نواقيسها تقرع من جديد كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك.. معلَم بارز للهندسة المعمارية في نينوى

نينوى/ عامر جليل إبراهيم
تصوير/ حسين طالب

تقع كنيسة الطاهرة في أيمن مدينة الموصل القديمة، وهي من الكنائس الأثرية للسريان الكاثوليك. يتميز بناؤها بالأقواس والأعمدة المبنية والأرضية والجدران من الفرش الموصلي، أما الأروقة والقباب فتم بناؤها من الجص والحجر. تتميز الكنيسة بوجود باب خشبي مرتفع أمام المذبح الرئيس، مع وجود أيقونات ونقوش مجسمة على الفرش الموصلي للكنيسة، منها أيقونة العذراء والطفل يسوع. تنخفض الكنيسة عن مستوى الشارع بثلاثة أمتار.

مجلة “الشبكة العراقية” حطت رحالها في محافظة نينوى ضمن جولاتها المكوكية للتعريف بالسياحة الدينية والتراثية والأثرية، بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة السياحة العربية لعام 2025 والتقت السيد علي سالم عبد الله، منقب آثار، رئيس لجنة الآثار المشرفة على ترميم كنيسة الطاهرة، ليحدثنا قائلاً: تأهيل كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك هو أحد المشاريع المهمة ضمن مبادرة إحياء روح الموصل، التي تشرف عليها وزارة الثقافة والسياحة والآثار والهيئة العامة للآثار والتراث، وبمتابعة وتنسيق مفتشية آثار وتراث نينوى. هذه المبادرة أطلقتها منظمة اليونسكو بالتعاون مع دولة الإمارات العربية، وتضمنت ترميم عدد من المباني التاريخية الدينية والسكنية في مدينة الموصل القديمة، وبضمنها كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك، وجامع النوري ومئذنته الحدباء، وكنيسة الساعة للآباء الدومنيكان، فضلاً عن عدد كبير من الدور السكنية.
عناصر معمارية
يضيف عبد الله: تقع كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك في الجانب الأيمن من مدينة الموصل، تحديداً الجهة الشمالية من المدينة القديمة، في المنطقة المعروفة حالياً بمحلة (حوش البيعة)، واكتسبت هذه المحلة تسميتها لوجود مجمع من أربع كنائس في هذه المنطقة، بالإضافة إلى مطرانية السريان الكاثوليك. تعود هذه الكنائس لطوائف متعددة، إذ تجاورها كنيسة البيعة القديمة للسريان الكاثوليك، التي ورد ذكرها لأول مرة عام 1672، أي أنها كانت قائمة قبل هجوم نادر شاه في عام 1743. تم ترميمها في عام 1744 بفرمان عثماني، إلا أن أساسها قديم جداً ويرقى إلى القرن السابع الميلادي، وكنيسة السريان الأرثدوكس التي تحمل اسم (كنيسة القلعة) لقربها من قلعة الموصل الداخلية (ايج قلعة)، وهذه الكنيسة أنشئت في العام 1896، أما الكنيسة الرابعة في حوش البيعة فهي كنيسة الأرمن الأرثذوكس والمعروفة باسم (كنيسة أجميادزين)، التي يعود تاريخ بنائها الى العام 1857م.
يكمل عبد الله قائلاً: تبلغ مساحة الكنيسة مع ملحقاتها 1500 متر مربع، أما مساحة قاعة الصلاة فتبلغ 542 مترًا مربعًا، وبنيت كنيسة الطاهرة وفق الطراز البازيليكي، وتميزت بجمال تصميمها وعناصرها العمارية والتزيينية، التي شملت كلًا من الأعمدة والأقواس والجدران وغيرها من العناصر العمارية الأخرى، وكذلك الزخارف والنقوش ذات الأشكال الهندسية والنباتية، واستخدم حجر الفرش الموصلي في إكساء الجدران الداخلية والأعمدة الحجرية الكبيرة التي تشكل رواقي الكنيسة، وتميزت أيضاً بوفرة المذابح التي تقام عندها الطقوس الدينية.
الأضرار
في أثناء جولتنا، رافقنا أيضاً السيد سالم حسين مخاط، منقب آثار وعضو اللجنة، الذي قال: تعرضت الكنيسة لأضرار بالغة نتيجة سيطرة عصابات داعش الإرهابية، تمثلت بتخريب وتشويه المعالم والرموز الدينية، ومحوها، واستغلال المبنى لأغراض عسكرية، أدت إلى تدمير أجزاء كبيرة منها تصل إلى نسبة 90 %، من جراء العمليات العسكرية لتحرير مدينة الموصل من سيطرة عصابات داعش الإرهابية.
تم تنفيذ مراحل عدة ضمن مشروع ترميم الكنيسة، وهي على النحو التالي:
المرحلـــــــة الاولــــــــى: وتتمثل في توثيق المبنى، إذ جرى توثيق حالة البناء وتثبيت نسبة الأضرار التي لحقت بالمبنى، وجمع المعلومات عن الكنيسة والصور والمخططات الأرشيفية. وقد تم توثيق المبنى بشكل مفصل.
المرحلـــــــة الثانية: وتمثلت في فرز وتنظيف وتوثيق وحفظ الأحجار العائدة للكنيسة، وفقاً لشكلها وموقعها في المبنى، ومن ثم تنظيف وإزالة المواد الرابطة العالقة بها، وتوثيقها، وذلك عبر وضع رمز على كل نموذج من قطع الأحجار، كالأعمدة وقطع الأقواس والأفاريز.
المرحلـــــــة الثالثة: التي تضمنت القيام بتدعيم الجدران والأجزاء المعرضة لخطر الانهيار في داخل المبنى، وكذلك إزالة الأجزاء المستحدثة والمتضررة فيه، ومن ضمنها السقوف المتداعية، وقد أوكل إعداد التصاميم الخاصة بأعمال التصميم إلى شركة إيطالية.
أما المرحلة الرابعة، فجرى فيها إعداد التصاميم النهائية لإعمار كنيسة الطاهرة من قبل الشركة الإيطالية، وقد روعي فيها الالتزام بإعادة المبنى وفق الشكل الأصلي، باستخدام مواد البناء ذاتها، ورفع جميع العناصر المعمارية والإنشائية التي تمت إضافتها في الفترات السابقة، وجرى التعاقد مع شركة محلية، وانطلق العمل بالإعمار في نيسان من عام 2022 واستمر لغاية 23/ 9/ 2024، وتم إنجاز جميع فقرات الصيانة والترميم.
الزيارات
يعود علي سالم عبد الله ليكمل الحديث بالقول: خلال مدة إنجاز العمل، زار المشروع العديد من الشخصيات، أبرزهم قداسة بابا الفاتيكان فرانسس الثاني، وسبقتها وتلتها زيارات العديد من الشخصيات الرسمية والبعثات الدبلوماسية، فقد زارها سفراء دول بريطانيا وهولندا وباكستان وبلجيكا وألمانيا وأستراليا وإيطاليا وتركيا، ومديرة منظمة اليونسكو في العالم، والعديد من المنظمات الدولية.
ويختم عبد الله حديثه: يعد إعمار المواقع التي تعرضت للتدمير عاملًا مهمًا في إعادة الحياة إلى المدينة، إن إعمار هذا الصرح الديني، وما يمثله من قيم روحية، ذو أهمية بالغة للمجتمع، إذ إنه يسهم في إعادة نسيج المجتمع الموصلي بكل أطيافه، ويبث روح الأمل في سكانها، ويرسل دعوة صادقة إلى جميع أطيافها للعودة إليها والمساهمة في إعمارها، وهو ما يؤكد في الوقت ذاته على أن السلام والتآخي هما القوة الحقيقية للمجتمع.