طهران / منى السراج/
تعد الزخرفة بالمينا من أشهر الفنون الإيرانية التي لها تاريخ قديم متجذر في الثقافة الإيرانية منذ بدايتها، حيث كانت بدايتها مع نشأة إيران نفسها. لذا فإنه من الصعب تحديد زمن معين لنشأتها، غير أن الآراء الأكبر تشير إلى أن هذا الفن يعود إلى عصر السلاجقة، وهو يقوم على طلاء المعادن بالمينا مثل الذهب والفضة والنحاس.
تشتهر إيران بهذا الفن المميز، الذي يعد محط أنظار كثير من السياح الذين يزورون البلاد من أجل شراء هذه الأعمال التي تقترب من كونها تحفاً فنية يزينون بها منازلهم، ويبدون كأنهم أحضروا جزءاً من روح إيران المتمثل في ذلك الفن.
فن قديم
تعود أقدم القطع التاريخية من هذا الفن إلى عصر السلاجقة، بزخرفة الجرة وقنينة النارجيلة أو (الشيشة) بالمينا، إلى جانب صينية (ألب أرسلان)، التي حفظت في متحف الصناعات الفاخرة في متحف لوس أنجلوس للفنون إلى جانب الأعمال المتبقية من عهد الأخمينيين أو الساسانيين، داخل عدد من المتاحف الدولية مثل الأساور والصناديق والمزهريات وأنابيب المياه واللوحات. ثم انتشر هذا الفن في أصفهان بشكل خاص، ولاسيما في العصر البهلوي، وحتى الآن تعد أصفهان من أهم المدن الحاضنة لهذا الفن، إذ يذهب السياح إليها من أجل شراء الأعمال التي تعرض في المحال هناك.
بديل عن الأحجار الكريمة
كان سبب الاتجاه إلى المينا هو أنها كانت تعويضاً عن الأحجار الكريمة ذات الأسعار العالية، لتبدو وكأنها جواهر حقيقية للشخص غير المتمرس، وفي نفس الوقت تعطي شكلاً جمالياً للأشياء، ولم يكن ذلك مقتصراً على ثقافة واحدة، بل إنه ظهر في ثقافات عدة أخرى، مثل المصرية واليونانية والفارسية، واستخدم بشكل خاص لتزيين الحلي، ولاسيما أنه يطعّم في المعدن بألوان مختلفة. ونتيجة للشكل الجمالي الذي تعطيه المينا للأحجار، فإنها صارت تمنحها قيمة كبيرة، ورفعت أسعارها أيضاً، إذ أصبحت فناً بحد ذاته يدر أمولاً جيدة، بعد أن كانت تصنع لتكون بديلة عن الأحجار الكريمة.
أما مصطلح المينا فقد جاء من المادة التي تكونه، وهي كلمة انتقلت فيما بعد إلى العالم العربي، أما في التراث الإسلامي فمصطلح المينا مشهور بأنه التزجيج، أو معادن مزينة بالزجاج، وقد ذكرها الجاحظ والهمداني باسم المينا، بينما أطلق أبو الحسن علي بن يوسف الحكيم عليها اسم (المنيّل).
ألوان مختلفة
رسم الصفويون على المعادن والعاج، وكذلك على الأثاث، إلى جانب قبضات السيوف والخناجر والعلب، أما في العصر القاجاري، فقد بدأت تتطور النقوش على المعادن، فظهرت أشكال الزهور والنباتات والأشكال الحيوانية والآدمية، ولاسيما الوجوه النسائية التي كان يجري فيها الاعتناء بالشكل الجمالي لهن، بعيونهن السود المكتحلة وأفواههن الصغيرة. أما ألوان المينا فقد تطورت على مر العصور، حتى باتت ألواناً مختلفة ومتنوعة، وبرز فيها اللون الوردي بكل درجاته، كذلك الأزرق الملكي والفيروزي والأخضر الزمردي والأبيض المعتم.
تقنيات المينا
تتنوع وتتعدد تقنيات المينا، وهي على أربعة أنواع:
المينا المفصصة: وتتكون من أسلاك تملأ بالمينا، كل منها بلون مستقل، توضع في النهاية في الفرن من أجل إذابتها، ومن ثم تترك لتبرد لتكون صلبة.
المينا المحفورة: الزخارف في هذا النوع تعمل بطريقة الحفر الذي يكوّن شبكة من القنوات الرقيقة، تفصل بعضها عن بعض، ثم تنشر مساحيق المينا عليها لكي تملأ الأخاديد المصنوعة، وتسخن ثم تبرد ليبرز شكلها النهائي.
المينا المرسومة: وهي ما اشتهر بها الإيرانيون، إذ لا تفصل ألوان المينا بعضها عن بعض بواسطة الأسلاك أو الحفر، وإنما تتجاور الألوان على سطح المصوغة، وهو الأمر الذي يحتاج مهارة عالية من الصائغ إلى جانب مهارة الرسم كي لا يخلط الألوان ببعضها.
المينا السوداء: وهي عبارة عن مسحوق معدني خليط من الفضة والنحاس والرصاص والكبريت، وتزين خاصة الفضة الإسترلينية.
لقد شهد فن المينا الإيراني أنماطاً وألواناً وفترات متعددة ومختلفة، لكنه برغم تنوعه هذا يبقى من أعرق وأجمل الفنون التي ظهرت في إيران، حيث لا يعدّه الإيرانيون مجرد فنٍ، بل تراث ثمين يجب الحفاظ عليه. ولا يتحدد هذا الفن على منطقة واحدة فحسب، بل إنه انتشر بروعته وجماله في جميع أنحاء العالم.