صحراء كربلاء تكتســـــي بلــــــون الحنطــــة

كربلاء – علي لفتة سعيد/
لم تكن الصحراء التي تحيط بكربلاء غير مناسبةٍ لهبوب العواصف، حينها تتحوّل المدينة الى لونٍ داكنٍ رملي يخنق الناس حيث يمشون أو يختبئون في البيوت. كان ذلك حتى وقتٍ قريب يزيد على العقد من السنين بقليل. ولذا فإنّ الزراعة التي كانت تشتهر بها كربلاء هي مساحات قليلة ودائمية وبما يقع في مناطق خارج الصحراء، فتبدو مثل وجهٍ لم تمشّطه الشمس صباحا، وخضرة محاصرة بالرمال.
لكن في السنوات الأخيرة اتسعت الزراعة حين كان الاهتمام بها من قبل المؤسسات المعنية سواء منها الحكومة المركزية أو المحلية بدوائر الزراعة فيها أو المؤسسات الأخرى كالعتبات المقدسة. ولذا فإن الصحراء لم تعد غبارا رمليا، بل تحولت الى لونٍ ذهبي تتمايل على نغم الرياح رقص أسنة الحنطة والشعير مثل موسيقى صوفية.
خطة الحاضر
خلال السنوات الماضية كان الجهد والعمل في تحويل الصحراء الى مورد زراعي يسهمان في السلة الغذائية لأكثر المحاصيل طلبا وهي الحنطة والشعير، رغم أن مدير زراعة كربلاء المهندس محمد جاسم الطيار يقول إن الزراعة في هذين المحصولين وجدت اهتماما حكوميا خاصا مع الاتساع في المحاصيل الزراعية الأخرى التي لا تقل أهمية في السلة الغذائية.. ويضيف أن التوسّع الأكبر شمل محصول الحنطة كونه محصولا ستراتيجيا وخبزة العائلة العراقية، ولذا فإنَّ الطيار يتحدّث عن خطة هذا العام التي يعدها الاكبر والأوسع والأكثر إننتاجا عن باقي السنوات ويشير الى أن الأمر جاء من خلال الاتجاه لاستغلال المساحات الصحراوية الواسعة غرب وجنوب المدينة باستخدام مياه الآبار من خلال نشر المرشاة المحورية والثابتة في عملية الري، ويؤكد أنَّه خلال الموسم الشتوي2022-2023 كانت الخطة زراعة 200 ألف دونم منها 148 ألف دونم ضمن الخطة الزراعية المصادق عليها من قبل وزارتي الزراعة والموارد المائية و50 ألف دونم خارج الخطة ولذا (والكلام للطيار) شهدت زراعة هذا المحصول زيادة في الانتاج قد تصل الى ما بين 120-160 ألف طن مقارنة بالعام الماضي الذي تمت فيه زراعة 113 ألفا و594 دونما تم فيه تسويق ما يقارب 87 ألف طن، أي بزيادة تصل الى ثلث إنتاج العام الماضي وهذا طموح نسعى الى تعزيزه في العام المقبل إذا ما توفرت العوامل العديدة.
بدايات
في كل موسم تبدأ الدوائر بالعمل بحسب ما تضعه الوزارة من تخطيط بحسب المتوفر من مياه وأراض زراعية وآليات وفلاحين ومزارعين ودعم حكومي متنوع، ولهذا فإن الطيار يشير الى أن هذا الموسم منذ بدايته شهد اهتماما حكوميا كبيرا، إذ قامت وزارة الزراعة بتوفير بذور الرتب العليا بواقع 50 كغم للدونم وأسمدة بجرعة 30 كغم سماد داب و40 كغم سماد يوريا للدونم الواحد بأسعار مدعومة وصلت ما بين 50-70% إضافة الى توفير مبيدات لمكافحة أدغال الحنطة الرفيعة والعريضة الأوراق إضافة الى مبيدات لمكافحة حشرتي السونة والمن بشكلٍ مجاني. وعدّ مدير الزراعة هذا الدعم الأكبر الذي يتبعه توفير الأموال اللازمة لشراء المحصول ودفع مستحقات الفلاحين خلال 24 ساعة من التسويق الى سايلوات وزارة التجارة وهذا يحدث لأول مرة منذ سنوات إذ بلغ سعر الطن الواحد 850 ألف دينار، عادّاً هذا القرار الأكثر إيجابية، كون الفلاح حين يحصل على مستحقات تعبه فإنه لن يفكر بالبيع خارج القانون ويعرّض نفسه للمساءلة القانونية مثلما يفكر بالموسم المقبل وكيفية زيادة الانتاج وتقليل الضائعات والخسائر ومكافحة الأمراض والأدغال وغيرها وهو الامر الذي يصب في صالح الجميع في الوصول الى الاكتفاء الذاتي الذي يحقق العديد من الأهداف منها زراعة بلدنا وتحويل الأراضي الصحراوية وإيقاف هدر الاموال الصعبة على الاستيراد فضلا عن تشغيل الأيدي العاملة سواء في الزراعة وما يصاحبها.
الماضي والمقارنة
لا شيء بلا تخطيط واستغلال ما متوفر إذا ما كانت هناك عقول منتجة وتفكّر بالحاضر والمستقبل، ولهذا حين توفّرت عوامل زيادة الانتاج كما يقول مدير إعلام الزراعة باهر غالي الذي يشير الى أن استغلال الصحراء في عملية استزراع محصول الحنطة جاء بعد أن تم استخدام المرشات المحورية المتحركة والثابتة في عملية الري اعتمادا على مياه الآبار، إذ تم نشر أكثر من ألفين و400 مرشة محورية في المناطق الصحراوية خاصة في قضاء عين التمر وكل مرشة تسقي ما بين 68 الى 120 دونما وهذا يقلل الجهد مما يقلل كلف الإنتاج، مستدركا أن كربلاء وبحسب وزارة الزراعة أعلنت أنها أكثر المحافظات استخداما للمرشات. ويقارن غالي بين الحاضر والماضي ويقول: قبل عدة سنوات لم تكن من المحافظة مصنفة لإنتاج محصول الحنطة اذ لم تتعدَ المساحات المزروعة أكثر من ثلاثة آلاف دونم ولم يتعدَ الانتاج خمسة أطنان قبل عام 2003 بينما سيصل الإنتاج هذا العام الى ما بين 120 -160 طنا وهذا يعد نجاحا كبيرا. وكان عدد الفلاحين لا يتجاوز العشرات أما الآن فهناك مئات الفلاحين والمزارعين وحتى أصحاب الشركات والقطاع الخاص يعملون في هذا القطاع.