ملاذ الأمين /
هو من مساجد العراق الأثرية القديمة، يقع في شارع الرشيد – منطقة الشورجة – سوق العطارين ببغداد. وكان مسجداً محكم البناء فسيح الأرجاء، وكانت فيهِ مدرسة تسمى المدرسة المرجانية، سميت على اسم مؤسسها (أمين الدين مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن السلطاني الأولجايتي) وهو من موالي السلطان (أويس بن حسن الإيلخاني)، أحد أمراء الجلائريين، بنيت عام 758هـ/ 1356م، واشترط التدريس فيها على المذاهب الأربعة.
توسعة شارع الرشيد
توفي أمين الدين مرجان عام 774 هـ، ودفن في المدرسة، وشيدت على قبرهِ قبة جميلة مشيّفة، وحين جرت عملية توسعة شارع الرشيد عام 1946 تطلب اقتطاع جزء كبير من الجامع الذي لم تتبقَّ منه إلا القباب الثلاث مع الباب، كما أصبح دون مستوى شارع الرشيد بأكثر من ثلاثة أمتار.
من هو مرجان؟
يقول مدرس التاريخ (الأستاذ عدنان محمود) إن “مرجان، وحسب المدونات التاريخية، هو أمين الدين مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن، من موالي السلطان أويس الإيلخاني، وكان مثقفاً وفيلسوفاً ويتكلم لغات عدة، منها اللغتان العربية والفارسية، بالرغم من أنه لم يكن متعلماً، إذ كان يعمل جندياً مُرتزقاً في الجيوش، وفي إحدى الحروب أسرَ من قبل الجيش المغولي فباعوه، ثم باعوه واشتروه مرات عدة حتى وصل بهِ الحال إلى بغداد، فباعه أحد التجار إلى قصر السلطان أويس بن الشيخ حسن بزرك الإيلخاني، أحد أمراء الجلائريين التتار، والسلطان أويس هو ابن حفيد هولاكو خان، وقد حكم المغول الإيلخانيون من قوم (هزارة) نحو قرنين ونصف القرن في بغداد تحت اسم الدولة، واستقل السلطان أويس بمدينة بغداد وحكمها بعد أبيه الشيخ حسن بزرك عام 755 هـ/1354م، وعمل مرجان خادماً عنده، ومن ثم عينّه رئيس الخدم طباخاً، فاستغل عمله وتقرب من السلطان، فكلما قدَّمَ للسلطان طبقاً من الطعام أسمعه شعراً أو حكمة، حتى أُعجب بهِ السلطان أويس فعيّنه وزيراً، وقد جمع ثروةً كبيرة. وفي أثناء ذلك جاءت رسالة إلى السلطان أويس من ملك الإيلخانية في تبريز بإيران يطلب المساعدة لصد هجوم التركمان، إذ كوّنوا جيشاً كبيراً يزحف عليهم. فتهيأ السلطان أويس للرحيل وعهد إلى مرجان بالملك وأجلسه على عرشه، وطلب منه أن يحكم باسمه حتى يعود. أخذ السلطان أويس جمعاً غفيراً من جيشه، واتجه بهم شمالاً حتى التحم مع جيش التركمان في حرب دامت شهوراً عدة، وهزموا وقتلوا فيها جيوش التركمان، كما قُتل من جيشه عددٌ كبير. وفي بغداد خان مرجان العهد، وخرج على مولاه بقصد الاستقلال بحكومة بغداد وتملكها، وقد خطب مرجان في أهل بغداد وبشّرهم بنهاية حكم الدولة الإيلخانية وبداية حكم الدولة المرجانية، فصدقّوه وأطاعوه فجمع منهم جيشاً وخرج بهم لملاقاة جيش سيده.
وأثناء عودة السلطان أويس بجيشه حاملاً معه جرحاه، علم بالخبر فتألم كثيراً، وعندما وصلوا مدينة بعقوبة حدث فيضان في نهر دجلة، حيث وصلت المياه إلى نواحٍ عدة من نهر دجلة إلى منطقة الشماعية.. ووصل السلطان أويس إلى ساحل الماء وأمامه مسافة طويلة للساحل الآخر، فأمر جنوده بقطع شجرة لكل منهم، وصنع زوارق صغيرة ليركبوا فيها، ويأخذوا معهم الجرحى، وما إن وصلت الزوارق قرب الساحل حتى انهالت عليهم قذائف المنجنيق من جيش مرجان وقتلت عدداً كبيراً منهم، فغضب السلطان أويس، والتقى فيما بعد الجيشان حيث وقعت بينهما معركة قُتل فيها معظم جيش مرجان، ووصل السلطان أويس إلى قصرهِ في بغداد، فدخله ليشاهد مرجان جالساً على العرش، فقال له “مد عنقك لأقطعها”، ففعل مرجان، ورفع السلطان السيف لكنه لم يفعل وكره قتله، فقال السلطان أويس لمرجان “لأجل عرف الأخوة التي بيننا سوف لن أقتلك، لكن أغرب عن وجهي.” وهكذا خرج مرجان من قصر السلطان يمشي أزقة في بغداد ويرى الجرحى والقتلى والدماء، وهو يبكي ويقول “ليت السلطان قتلني وما رأيتُ هذا”.
بناؤه المدرسة المرجانية
جمع مرجان كل أمواله بعد أن اعتزل الحكم والسياسة، وبنى مدرسة ومسجداً كبيراً يعرف الآن باسم جامع مرجان، كما بنى مائة من الدكاكين والمحال التجارية، ومنها خان كبير سمي بخان مرجان، وجعل ريعها للإنفاق على المدرسة وطلاب العلم.
وقد استقبلت دار الكتب والوثائق عدداً من الكتب والوثائق التي تعنى بشتى شؤون المعرفة، ومن هذه الكتب كتاب (الدر المكنون من المآثر الماضية من القرون)، الذي ألفه ياسين العمري، وكان أبرز ما جاء في هذا الكتاب إحصاءات عن المرافق المشيدة في بغداد، وكان عددها 980 خاناً، كما جاء ذكر هذه الخانات في كتاب (دليل خارطة بغداد) للأستاذ الدكتور مصطفى جواد والدكتور أحمد سوسة، الذي يقع في 368 صفحة، ومن أشهر هذه الخانات خان مرجان وخان جغان (جعال) وخان اليهود.