ميساء الفيلي /
قطعٌ فنية فاخرة تخطف القلب من أول نظرة، ويتسلل منها الى الروح، حيث لا يقف الامر عند فخامة الأمر عند فخامة التصميم فحسب، وإنما تذهلك ألمعية فكرة المزاوجة اللطيفة بين تراثنا النفيس وحضارة وادي الرافدين الناعمة بقلائدها وأحجارها الثمينة وخزائنها، وكذلك بين الحداثة ومكننتها بغية تعريف العالم ولفت أنظارهِ نحو هذا الصندوق الجمالي العابق بالنفائس الحيّة.
سوالف بغدادية مملوحة جمعتنا مع المصمم التراثي وصائغ روائع الحضارة (قيس حسين علي) الذي تحدث لنا، بسعة صدره، عن الحلي وتصميم المجوهرات عبر تطويع الحداثة بالآركيولوجيا:
*شغِفت بفكرة الصياغة التراثية في وقت مبكر، كيف لمن هو في عمرك أن يخطف ذائقته هذا المجال الى درجة الالتصاق بمحال الصاغة والنفائس؟
– يجيب بابتسامة: بداياتي كانت بين عامي 2009 -2010 إذ كنت شغوفاً جداً بالأحجار الكريمة رغم صغر سني، ولعي المفرط بها ولّد لدي رغبة في الوجود المدمن ما بين محال الصاغة وصانعي الحلي والأحجار النفيسة. هذا الولع استمر وكبر في داخلي وقادني الى دراسة المفهوم الرئيس والفكرة الحقيقية للصياغة، التي تعلمت من خلالها الأساسيات البسيطة، بعدها كبر الحلم أكثر فطورت ذائقتي وأصبحت أحضر مؤتمرات ومعاهد ودورات عالمية وورشاً كانت تقام في دول عديدة ترعى هذا المجال النفيس.
*فكرة المزاوجة بين رائحة تراث أجدادنا، وحضارات الرافدين، والصياغة الحديثة، كيف خطرت على بالك؟
-أنا بطبيعتي شخص مغامر.. وأعتقد أن واحداً من أسباب تميزي ونجاحي في جانب منفرد عن الباقين، هو أني صاحب فكرة الدمج الفخم بين علم الصياغة القديمة (البدائية) وعلم الصياغة الحديث (المكننة)، وبالتالي خرجت بهذه القطع الفنية الجميلة النفيسة التي تمزج تراثنا مع لمسات التطور والحداثة، وقد دمجت بين النحت، والنقش، والصياغة، وتركيب الاحجار، والتصميم، بالإضافة الى المكننة تقريباً، أي أني جمعت خمس مهن في مهنة واحدة، علماً أن كل القطع المنفذة هي من تصميمي وتنفيذي، كما يساعدني دائماً والدي كونه (إنتيريال ديزاين).
*لاحظنا في صياغة الخواتم أن هناك تعريفاً واضحاً للعالم بحضارات وادي الرافدين وعظمتها، هل كنت قاصداً ذلك أم أنه مجرد تسويق؟
-بالنسبة للخواتم التي تتعلق بالحضارات والتاريخ، فهذه الخواتم صممتها بطريقة وطنية خالصة، وبحس عراقي افتخر به، لأن الغرض منها تعريف العالم كله بحضارات وادي الرافدين وعظمتها، وعادة فإن زبائن المجوهرات هم ثلاثة أنواع: الأول يقتني القطعة لأن تصميمها أعجبه ولايهتم بنوعية الحجر إذا كان صناعياً أو طبيعياً. أما النوع الثاني فيقتني القطعة إذا كانت خاتماً أو قلادة لأجل الحجر الموجود فيها، ولاقتناعه بأنه الحجر الذي يتلاءم مع برجه وتاريخ ميلاده. في حين أن النوع الثالث يقتني القطعة لندرة الحجر الموجود فيها، مثلاً بعض القطع قد يصل سعرها إلى ١٠ آلاف دولار أو أكثر والسبب هو نوعية الحجر الموجود في الخاتم أو القلادة.
*لماذا تكون غالبية (الديزاينات) مرغوبة لدى النساء والرجال على حدٍ سواء، كيف جمعت الذائقتين؟
-لأني –بأمانة- جمعت في هذه القطع جودة العمل، وندرة الحجر، وأنواع أحجار تتلاءم مع كل الأبراج، كلها في قطعة واحدة، والأهم من هذا كله أن أكثر الموديلات التي أصممها وأنفذها أصوغ منها قطعتين أو ثلاث حتى لا تكون تقليدية أو مكررة. لديّ مثلاً قلادة الملكة شبعاد، وهي مصنوعة من الذهب الطافي (غير لمّاع) عيار 18، مع 10 حبات ألماس طبيعي نقية مع 21 حجر ياقوت إفريقياً طبيعياً، وحجرين من الزمرد الطبيعي، وقد صنعت منها قطعة واحدة فقط.
*جذبتنا قلادة في لوحٍ مسماري مذهل، أعتقد أن في داخل رموزها فكرة ناطقة..
-نعم، صغت لوحاً مسمارياً قديماً في أحد المتاحف، وكان مكتوباً على اللوحة التعريفية أن هناك صفقة تجارية بين فلاح وتاجر لبيع الحبوب، وأخذت الفكرة وعملت قلادة منها، لكن مع تغيير بعض الرموز، وأيضاً أضفت أحجاراً كريمة الى التصميم. كذلك لدي خاتم كلكامش من الذهب الأسود والأصفر عيار 18 مع الألماس، ويزين الخاتم من الجانب رأس أسد، وأيضاً صنعت خاتم الملك آشور بانيبال، كما صنعت اقراطا نسائية مستوحاة من صور الملك سرجون الأكدي.
*كان للحضارة الفرعونية المصرية نصيب في إبداعاتك، هل تجد تلاقحاً حضارياً يمكن صياغته كمشترك عربي؟
– بالتأكيد، إذ أن جميع الحضارات نابعة من أرض عربية خصبة، وهذا الخاتم الفرعوني يعتبر واحداً من أصعب الخواتم التي صممتها في حياتي، وذلك لكثرة التفاصيل الموجودة فيه، فكرة الخاتم مستوحاة من الحضارة المصرية الفرعونية، وهذه الشخصية لرجل اسمه (أنوبيس -Anubis). الخاتم كله من الذهب الأصفر والأسود ويزن 35 غراماً تقريباً، وهو مرصع بالأحجار الكريمة الطبيعية (ألماس أبيض، وألماس أسود، وياقوت) ويحتضن الرجل في يده ياقوتة طبيعية غير معالجة بوزن 1.5 قيراط، ويعتبر الياقوت الطبيعي غير المعالج من نوادر الأحجار الكريمة. بصراحة فإن الخاتم كان تحدياً كبيراً بالنسبة لي، وفترة العمل استغرقت خمسة أشهر متقطعة بين بحوث وتجميع أفكار وتنسيق وتصميم وتقطيع الحجرة الرئيسة حتى تتواكب مع التصميم.