علي غني /
يعتقد الكثير أن سوق الهدايا يبقى مفتوحاً على مدار العام الدراسي في بعض المدارس، ويشتد التسوق في المناسبات الكبرى، كأعياد المعلم والطالب والمرأة، وموسم المعدلات، وهذا السوق قد يسبب أزمات مادية ومعنوية لأولياء الأمور من أصحاب الدخل المحدود، الذين يعانون في اختيار نوع الهدية، وللمعلمين والمدرسين الذين يرفضونها، لأنها تعد أساساً للتفرقة بين الطلبة، المترفون من أولياء الأمور يتفننون في الإهداء، لكن الحكم على الموقف النهائي من الهدية يتوقف على نية (المُهدي)، والمدهش أن المعلمين والمدرسين والمشرفين وأهل الدين والعشيرة، كلهم اتفقوا على رأي واحد، فما هو هذا الرأي ياترى؟
هدية معنوية
لاشك في أن السنوات التي تلت التغيير أتاحت لأولياء الأمور التقرب أكثر من المعلمين والمدرسين، على اعتبار أن هناك تحولاً ديمقراطياً شمل كل مرافق الحياة. لذلك رحت أسال المعلمين: ماذا لو أعطاك الطالب أو ولي أمره هدية؟ ماذا ستفعل؟ اعترف أن العديد من المعلمين فضلوا عدم الإجابة، ولا أدري ما الأسباب. غير أن معاون مدير مدرسة ابن الأرقم الابتدائية الأستاذ (محمد مجيد حميد)، الذي التقيته مصادفة في أروقة المديرية العامة لتربية الكرخ الثانية، أجابني، بحكم الصداقة التي تربطني معه، قائلاً: “بالنسبة لموضوع هدية عيد المعلم، فإنها -من وجهة نظري- معنوية قبل أن تكون مادية، فمجرد ذكر المعلم هو نوع من التقدير للمجهود الذي يبذله تجاه طلابه، إذ أن دوره التربوي يسبق دوره التعليمي، هذا إذا كانت الهدية في مناسبة معينة. أما بالنسبة لموضوع الهديه (من غير مناسبة)، مثلاً مقابل نجاح الطالب في المادة، فإنها تعد رشوة، والمفروض بالمعلم إلا يتقبل مثل هذه الهدايا لأنها تقلل من هيبته.”
فيما قالت زميلته المعلمة (أسيل كمال): “نعم، هناك بعض المعلمين أو المدرسين يطلبون ذلك من التلاميذ، لكن في المقابل هناك من لا يتقبل أية هدية، سواء أكانت بمناسبة أم بغير ذلك، وهناك تعليمات صريحة من التربية بعدم قبول الهدايا.”
موقف تربوي
إلى ذلك.. يرى معاون المدير العام للشؤون الفنية في تربية الكرخ الثانية الأستاذ (ستار السعيدي) أن “ظاهرة إعطاء الهدايا للمعلمين والمدرسين مرفوضة جملة وتفصيلاً، وأن الوزارة أكدت ذلك في إعمام إلى جميع المديريات العامة للتربية في بغداد والمحافظات، إذ يحاسب أعضاء الهيئات التعليمية والتدريسية الذين يقومون بذلك.” وأضاف أنها “ظاهرة سلبية تعني شرعنة الفساد داخل المؤسسة التربوية.”
من جانبه.. يقول الأستاذ (عبود الكعبي)، مدير الإشراف الاختصاص في المديرية العامة لتربية بغداد الكرخ الثانية إن “تسلم الهدايا من التلاميذ يعد مخالفة للأنظمة والتعليمات الصادرة من الوزارة، وأي معلم يخالف هذه الأنظمة يحال على لجان تحقيقية من قبل الإشراف التربوي، لأن العمل التربوي واجب مقدس بعيد كل البعد عن هذه الظواهر الغريبة والمنبوذة.” مؤكداً أن “أية هدية مقدمة من الطالب إلى المدرس تعد ظاهرة غير مشروعة، لأن المعلم يعمل براتب شهري، فضلاً عن كون عمله هذا من الواجبات الأخلاقية، كما أن أية هدية تقدم إلى إدارات المدارس والملاك التعليمي من دون إطار قانوني، تدخل في قضية الفساد الإداري والمالي، ويحاسب عليها القانون.”
ويرى عبود أن عدم تشجيع هذه الحالة وإقصاءها من المؤسسة التربوية يدل على التعامل السوي بين جميع التلاميذ من دون تمييز.
وسيلة للمحبة
فرغت من التربية لأنتقل إلى حوزة الجواد العلمية، لأتبين الحكم الديني لمتسلم الهدية، الذي أوضحه لنا الشيخ (ماجد الجبوري)، الأستاذ فيها، حيث قال: “ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أكثر من رواية أنه قبل الهدية، وكذلك جعلها وسيلة ممدوحة للتآلف والمحبة ونبذ الفرقة والبغضاء والشحناء، إذ قال صلى الله عليه وآله (( تهادوا تحابوا )).
والأصل في بذل وقبول الهدايا عموماً هو حكم الاستحباب، كما ورد عنها من تأكيد في أقوال وأفعال رسول الله، صلى الله عليه وآله، لكن لضبط مشروعية الهدية وعدم كونها من أحد أبواب الكراهة أو عدم الجواز، فلا بد من أمرين: الأول هو النظر إلى مقصد صاحب الهدية، إن كان قاصداً التودد والتقرب، أو في مقام الشكر لنعمة أو خدمة، وألا يكون قاصداً إحراج الأستاذ، مثلاً للتغاضي عن تقصير أو لزيادة درجة بلا استحقاق، فعندئذ تحرم هذه الهدية وتخرج عن مقصدها الشرعي. أما الأمر الثاني فهو النظر إلى عدم استلزام الهدية للمحذور، أي ألا تكون الهدية في مقام التأثير على المُهدى إليه، فيعطي امتيازاً أو مقاماً لصاحب الهدية بسببها، حتى مع كون القصد شرعياً ولم يكن يُقصد بها غير التودد والتقرب إلى الممدوح.”
مآدب تشجيعية
كذلك تناغمت الآراء العشائرية مع الدين، بحسب السيد (عبد الهادي السيد عكلة الموسوي)، من وجهاء السادة (البو حمد) في محافظة ميسان، وهو العارف بشؤون العشائر، إذ قال: “إذا كان الهدف من الهدية هو تعزيز العلاقة بين الطالب والمدرس، فهذا أمر ليس فيه أي إشكال، لكن إذا كان الهدف استمالة المدرس، فهنا تشبه العملية إلى حد ما الرشوة، وهذا لا تقبله الأعراف العشائرية، فعندنا في الريف يجري تكريم المعلمين والمدرسين بإقامة مآدب تشجيعية في المضايف تقديراً للجهود الطيبة التي بذلوها في تدريس أولادنا.”