بنية تحتية ثقافية
أحمد سعداوي/
في سنتي 2006 و 2007 اختفت مقهى الجماهير في منطقة الكرنتينة بالباب المعظم (وكانت المقهى الأكثر فاعلية في الحياة الثقافية منذ منتصف التسعينات وحتى 2006)، بسبب أحداث العنف الطائفي وتحولت الى صالة بلياردو، ثم بسبب انغلاق السوق في الساعة الثالثة ظهراً واختفاء السيارات من الشارع في ذلك الوقت اختفت المقاهي الشعبية في سوق الباب المعظم، وكان الكثير من المثقفين يذهب إليها برغم صخبها وعدم ملاءمتها، بسبب ندرة الأماكن. ثم بعد تفجير المتنبي ثم اعلان حظر التجوال يوم الجمعة، اختفى كل شيء.
اختفت «البنية التحتية» لمجتمع المثقفين، وصارت اللقاءات في كافتريات الصحف، أو في الأماكن الخاصة.
في تلك الأوقات كان من المعتاد مثلاً أن نقطع أنا ونصيف فلك المسافة من الباب المعظم وحتى ساحة 83 سيراً، نجلس على الأرصفة حين نتعب أو في ظل بناية، نتغدى في مطعم ما، ونشرب الشاي عند جنبر في الطريق، ثم نكمل السير، ونستمر في أحاديثنا، التي يشاركنا فيها أحياناً الراحل محمد الحمراني حين يزور بغداد.
اليوم شاهدت صوراً عن افتتاح مكتبة جديدة في كركوك، والكتبي والناشر ياسر عدنان يفتتح مكتبة ومقهى ثقافيا في واحد من أهم الشوارع التجارية في بغداد.
شوارع ثقافية مثل الفراهيدي في البصرة وشارع دعبل في النجف، والتوقعات تشير الى انتشار هذه الأماكن أكثر فأكثر.
فكرتي الأساسية التي طالما كتبت عنها، هي أن الثقافة تحتاج الى بنية تحتية حتى تنتعش. لا يتعلق الموضوع بما يريده المثقفون لأنفسهم، وانما بما يريده المثقفون من فضاءات وأدوات كي يقدموا خدمة للمجتمع.
البناء الثقافي من طبيعته أنه بطيء وعميق ويستغرق وقتاً، والأكثر إيجابية في دوره أنه ليس حزبياً، ولا ينتصر لفئة على حساب أخرى، ولا يأخذه الانفعال والشعارات، إنه مشروع بناء عقل وذات مستقلة قادرة على الرؤية وسط الضباب.
انشاء المكتبات والمقاهي الثقافية والمتاحف والمسارح وقاعات العرض السينمائي، هي أعظم الوسائل لمحاربة الارهاب والتطرف والطائفية والانغلاق والتعصب. واذا كان هناك من النخبة السياسية ومؤسسات الدولة والنخب المدنية من تجار ورجال أعمال وغيرهم من هو جاد فعلاً في مشاعره الوطنية ويريد فعلاً المساهمة في البناء، فهذا فضاء مفتوح لعمل وطني لا غبار عليه، وسيخلّد اسم من يستثمر فيه.