النجف ــ صادق العزاوي/
(البِشْت)، ويُعرف في بعض اللهجات المحلية العربية باسم (المِشلح)، هو عباءة رجالية يرتديها العرب بشكل عام منذ مئات السنين. ويحتل البشت النجفي المكانة الأولى لما يتميز به من جودة عالية وتعدد النوعيات.
له شهرة كبيرة في معظم البلدان العربية، التي يرتدي رجالها العباءة، وهو مصنوع باليد 100 % من صوف الأغنام الخالص، الذي يغزل ويحاك
ثم يخاط باليد.
ولمهنة خياطة البشت أسرار يعرفها الخياطون المشهورون الذين توارثوها جيلاً بعد جيل.
يقول (مهند عبد الحسن شنون)، وهو صاحب محل (عبايجي) إن “مهنتنا لها تاريخ قديم في النجف الأشرف، لا يمكن أن نحدده أو نحصره بفترة زمنية معينة، فأنا أعرف تماماً أن جدي الثامن كان يمتهن هذه المهنة، حين كانت غالبية المهن يدوية، وكان صناعها يشتهرون بصناعة النسيج، ومنها البشت النجفي.”
كيف يصنع البشت النجفي؟
يشرح عبد الحسن كيفية صناعة البشت النجفي، مبيناً أن “البشت المشهور هو الصيفي المصنوع من صوف الغنم، الذي يحصلون عليه أثناء موسم جز أصواف الأغنام في شهر آذار، بعدها يمر الصوف بمراحل عدة، الأولى هي مرحلة (البشتاكة)، وهي تمشيط الصوف، إذ يعرّض الصوف الى أشعة الشمس، وبالتالي يتغير لونه فيصبح (للبطن شكل وللظهر شكل آخر)، وهذه المرحلة تمثل عملية توازن وخلط الألوان لتكون النتيجة لوناً واحداً.
ثم تأتي مرحلة (الغزالة)، أو الغزل، وهي مرحلة ثانية يمتهنها شخص آخر، وغالبية الذين يعملون بها هم من النساء، وهي عملية غزل الصوف وتحويله الى خيوط رفيعة، وللغزل هناك مستويات ومراتب، إذ كلما يكون الغزل رفيعاً ودقيقاً أكثر يكون سعره وقيمته أعلى.
بعدها تأتي مرحلة (الحياكة)، إذ يذهب الغزل الى الحائك الذي بعد أن يشتغل الغزل يبدأ بتجهيزه للحياكة، وفي هذه المرحلة تفاصيل كثيره في التجهيز والحياكة، وغالبية العاملين فيها من الرجال، وهم أشخاص متخصصون يعملون في هذه المهنة منذ عشرات السنين ويمارسونها في بيوتهم. وبعد إكمال الحياكة يجري تجهيز الغزل من قبل الحائك بقياساته ولونه المطلوب، على أن يكون الغزل رفيعاً، وبذلك يحتاج الى فترة عمل أطول وتركيز ودقة عاليين.
وتستغرق صناعة نسيج البشت من النوعيات السميكة العادية على الأقل من عشرة أيام الى أسبوعين، أما المستويات العالية فتستغرق شهراً أو أكثر. بعد إكمال الحياكة يجهز الحائك قياسات البشت ولونه المطلوب، ويعطيه الى (النوال)، الذي يلف النسيج الجاهز على نول خشبي دائري، بطريقة كلاسيكية يدوية قديمة.”
النوال
يتابع عبد الحسن مراحل صناعة البشت، إذ يؤخذ الخام الذي يحتاج الى غسل، وإذا كان لونه غير صافٍ يصبغ باللون المطلوب، فمثلاً الصوف الذي لا يوجد فيه لون أسود، وهو اللون الرئيس في العباءة والملابس عموماً، فهو سيد الألوان، وبالتالي يصبغ البشت باللون الأسود، أما الألوان الأخرى فيحافظ عليها، وذلك بغسلها ونولها على لوح خشبي دائري، وتبقى ملفوفة ومرصوصة لحين جفافها. وهذه المرحلة شبيهة بغسل وكوي الملابس ولكن بطريقة كلاسيكية خاصة بالبشت النجفي، وبالتالي تظهر بشكل جميل ولون بهي وزاهٍ، ثم يعطيها النوال الى الدلال.
مزاد علني
ويوضح عبد الحسن طريقة اقتناء العباءة النجفية بالقول: أما طريقة اقتنائها فنحن لا نشتريها من الحائك مباشرة، وانما عن طريق دلال خاص من بعد (النوالة)، الذي يتسلمها ويبدأ بعرضها على محال (العبايجية)، عن طريق المزاد، فالذي يدفع أكثر تكون له عن طريق التنافس بالسعر، وبالتالي يحصل الحائك على ثمنها ممن ترسو عليه. اما الأسعار فهي ليست ثابتة، وانما حسب جودة المنتج وندرته، حيث تتراوح من 300,000 دينار للقطعة بدون خياطة، وقد تصل القطع النادرة ذات الجودة العالية من مليون ونصف الى مليوني دينار للقطعة.
أسعار باهظة
وبعد ان يشتريها العبايجي تبدأ مرحلة العرض، إذ تبقى بدون خياطة لحين مجيء المشتري، أما لماذا لا تجري خياطتها لحين مجيء المشتري، فإن هناك عدة أسباب أولها القياس، وثانياً أن هناك أنواعاً وأشكالاً وموديلات عدة لخياطة العباءة.
وبعد أن يجري الاتفاق بين البائع والزبون تجري خياطتها، وقد يصل سعر هذه العباءة النادرة الى مليونين ونصف المليون دينار، وهو مبلغ يدل على قيمة العباءة (البشت) المرموقة لدى الكثيرين. وهناك مواصفات أخرى تحدد سعرها منها اللون الطبيعي، وللمعلومة يفضل اللونان الأسود والدباسي، ويسمى (الخاجية)، أما الألوان الفاتحة فتسمى بالبشت. ولأن أسعار العباءة او البشت الرجالي اليدوي غالية وليس باستطاعة أي شخص شراؤها، يلجأ الكثير الى شراء العباءة المصنوعة ميكانيكياً، التي لا يمكن لها أن تنافس البشت النجفي اليدوي في أي حال من الأحوال، وذلك لأن العباءة النجفية تصنع وفق ذوق الزبون، إضافة لما يمتلكه النجفيون من خبرة أكثر من غيرهم في هذا المجال.
وناشد عبد الحسن الجهات المسؤولة إيجاد حل لسوق العباءة المهدد بالزوال، بسبب توسعة العتبة العلوية المقدسة، وأصحاب المحال ليست لديهم مشكلة او اعتراض بهذا الخصوص، لكن المطلوب إيجاد البديل المناسب الذي يليق بأهمية هذا السوق العريق الذي يمثل جزءاً من تاريخ النجف الأشرف.