بغداد / ملاذ الأمين/
تصوير / الشبكة العراقية/
تعمد الدول المتقدمة، التي تمتلك تاريخاً موغلاً بالقدم، الى الاحتفاظ بعاداتها القديمة وفلكلورها الشعبي، ليتسنى للأجيال المقبلة التعرف عن أسلوب معيشة أجدادهم في ظل الظروف الخالية من أدوات التطور الحالي، كالكهرباء والسيارات والأفران والطباخات الغازية، ويكون ذلك من خلال محاكاة الزمن الماضي عبر تماثيل ولوحات تجسد ذلك الزمن، وتعكس المعاناة التي كان يتكبدها الأجداد وقتذاك، من خلال إقامة متاحف فيها تماثيل وصور وأفلام ومؤثرات سمعية تجعل الزائر يعيش أجواء تلك الفترات الزمنية، وهذا الأمر موجود في ألمانيا وفرنسا والنمسا وبريطانيا ومصر وكندا والولايات المتحدة واليابان والصين والهند، ودول عديدة أخرى.
في برلين -مثلاً- يحتفظ المتحف الألماني بالنفق الذي استخدمه هتلر للهروب من مقره الى محطة المترو عام 1945، كذلك توجد في هافانا، عاصمة كوبا، المواقع التي استخدمها فيدل كاسترو لمقاومة جيوش الاحتلال الأميركية التي مهدت لكوبا الانتصار وتحقيق الاستقلال، وفي عدد من الولايات الأميركية نجد قصة اكتشاف الأرض الجديدة -قارة أميركا- بالصورة والصوت والتماثيل والخرائط لتعرّف الزائر بوقائع دخول أول إنسان أوربي الى القارة، وكيفية تعامله مع السكان الأصليين، الهنود الحمر.
فلكلور بغدادي
في العراق، كان لابد من توثيق العادات والتقاليد والفلكور البغدادي من خلال مشاهد قريبة من الحقيقة، عبر تماثيل تجسد الشخصية العراقية، إذ ترتدي الملابس وغطاء الرأس القديم، وتمارس العمل الخاص بالشخصية، كالخياطة أو الحدادة أو عمل الخبز وصيد السمك، وغيرها من المهن المنتشرة في ذلك الوقت، لذا عهدت أمانة بغداد منتصف ستينيات القرن الماضي الى عدد من مشاهير النحاتين العراقيين للشروع بتنفيذ تماثيل تحاكي الحياة اليومية للبغداديين.
وعند اكتمال المنحوتات، جرى افتتاح المتحف البغدادي عام 1970 ليحكي عن تاريخ بغداد القديم، وحياة البغداديين بكل تفاصيلها، وليسلط الضوء على التراث والفلكلور والحفاظ عليه من الضياع ليكون في متناول الأجيال المتعاقبة، إذ عمدت أمانة بغداد الى إنشائه ليوثق بموضوعية الحياة خلال مدة زمنية من تاريخ العاصمة بغداد، لينقل الى الأجيال الحاضرة واللاحقة تفاصيل دقيقة عن تاريخ أجدادهم، كيف عاشوا، وماذا امتهنوا وعملوا، وما هي الطقوس التي مارستها العائلات البغدادية والتقاليد الشعبية، وماذا استعملت تلك العائلات من وسائل وأدوات ومواد منزلية لمواصلة حياتها؟
مطبعة الولاية
وكانت بناية المتحف، الواقعة حالياً قرب جسر الشهداء – في جانب الرصافة – قد استخدمت أولاً كمطبعة لولاية بغداد أيام حكم الوالي مدحت باشا 1869-1872م ، واستمرت كذلك لفترة طويلة، ثم أحيلت في ستينيات القرن الماضي الى أمانة بغداد التي قررت إنشاء متحف يوثق فترة زمنية من تاريخ بغداد، وينقل تفاصيل دقيقة عن حياة البغداديين، ويلقي الضوء على التراث البغدادي الأصيل ونمط الحياة التقليدية لبغداد القديمة، ويستعيد بساطة الحياة وتماسكها وثرائها الاجتماعي من خلال مشاهد واقعية تجسد الشكل والحركة والألوان التي أبدعها فنانون عراقيون صنعوا تماثيل الشخصيات بلغة ذات صلة بالموروثين الشعبي والتراثي للمجتمع البغدادي القديم.
(التتنجي)
ما إن تلج المتحف حتى تشعر بأنك في سياحة تاريخية مدهشة ومبهجة، حيث ترى مشاهد متنوعة، كل منها يحكي حكايته، فمن مشهد التتنجي (بائع التبغ)، وهو يلف (يشماغه) على رأسه وينحني ليجمع فتات التبغ، وبجواره يجلس زبون وهو يضع بين أصابعه السيجارة، الى مشهد المقهى الذي ضم أحد الباشوات وهو يطالع جريدة، والى جانبه يجلس باشا آخر يمسك بعصاه، والى جوارهما يقف عامل المقهى الذي يقدم لهما الشاي، وخلفهم مجموعة من مرتادي المقهى يجلسون في منظر يحاكي الفلكلور الشعبي، ثم مشهد العرائس الشعبية، وبعدها مشهد النفائس الثمينة ، ثم مشاهد عديدة تعكس جوانب من حياة اهل بغداد.
تماثيل وكتب
يضم المتحف 385 تمثالاً توزعت بين 77 مشهداً، تضاف إلى ذلك كل المواد والمستلزمات والحاجيات والأكسسوارات التي يحتاجها المشهد. كما يحتوي أيضاً على مكتبة ضمت خزاناتها وثائق ومراجع ومصادر عن مدينة بغداد، بلغ عديدها 4830 كتاباً، احتوت على الحكايات والعادات والتقاليد التي اشتهر بها البغداديون، كذلك يضم المتحف مجموعة من اللوحات الفنية لعدد من الفنانين العراقيين الرواد.
جدير بالذكر أن المتحف البغدادي يوثق فترة زمنية من تاريخ بغداد، وينقل تفاصيل دقيقة عن حياة البغداديين بكل تفاصيلها، ويلقي الضوء على تراث عظيم وفولكلور رائع ونمط الحياة التقليدية لبغداد القديمة، كما أنه يستعيد بساطة الحياة وتماسكها وثراءها الاجتماعي من خلال مشاهد واقعية تجسد الشكل والحركة والألوان، أبدعها فنانون عراقيون صنعوا تماثيل الشخصيات بلغة ذات صلة بالموروثين الشعبي والتراثي لبغداد.
منحوتات عراقية
يقول احد موظفي المتحف (طلب عدم ذكر اسمه) إن ” بناية المتحف البغدادي تعد من البنايات التراثية الفلكلورية في العاصمة العراقية؛ حيث أُنشئت هذه البناية عام 1869 في عهد الدولة العثمانية في زمن الوالي مدحت باشا، وتأسست آنذاك كمطبعة للدولة العثمانية، وفي منتصف الستينيات من القرن الماضي، قرر أمين بغداد أن تكون هذه البناية مخصصة للمتحف البغدادي، وذلك لقربها من ضفاف نهر دجلة، ولكونها في منطقة الرصافة القديمة التي تضم شارع المتنبي، وجرى افتتاح هذا المبنى في الأول من كانون الثاني عام 1970، حينها ضم المتحف أكثر من 75 مشهداً تمثل عادات وتقاليد العائلة البغدادية، وأضيفت الحرف والمهن البغدادية في ثمانينيات القرن الماضي.”
وأضاف أنه “جرى استخدام مادة الجبس لصناعة التماثيل في بداية افتتاح المتحف، لكن التماثيل بدأت بالتآكل متأثرة بالعوامل الطبيعية، كالحرارة والرطوبة، وبعد عام 2003 ومن خلال مشاهداتنا للمتاحف العالمية، نمت فكرة استبدال صناعة التماثيل بالجبس إلى مادة (المودموكس)، وهي مادة طرية قريبة إلى ملمس جسد الإنسان وقوامه المادي؛ فأنشئت ورشة المتحف المتكونة من نحاتين ورسامين ومصممين من خريجي كلية الفنون الجميلة، اشتغلوا على صناعة التماثيل وتغطية المشاهد البغدادية والحرف المقرر عرضها في المتحف، كما تقوم هذه الورشة بإجراء صيانة مستمرة ودورية للتماثيل.”