أداء إيجابي وسط عاصفة (الإثنين الأسود)!
زياد الهاشمي
كان يوم الإثنين، الخامس من شهر آب الجاري، يوماً استثنائياً شديد الأثر على الاقتصادات والأسواق العالمية. فقد بدأ انهيار البورصات بدءاً من البورصة اليابانية، حيث انهار مؤشر (نيكاي) بنسبة 12.4 %، ما أدى إلى خسارة نحو 620 مليار دولار في جلسة الاثنين فقط.
تلا ذلك تأثير تساقط قطع الدومينو في بورصات أوربا والولايات المتحدة الأميركية، إذ انخفض مؤشر (ستوكس 600) الأوربي بنسبة 3.2 %، مسبباً خسارة قدرت بـ 500 مليار دولار من قيمته السوقية. أما في السوق الأميركية، فقد خسرت المؤشرات الرئيسة ما قيمته 2 تريليون دولار في يوم واحد فقط، ما جعل بعض المختصين يطلق على ذلك اليوم (الإثنين الأسود) أو (الإثنين الأحمر) بسبب اللون الأحمر الذي غطى شاشات العرض لمعظم البورصات العالمية، منذراً بأن الاقتصاد العالمي يواجه فعلياً شبح الركود الطويل الأمد.
خسارات ضخمة
ما حدث في يوم الإثنين الأسود من انخفاضات شديدة وخسارات ضخمة تخطت حاجز الـ 3 تريليونات دولار على مستوى العالم، كان بالتأكيد حدثاً ضخماً اتسم بانتشار حالات الهلع على مستوى الشركات وصناديق التحوط والاستثمار المالي، وصولاً حتى صغار المضاربين والمستثمرين، التي اتجهت إلى البيع السريع والمستعجل للتخلص من الأصول العالية المخاطر، كالأسهم والعملات الرقمية، والتحول نحو السيولة النقدية كمخزن للقيمة أو الأصول التحوطية كالذهب والسندات. وبالرغم من ضخامة الحدث، إلا أنه كان متوقعاً من قبل الكثير من الخبراء والمحللين الماليين والاقتصاديين بسبب الوضع العام للاقتصاد العالمي، الذي بدأ منذ عقود بالتحول التدريجي من نموذج اقتصادي يعتمد بشكل رئيس على الإنتاج إلى نموذج خدمي نقدي قائم على القروض والديون، يكون فيه الوصول إلى رؤوس الأموال وتحريكها ومناقلتها بين الاقتصادات لغرض الاستثمار أسهل من أي وقت مضى.
الزلزال المالي
كان مركز الزلزال المالي الذي حدث يوم الإثنين الأسود وأصاب العالم يقع في العاصمة اليابانية طوكيو، حيث قرر البنك المركزي الياباني، بعد سنوات طويلة من التسهيل الكمي وتثبيت أسعار الفائدة السلبية وشبه الصفرية، رفع سعر الفائدة بشكل مفاجئ إلى 0.25% وإعطاء إشارات للأسواق بالتحول نحو البدء بعملية التشديد النقدي. هذا التحول المفاجئ أدى إلى اضطرابات سوقية واضحة في أسواق اليابان، بسبب وجود تريليونات الدولارات المقترضة بفوائد صفرية من النظام المصرفي الياباني، المستثمرة في اقتصادات أخرى ذات أسعار فائدة عالية كالسوقين الأميركي والأوربي، بهدف الاستفادة من فروقات أسعار الفائدة بين الاقتصاد الياباني والاقتصادات الغربية. لكن رفع سعر الفائدة في اليابان أدى إلى إرباك حسابات المضاربين والمستثمرين، بسبب الارتفاع المفاجئ في كلفة الاقتراض، ما دفع الكثير من المستثمرين للبيع بذعر وسرعة لأصولهم الاستثمارية في الأسواق الغربية وتسييلها لغرض إعادتها مجدداً نحو اليابان وسداد القروض.
حمى البيع السريع
في المقابل، فإن هناك الكثير من المحللين الماليين ومديري صناديق التحوط في الأسواق الأميركية يلقون باللوم على الفيدرالي الأميركي في أزمة الإثنين الأسود، ويرون أنه قد تأخر كثيراً في التفاعل مع البيانات الإيجابية الصادرة من داخل الاقتصاد الأميركي والبدء في تخفيض أسعار الفائدة، ما جعل هذا الاقتصاد عرضة لضغوطات تدفعه نحو الركود. هذا أسهم، كما يعتقد الكثير، في إطلاق حمى البيع الواسع السريع في البورصات الأميركية بسبب المخاوف من دخول هذا الاقتصاد في حالة ركود شديد يصاحبها انهيار أسعار الأسهم. وحسب بعض التقارير، فإن أحداث يوم الإثنين الأسود وضغوطات الأسواق قد تدفع الفدرالي للتفكير جدياً بالتحرك لتخفيض أسعار الفائدة بدءاً من اجتماعه المرتقب في شهر أيلول المقبل، الذي تشير بعض التوقعات المتفائلة إلى أن التخفيضات ستكون عند مستوى 50 نقطة أساس ترتفع مع كل اجتماع فيدرالي إلى 1.25% مع نهاية الربع الأخير من 2024.
البورصة العراقية.. أداء إيجابي
وعلى الرغم من تأثر معظم أسواق العالم بالموجة الحمراء من الانهيارات والانخفاضات ذات الخسائر (التريليونية) في يوم الإثنين الأسود، إلا أن البورصة العراقية كانت صامدة وبعيدة عن تلك الأجواء المشحونة في الاقتصاد العالمي، فقد سجل سوق العراق للأوراق المالية أداءً إيجابياً، بعكس بقية البورصات العالمية، محققاً ارتفاعاً بأكثر من 1%. هذا ربما يؤكد أن الأسواق العراقية، ولاسيما سوق الأوراق المالية، تتأثر إيجاباً أو سلباً بعوامل داخلية أكثر منها خارجية، وهذا يساعد كثيراً المستثمرين في قطاع الأوراق المالية على العمل والاستثمار في بيئة استثمارية أكثر استقراراً وذات تقلبات سعرية متوازنة، بعيدة نوعاً ما عن التأثر بما يحصل في البورصات الرئيسة حول العالم. وهذا قد يعد عامل جذب لدخول المزيد من رؤوس الأموال للاستثمار في السوق العراقية والعمل في بيئة استثمارية بعيدة عن التقلبات، إضافة إلى مستوى الأرباح العالية التي تحققها بعض الأسهم التي قد تتجاوز20% كأرباح سنوية، ما يجعل السوق العراقية كإحدى الأسواق الواعدة القابلة للتوسع مستقبلاً واستقطاب رؤوس الأموال والمستثمرين الإقليميين والدوليين.
وبالعودة إلى أحداث الإثنين الأسود، فقد خفت وتيره الخسائر في اليوم التالي، وعادت مؤشرات البورصات الرئيسة للارتفاع بشكل نسبي، وهذا ما دفع الكثير من المحللين الماليين لاعتبار أن ما حدث في الأسواق هو تصحيح سعري لإعادة الأسعار إلى مستويات أكثر واقعية واستدامه. لكن المؤكد هو أن ما حصل في ذلك اليوم يعد أكثر من (قرصة أذن) للشركات والمستثمرين على حد سواء، وقبل كل ذاك، كانت أحداث يوم الإثنين الأسود رسالة واضحة عالية الصوت وجرس إنذار للفيدرالي الأميركي، من أن الأسواق قد لا تستطيع الاستمرار في مقاومة الدخول في حالة الركود أو الانكماش أكثر من ذلك، وأن على صناع القرار في الفيدرالي الأميركي التحرك بشكل عاجل للبدء بتخفيض أسعار الفائدة، وعدا ذلك فإن كل الاحتمالات الاقتصادية السيئة قابلة للحدوث. فهل يتفاعل الفيدرالي إيجابياً مع متطلبات السوق، أم يستمر على سياساته التشديدية لفترات مقبلة؟ ننتظر ونرى!