربط من عرقلة لانسيابية حركة النقل، وزيادة زمن وصول البضائع ورفع كلف النقل، وتعثر عمليات سلاسل الإمداد، والمسألة الأخيرة تعد من المسائل التي يهتم الاقتصاد الدولي في المحافظة عليها وعلى سلاسة واستدامة عملياتها لما لها من أهمية وتأثير مباشر على القطاعات الاقتصادية كافة شرقاً وغرباً.
الجانب التنموي والتصنيعي والاستثماري
وعلى هذا الأساس، فإن العراق يحتاج للتركيز في مباحثاته مع الصين على الجانب التنموي والتصنيعي والاستثماري، لتحقيق هدف ستراتيجي يتلخص في تحويل العراق إلى مركز محوري للتصنيع والقيمة المضافة، يرتبط شرقاً مع انطلاقة سلاسل الإمداد الآسيوية، وغرباً مع نهايات سلاسل الإمداد التي تتمثل بمراكز وأسواق الاستهلاك الأوربية، ويكون بدء أو اكمال التصنيع او إضافة القيمة داخل مراكز التصنيع واللوجستيات العراقية، باستخدام مسارات طريق التنمية لتصدير المنتجات النهائية براً باتجاه أوربا عبر تركيا، أو جنوباً عبر ميناء الفاو إلى أسواق خليجية أو إفريقية أخرى.
هذا النموذج، لو تمكن صنّاع القرار في العراق من صياغته بشكل صحيح على الورق، مدعوماً بدراسات جدوى اقتصادية وسوقية وتجارية، لرفع كثيراً من جاذبية مشروع طريق التنمية في عيون المستثمرين والممولين، ولاختصر كثيراً من الوقت والجهد على الأطراف التنفيذية العراقية في مساعيها للترويج والتسويق لهذا المشروع، ولمكن العراق في النهاية من الحصول على مشروع حقيقي مستدام يحدث النقلة النوعية المنشودة التي ينتظرها الاقتصاد العراقي منذ عقود طويلة، المتمثلة في البدء بتقليل الاعتماد العالي على واردات النفط، والانتقال تدريجياً نحو اقتصاد متنوع مستدام.