بغداد ــ علي غني/
ماذا لو طبقنا مقولة الإمام علي (ع) في مدارسنا أن “”الخط الحسن يزيد الحق وضوحاً””، فلطالما بكى العديد من التلاميذ والطلبة في مدارسنا عند ظهور نتائج الامتحانات الوزارية، بل حتى امتحانات الصفوف غير المنتهية، لحصولهم على درجات أقل من استحقاقهم ولاسيما الطلبة والتلاميذ المثابرين والأذكياء،
رداءة الخط والأخطاء الإملائية، تعد مشكلة تضاف إلى مشكلات التعليم في العراق، وهنا يمكن فهم مقولة الإمام علي (ع) المذكورة بأن الخطوط الواضحة والإملاء الصحيح يمكنها أن تحكم على عدالة الدرجة عند التصحيح، أي أنها تعطيك حقك بوضوح.
ثمن الأخطاء
أقول، وبالأدلة، إن مشكلات رداءة الخط والأخطاء الإملائية جرّت الويلات على العديد من المواطنين الذين يتعاملون بالبطاقة الوطنية، أو الجوازات، أو مديريات الطابو، أو البلديات، فهناك ترى العجب العجاب، إذ غالباً ما يدفع المواطنون ثمن الأخطاء الإملائية ورداءة الخط تكاليف مادية ومعنوية ومعاناة نفسية، فكيف إذا كانت أجوبة تحدد مصير الطالب ومستقبله؟ إن مقولة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، إنما جاءت لتوضح أهمية الموضوع وعلاقته بحياة الطالب (الإنسان)، ومصيره الذي يمتد إلى الموت، فربما كلمة تقلب المعنى رأساً على عقب، وأخرى تحق لك الحق وتزهق لك الباطل من خلال وضعها في المكان المناسب الصحيح.
درس الفنية
يقول الأستاذ عودة كاظم، رئيس لجنة اللغة العربية في فضائية العراق التربوية سابقاً، ولديه خبرة تمتد لأكثر من سبعة وعشرين عاماً في فحص دفاتر الامتحانات الوزارية لمرحلة السادس الإعدادي: إن “الخط الحسن يقوم على موهبة فطرية، كما هو حال الشِّعر، لكن الموهبة وحدها قد لا تكفي، بل إنها تحتاج الى تدريب متواصل. إن ما يُلاحظ على خط طلبتنا الأعزاء الضعف الواضح في الكتابة، ولاسيما في الامتحانات الوزارية، إذ يواجه الفاحصون صعوبات بالغة في فهم الكتابة لكثرة الأخطاء الإملائية ورداءة الخط.”
وتابع: “ربما يسأل سائل عن الأسباب التي أوصلت الطالب الى ما هو عليه، إذ إنها كثيرة، منها الأعداد الكبيرة للتلاميذ داخل الصف الواحد التي تتجاوز أحياناً السبعين طالباً، فكيف يتمكن المعلم من متابعة خط الطالب وتحسينه؟ فضلاً عن أسلوب الدوام الثلاثي في المدارس، الذي له تأثير سلبي على وقت الدرس غير الكافي، كذلك غياب درس الفنية الذي تلاشى تماماً، ما أدى الى انحسار دور معلم الفنية في مساعدة معلم اللغة العربية بتعليم التلاميذ إتقان الخط العربي.”
كراسة الخط
يقول المعلم المتقاعد كاظم إبراهيم كاظم، المصحح اللغوي في مجلة “الشبكة العراقية” عن مشكلة رداءة الخط والإملاء: “منذ كنا تلاميذَ في الابتدائية تعودنا في دراستنا لمادة اللغة العربية على حصة الإملاء والخط أسبوعياً، وكانت كراسة الخط ترافقنا دائماً في هذه الحصة، فبعد أن ننهي واجب الإملاء يبدأ درس الخط بوساطة تلك الكراسة، التي كان أساتذتنا يعتمدون عليها في تحسين كتابتنا.”
الأستاذ كاظم قال لي إنه تعلم الخط الجميل من تلك الكراسة الرائعة، وكان ينقل خبرته تلك إلى تلاميذه، إذ كانت تلك الكراسة تعلّم التلاميذ في الصفين الثالث والرابع خط النسخ، فيما كراسة الخامس والسادس يتعلمون منها خط الرقعة باعتباره خطاً عملياً يكسبهم مهارة السرعة في الكتابة.
رضا الضمير
وتابع كاظم حديثه: “كنت حينها أكتب، (أو بالأحرى أرسم) العبارة التي في الكراسة في أعلى السبورة التي أقوم بتقسيمها إلى قسمين ليقوم تلميذان بكتابة تلك العبارة كل على حدة كتنافس بينهما، مع تشجيعي وزملائهم، وأحاول إشراك أكبر عدد منهم، وفي نهاية الحصة أطلب منهم كتابتها في كراريسهم كواجب بيتي. وبذلك كانوا يتعلمون قواعد الخط العربي في أربع سنوات، لذا كانوا عند التحاقهم بالمرحلة المتوسطة تجد أن كتاباتهم كانت ترضي ضمائرنا.”
وتابع إبراهيم أن “من جميل ما كانت تحتويه تلك الكراسة مواضيع صفحاتها، التي كانت إما آية من القرآن الكريم، أو بيتاً من الشعر العربي. لذا فإن من المؤسف خسارة الطلبة لكراسة الخط، ومن المهم إعادتها، لا بل جعلها إلزامية حتى في الدراستين المتوسطة والثانوية، وذلك لغرس الذائقة الجمالية في نفوس طلبتنا بعد أن تردت تلك الموهبة، حتى صرنا لا نعرف أن نقرأ (شخابيط) الكثير من طلابنا، بل حتى ممن يتبوأون مناصب رسمية لكنهم لايعرفون حتى كتابة أسمائهم بنحو صحيح!”
إهمال وعبث
فيما عزا الأستاذ عامر محمد علي جبوري (مدير مدرسة سابق – متقاعد حالياً) كثرة الأخطاء الإملائية وتردي الخط، إلى أن “ذلك يرجع إلى تناقص الاهتمام بتدريس مادة اللغة العربية، بحجة اعتبارها مادة أدبية وتركيز غالبية الأساتذة على المواد العلمية، لكننا يجب أن ندرك أن الحياة لا تحتاج إلى العلماء والمفكرين فقط، هذا صحيح، لكننا أيضا بحاجة إلى الأدباء والشعراء وكتّاب المسرح والفنانين، وهؤلاء لا يستطيعون أن يقدموا لنا نتاجاتهم مالم يتعلموا كتابة أعمالهم على النحو الصحيح، وبخط جميل أيضاً.”
جبوري أضاف: “أمسينا -للأسف- نلمس تراجعاً بل تردياً في استخدام لغتنا الجميلة، حتى صرنا نرى خريجين ومسؤولين لا يستطيعون كتابة سطر واحد بلغتهم دون أن يكون مليئاً بالأخطاء الإملائية والنحوية، ناهيك عن رداءة الخط الذي يكتبون به، فإلى متى يستمر هذا الإهمال والعبث بلغة القرآن والأدب؟ سؤال موجه إلى المسؤولين عن رسم خطط تطوير لغتنا، فهل ستجيبنا وزارة التربية بعد أن كشفنا لها كل الحقائق؟”
الواجب البيتي
يتفق الأستاذ حسن عبد الأئمة (مفتش تربوي في تربية الكرخ الثانية) تمام الاتفاق مع الأستاذ كاظم إبراهيم، حين يعزو رداءة الخط والأخطاء الإملائية لدى الكثير من الطلبة والتلاميذ، إلى عدم استخدام كراسة الخط العربي، إذ إن هذه الكراسة تعلم التلميذ كيفية رسم الخطوط والحروف العربية، كما تعلمه أنواع الخطوط، مثل الرقعة والنسخ والكوفي والفارسي والديواني، وكذلك تساعد التلميذ على عدالة الكتابة بسلاسة وعلى رسم الحروف بأشكالها الصحيحة.”
ويضيف (المفتش عبد الأئمة): “في سابق الزمان كان المعلم يساعد التلاميذ على كيفية رسم الحرف بطريقة صحيحة، إما على السبورة، أو من خلال التنقيط في الدفتر، وهذا ما نفتقده في الوقت الحاضر.”
أقدم لغة
من جانبه، يقول الدكتور كريم حسين ناصح، (أستاذ اللغة العربية في كلية الإمام الكاظم(ع)، رئيس جمعية اللسانيين العراقيين)، في أحد المؤتمرات الخاصة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية: إن “أجمل ما يميز اللغة العربية عن لغات العالم هو أنها تعد أقدم لغة منطوقة، كما أنها لغة متطورة، استطاعت نقل حضارة الأمة الإسلامية الى أرجاء المعمورة، بكل مصطلحاتها وألفاظها وعلومها ومعارفها، فضلاً عن ذلك فإنها لغة القران الكريم التي شرفها الله بنزوله بها، يكفينا فخراً نحن العرب أن لغتنا أصبحت -بجدارة- لغة عالمية.”
ختاماً لا يسعنا إلا أن نقول: رفقاً بلغتنا الجميلة.. لغة القرآن والحديث.