آية منصور /
” عالبسكلتة نلفو يابا في كل حتة،” شعار غير مرئي، انتهجته وسارت على خطاه (مبادرة ومنظمة برج بابل لحماية التراث في العراق)، فكيف ومتى أصبحت الدراجة الهوائية في العراق متاحة هكذا للنساء؟ “لنكسر كل الحواجز ونخرج في نزهة على دراجاتنا، لنرى مدينتنا بشكل جيد”.
انتهجت (مبادرة برج بابل لحماية التراث) مشروع التعرف على مناطق بغداد الأثرية وأبرز مزاراتها من خلال ركوب الدراجات الهوائية.
بدأت الفكرة عام 2017، لكن انطلاق فعاليات الدراجات الهوائية الفعلي بدأ عام 2019، كما توضح (ذكرى سرسم)، عضو مجلس إدارة مبادرة برج بابل للتراث، إذ تنطلق، وبشكل أسبوعي، جولات لمختلف المشاركين بمختلف أعمارهم، داخل أحياء بغداد السكنية نحو أبرز الشواخص الأثرية والتراثية.
“بدأنا التنسيق مع وزارة الثقافة، ومع الوقف السني، باعتبار أن غالبية المزارات الدينية تابعة له في بغداد، واتفقنا على زيارة معالم المدينة كل يوم جمعة، وكان سيرنا على الدراجات الهوائية ليس مجرد (سير)، وانما للاستكشاف وحماية التراث، إذ وجدنا أن الكثير من هذه المعالم مهمل وآيل للسقوط.”
إنقاذ المعالم
توضح سرسم أن لا علامات دالة تؤدي إلى غالبية مزارات بغداد، فعلى الرغم من أهميتها، لكن الإهمال طالها في كل شيء، حتى أن الفريق التطوعي كان، وما زال، يواجه صعوبات في إيجاد الأماكن، مع معاناة شديدة بسبب رداءة الطرق وعدم تبليط غالبيتها، إلا أنهم استمروا بزيارة المواقع الأثرية وتوثيقها. تكمل في حديثها لـ “مجلة الشبكة” قائلة:
“أصبحنا ننشر جولاتنا في مواقع التواصل، ومنها بدأ الكثير بالانضمام إلينا، من المتطوعين والمحبين لمدينتهم، كان هذا شعوراً رائعاً، أن يكتشف الآخرون مكانهم الذي يعيشون فيه.”
وتبين ذكرى أيضاً أنهم استطاعوا “إنقاذ بعض المواقع من السقوط، ومنها قبة السهروردي، التي تعود الى أكثر من 800 عام، إذ كانت تعاني من التصدعات والتشققات، مع إهمال هائل، فقد طلب القائم على إدارة المكان من متطوعي برج بابل المجيء وتسليط الضوء عليها قبل سقوطها، وهذا ما حدث، فبعد نشر متطوعي المبادرة صور القبة وهي تتآكل، بعدها بيومين، أعلن وزير الثقافة الأسبق المباشرة بترميمها وتأهيلها بالاتفاق مع إدارة الوقف السني، وكان هذا أحد نجاحات أعضاء المبادرة، ومازالت الجهود متواصلة رغم مرور سنوات، إلا أن ترميم المكان لم يكتمل بسبب التلكؤ وعدم الاهتمام، لكننا على الأقل استطعنا الحفاظ على القبة من التهديم.”
المبادرة في المحافظات أيضاً
تضيف ذكرى أنه على إثر مبادرة برج بابل نشط الكثير من الفرق التطوعية بمبادرات تعنى بالتجوال في أماكن بغداد عن طريق الدراجات، وقد شملت حملتهم أيضاً تسليط الضوء على حماية الدور التراثية، والضغط على المعنيين لحمايتها من التهديم، ذلك لأن عائدية الكثير من هذه الدور هي لسكان محليين يرغبون ببيعها لأنها تقع في مناطق مهمة تجارياً وسط بغداد، لكن القانون العراقي يمنع تهديم هذه الدور، إلا أن بعض العوائل -وبطرق متحايلة- تقوم بهدمها بصورة غير مباشرة، ثم يشرعون ببيعها.
كما أقامت المبادرة فعاليات عديدة في المحافظات، من دون الدراجات الهوائية، وإنما من أجل حماية التراث أيضاً بالتنسيق مع مديريات الآثار، فقد اكتشفوا ووثقوا أكثر من مكان أثري، مع اكتشافهم لكثير من المناطق غير المكتشفة حتى يومنا هذا.
شغف الدراجة واكتشاف المدينة
(حسين محمد)، أحد متطوعي مبادرة برج بابل لحماية التراث، تحدث لـ “مجلة الشبكة” عن انضمامه ومشاركته، إذ كرس شغفه وولعه بركوب الدراجة، على أن يكون جزءاً من مبادرة يؤمن بها وبأهدافها:
“بدأت المشاركة في نشاطات برج بابل بعد الموسم الثاني، كان لدي شغف بركوب الدراجة الهوائية، وحب كبير لمعالم مدينتي والتعرف على أماكنها التراثية، وأن أكون جزءاً من حماية هذه المعالم، اتجهت معهم في جولتنا الأولى الى قصر الوالي، وانطلقنا كمجموعة ليست بالقليلة، من هنا تيقنت بأني سأبقى عضواً مخلصاً لهذه المبادرة، نتعرض الى مضايقات كثيرة من أصحاب السيارات، الذين يظنون أننا نضايقهم، لكن الأرصفة مستغلة والشوارع أيضاً، وليس لنا مكان خاص بنا، فماذا نفعل ونحن نحب أن نحمي تراثنا من خلال الدراجة؟ أقمنا أيضاً جلسة مع أحد المختصين بعلم (الكايروباتك)، كذلك أدرت جلسة حوارية مع اثنين من محاربي السرطان والصعوبات التي يواجهها مرضى السرطان في العراق، وأيضاً قدمت ورشة في برج بابل عن التعايش السلمي في وسائل التواصل الاجتماعي. في ثلاث سنوات استفدت الكثير من برج بابل، هم مبدعون كلٌ في اختصاصه، وكسبتهم كعائلة ثانية مليئة بالمحبة.”
تعليم الأطفال الأنشطة الإنسانية المجتمعية
أما (أبو هبة)، فلا طعم للجولات التي يقوم بها دون حضور أولاده الثلاثة. في البدء كان يشارك لوحده، ثم بدأ بوضع ابنتيه معه على الدراجة، وما إن كبرتا قليلاً حتى قام بتعليم جميع أولاده ركوب الدراجة لوحدهم، كانوا خائفين بعض الشيء من مواجهة الشارع العراقي -كما يوضح- لكنهم اليوم لا يفوتون أية جولة استكشافية. يكمل حديثه لـ “مجلة الشبكة” بالقول:
“اعمل في كردستان العراق، لكن أولادي في بغداد يتابعون مجريات الاتفاقات على الجولات، وحال عودتي آخذهم للاستمتاع برؤية مدينتهم، حيث اتجهوا مع فريق مبادرة برج بابل الى الكثير من المناطق، حتى تلك البعيدة التي تقع عند أطراف العاصمة، كما قمت بتحفيزهم وتشجيعهم في أن يكونوا جزءاً من المجتمع التطوعي لبلادهم.”
ويؤكد أبو هبة أن المبادرة لم تعد تقتصر على جولات الدراجات فقط، بل إنها أسست شبكة أواصر اجتماعية وعلاقات إنسانية، وأصبحت نظاماً عائلياً بفيض من المحبة بالمشاركة في جميع المناسبات الخاصة بأعضاء المبادرة في مناسباتهم الاجتماعية.
“أصبحنا بمثابة عائلة كبيرة، نلتقي معاً ويدعم بعضنا بعضاً، نقدم النشاط التطوعي للحالات الإنسانية، وهذه التجربة تعني لي كثير.”