أربيل/ خالد إبراهيم
تعد صناعة المهود الخشبية في كردستان حرفة قديمة منذ مئات السنين، ولايزال الشعب الكردي متمسكاً بها وبصناعتها الخشبية الرائعة. فهي حرفة تراثية ارتبطت بالكرد وثقافتهم، ويقبل غالبيتهم على الاستعانة بها واستخدامها لتنويم الأطفال أو محاولة إسكاتهم عند البكاء.
تصنع هذه المهود على أيدي أمهر النجارين في سوق القيصرية الشهير، الواقع بالقرب من قلعة أربيل التاريخية. ويمتاز المهد الكردي، الذي يسميه الأكراد (لانك) بصناعته اليدوية القديمة التي يحافظون عليها حتى الآن.
زهير شاكر، من أقدم نجاري سوق القيصرية في قلعة أربيل كان أول المتحدثين لمجلة “الشبكة العراقية” عن هذه المهنة فقال:
“المهد موجود منذ القدم، وحتى يومنا هذا، ويستعمل الآن أكثر من ذي قبل، ولدينا نجارون وحرفيون على مستوى عال من المهارة في صناعة المهد، أو ما يسمى في اللغة الكردية بـ (اللانك)، وله أشكال وأنواع متعددة، ففيه المنقوش والمزخرف، وهناك أيضاً الخالي من أية نقوش، الذي يطلق عليه الشكل القديم.”
يضيف شاكر: «لا يقتصر استخدام المهود على محافظات إقليم كردستان، بل إنه يستخدم أيضاً في الدول المجاورة، مثل تركيا وإيران وسوريا، ولاسيما في المناطق الكردية منها. وعلى الرغم من الحداثة والتطور اللذين غزيا حياتنا، إلا أن كثيرين من الناس لا يزالون يستخدمونه، والمفارقة أن المهجرين والنازحين، الذين سكنوا محافظات كردستان لمدة طويلة تقارب العشرة أعوام وأكثر، باتوا يستخدمونه أيضاً لإسكات أبنائهم حديثي الولادة عند البكاء أو عند محاولة تنويمهم.
فوائد جمة
يوضح شاكر أن للمهد فوائد كثيرة للطفل حديث الولادة، فعند ربط الطفل في المهد، يكون ذا جسد قوي مستقبلاً. مضيفا أنه في الآونة الأخيرة جرى استخدام نقوش على المهد، واستخدم أيضاً (السي أن سي) بالكومبيوتر لعمل نقوش تضيف لمسة جمالية على المهد. وعن أفضل أنواع الأخشاب المستخدمة في صناعة (اللانك) يقول شاكر: “الخشب الأبيض هو أفضل الأنواع، إذ يكون ذا وزن خفيف، لكيلا يرهق والدة الطفل عند حمله ونقله من مكان إلى آخر.”
تاريخ قديم
النجار رمزي محمود، المتخصص في الصناعات الخشبية، ومن بينها المهد تحدث لمجلة “الشبكة العراقية” قائلاً:
“الخشب المستخدم في صناعة المهد يسمى (الكازاو)، وهناك أيضاً أنواع أخرى كخشب (البي والجنار)، وبعض النجارين يستخدمون خشب (الجوز). أما ما يتعلق بتاريخ هذه الصناعة، فهو -حسب علمي- قديم جداً يعود إلى نحو 400 سنة أو أكثر، وربما يرجع إلى الحقبة العثمانية، أو حتى ما قبل هذه الحقبة. ولا تقتصر صناعة المهد على مدن كردستان فقط، بل هي أيضاً موجودة في الموصل.” مبيناً أن هناك زبائن يأتون إلى إقليم كردستان من بغداد ومن بقية المحافظات الجنوبية لشراء المهد، ولكنهم يشترون الذي يكون داخله أعمق، لأنهم لا يلفون الطفل، على عكس المهد الكردي المعتاد، الذي يكون داخله أقل عمقاً بسبب لف الطفل فيه.
أجزاء المهد
يضيف محمود أن المهد يتكون من عدة أجزاء نسميها في اللغة الكردية (كوا)، ويصنع من أنواع مختلفة من الخشب، منها ما يسمى خشب (الكازاو والبي والسايك)، فضلاً عن خشب (اسفيندار). وبالنسبة لأطراف المهد والأرجل التي تحمله فتصنع من خشب (البي)، بينما تصنع دواخله من الخشب المعاكس. وأغلب أنواع هذه الأخشاب هي محلية، لكن هناك من يستخدم الخشب المستورد أيضاً من فنلندا وتركيا وغيرهما من الدول. مؤكداً أن للمهد فوائد كبيرة لتقوية عظام الطفل، إذ يتم لف الطفل فيه، وهي عملية مهمة، ولاسيما في المناطق الباردة.
أسعار المهد
عن الأسعار التي يباع بها المهد يوضح محمود: في خمسينيات القرن الماضي كان سعره ربع دينار فقط، ثم أصبح في الستينيات نصف دينار، ليصل بعدها إلى دينار واحد، فخمسة دنانير، إلى أن وصل سعره في يومنا هذا إلى 20 أو30 ألف دينار، وأغلى مهد قد يصل سعره إلى 35 ألف دينار.
غرفة صغيرة
بدوره، يحدثنا فريدون عزيز، الذي يمارس هذه المهنة منذ قرابة 30 عاماً، بالقول: “المهد أشبه بغرفة صغيرة للطفل، يكون نومه فيه مستقراً ومرتاحاً، فضلاً عما يوفره من مكان دافئ ونظيف وجميل وهادئ.”
ويؤكد عزيز أن أسعار المهود تكون متفاوتة حسب رغبة الزبون وما يطلبه من إضافات، فهي تبدأ من 20 ألف دينار، وتزداد حسب الإضافات والنقوش التي نجريها عليه تنفيذاً لرغبة الزبون. مشيراً إلى أن الزبائن سابقاً كانوا يحجزون موعداً وينتظرون طويلاً للحصول على المهد، أما اليوم فالأمر مختلف مع وجود المعامل التي باتت تنتج يومياً مابين 25 إلى 50 مهداً.