ترجمة: آلاء فائق/
مع دخول الجفاف الإقليمي عامه الخامس وتوقف أغلب السدود عن تدفق المياه من منابعها، تلاشت معظم أهوار جنوب العراق، وانهارت معها أكبر منظومة للتنوع البيولوجي، ما اضطر عرب الأهوار، المقيمون فيها منذ آلاف السنين لمغادرتها مجبرين.
نظراً لتنوعها البيولوجي وأهميتها الثقافية، عملت الأمم المتحدة في العام 2016 على ضم أهوار الجنوب لمواقع التراث العالمي لليونسكو، وهذه الأهوار هي أحد أكبر أنظمة الدلتا الداخلية بالعالم، وواحات مذهلة في بيئة شديدة الحرارة، تشكل موطناً لـ22 نوعاً من الكائنات المهدّدة بالانقراض عالمياً و66 نوعاً من الطيور المعرّضة لخطر الإبادة.
هذا النظام البيئي، بما فيه من بحيرات ومستنقعات عذبة وملحية غرينية أخذ بالانهيار لأسباب عدة، منها التغيّر المناخي وعوامل هيدرولوجية وسياسية. تتقلص الأنهار بسرعة، وتتلاشى التربة الزراعية التي تنامت فيها خيرات الشعير والقمح والرمان والتمر.
العودة للأهوار بعد سقوط صدام
في أوائل التسعينيات، بدأ نظام صدام بتدمير الأهوار بشكل منهجي، بقصفها وتجفيفها لطرد سكانها ومعاقبتهم لمشاركتهم في الانتفاضات ضد نظامه، مما اضطره لتخفيض منسوب مياه الأهوار بنسبة 90 بالمئة. بعد حرب العراق، بدأت الحكومة الجديدة وعرب الأهوار بتفكيك السدود وتوفير خدمات الصرف الصحي. أفاد مشروع ترطيب لاحق نفّذته الأمم المتحدة باستعادة المياه السطحية والنباتات إلى 58 بالمئة من الحجم الأصلي للأهوار بحلول العام 2006. وبدأت الحياة البرية بالازدهار مرة أخرى. بحلول العام 2020، عندما كان الانتعاش بعد سقوط نظام صدام بذروته، عاد نحو 250 ألف من عرب الأهوار لموطنهم الأصلي لاستئناف حصاد القصب، زراعة المحاصيل، رعي الجاموس وصيد الأسماك.
غياب التعاون والتنسيق الدولي
تغطي الأهوار والمناطق العازلة المحيطة بها حالياً ما يقرب من 4 آلاف كم مربع، لكن المكاسب البيئية الأخيرة معرّضة للخطر حديثاً مع دخول العراق العام الخامس للجفاف. عند المنبع، في كل من تركيا وإيران، تستمر إقامة السدود والتحويلات الجديدة على حساب الأنهار التي تزوّد العراق بكل مياهه تقريباً، دون أي تنسيق أو تعاون دولي.
سدود الدول المجاورة
الوضع في الأهوار الآن أسوأ مما كان عليه عندما حاول صدام تدميرها، ذلك لأن المياه كانت لا تزال تتدفق من إيران لهور الحويزة، لكن منذ أن أكملت إيران، في العام 2009، بناء سد بطول 56 كم على طول حدودها مع العراق، لم تعد المياه تتدفق له، لا سيما خلال فترات الجفاف، ومثله تعاني اليوم بقية أهوار العراق.
ملوحة المياه
كان لتدفقات الأنهار المنخفضة آثار جانبية على جودة ما تبقى من المياه. اليوم، تتسلل مياه البحر حتى 189 كم من الخليج العربي، حيث دمرت أكثر من 24 الف هكتار من الأراضي الزراعية، مما أدى لخسارة 30 الف شجرة. أدى شح المياه العذبة، الى ازدياد الملوثات الزراعية، ملوثات صناعة النفط والغاز ومياه الصرف الصحي لزيادة نسبة ملوحة المياه.
العراق الخامس دولياً من ناحية تغيّر المناخ
زاد التغيّر المناخي من الطين بلة، أدى تناقص هطول الأمطار بالسنوات الأخيرة وارتفاع درجات الحرارة لزيادة سرعة التّبخر من الخزانات والجداول. وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن العراق هو خامس دولة معرّضة لتأثيرات التغيّر المناخي، فعلى مدى العامين الماضيين، انخفض هطول الأمطار، قلت المياه، انخفضت إنتاجية الأرض وازدادت العواصف الترابية”.
سوء الإدارة
تسبّب انخفاض منسوب المياه بخسائر فادحة بالمحاصيل، مما جعل من الصعب على ملايين العراقيين إطعام أسرهم. وفقاً لمسح للأسر في الأنبار، البصرة، دهوك، كركوك ونينوى أجراه المجلس النرويجي للاجئين، وجد أن ربع المستجيبين في الأهوار وخارجها عانوا من فشل زراعة محصول القمح بنسبة 90 بالمئة بسبب نقص المياه، مما اضطر أسرة واحدة من كل ثلاث تمّ مسحها لتقليص مساحة الأرض التي تزرعها، وذكرت 42 بالمئة من الأسر أن إنتاجها من الشعير والفواكه والخضراوات انخفض مقارنة بالمواسم الزراعية السابقة.
جهود مبذولة
نظراً لتفاقم التوقعات، تعمل المنظمات غير الحكومية على تعزيز الإجراءات لتقليل تأثير الجفاف، بما في ذلك الاستثمار في أنظمة تصفية المياه ومعالجتها بالمناطق ذات مستويات الملوحة العالية. كما يدفع العراق لجمع المزيد من البيانات حول تدفق المياه وتأثيرات شحتها، وتحسين تنظيم طبقات المياه الجوفية لمنع الإفراط بالضخ، مما يقلل من كمية ونوعية المياه الجوفية.
زوّد العراق بعض مزارعي الحبوب بقمح مقاوم للملوحة، مع زراعة بنجر السكر الذي يتحمّل الجفاف. يدافع الأكاديميون عن البرامج التي تقدم التدريب لإدارة الصراع بالمجتمعات التي تكافح من أجل تقاسم الموارد المائية بشكل منصف.
تفاوض العراق على مدى سنوات مع جيرانه في المنبع للسماح بتدفق المزيد من المياه، لكن الوضع لم يتحسن. في يناير، 2022، أعلن العراق أنه سيقاضي إيران أمام محكمة العدل الدولية لقطعها وصول المياه. كما طلب من تركيا زيادة كمية المياه التي تتدفق جنوباً. واتفق الجانبان على قيام “وفد فني” عراقي لزيارة تركيا لغرض تقييم منسوب المياه خلف السدود التركية، لكن الأخيرة لم تقبل تحميلها مسؤولية نقص المياه بالعراق، وبدلاً من ذلك، اتهم سفير تركيا في العراق، علي رضا غوني، العراقيين بـ “إهدار” مواردهم المائية ودعا الأمة إلى الحد من إهدار المياه وتحديث أنظمة الري.
ويل كريسب، عن موقع/ يلا ادو.